الرئيسيةمتابعات سينمائيةأيام الشريط القصير بخريبكة ” إدانة للحرب وللعبودية وللفوارق المجتمعية محار سينمائية “

أيام الشريط القصير بخريبكة ” إدانة للحرب وللعبودية وللفوارق المجتمعية محار سينمائية “

اختتم بخريبكة أيام الشريط القصير المنظمة خلال الفترة الممتدة مابين 19 يناير و 09 فبراير 2019 ، الأيام التي عرض خلالها سبع اشرطة سينمائية قصيرة من فرنسا وأفغانستان كإنتاج مشترك والمغرب والهند. وتوجت الايام بتنظيم ندوة محورية حول الشريط القصير : المحاور و الشاعرية والاستلهام من الاقصوصة ،باعتبارها عناصر مكونة للندوة .
والعناوين السينمائية التي عرضت خلال هذه الايام هي : لمخرجتين من اصل خمس مخرجين منهم من نحث اسمه على صخر الخلود سينمائيا ومنهم من لازال يبحث لنفسه عن موقع ضمن خارطة السينما عالميا.

إدانة الحرب والعبودية

والعناوين التي عرضت خلال هذه الايام هي : البرقية لكورالي فارجا سينمائيا فرنسية من مواليد سنة 1976 شريطها مقتبس عن قصة بنفس العنوان للكاتب الاسكوتلاندي لين كريشطو سميت ، حول سيدتين تترقبان أخبار الابناء بالجبهة القتالية وقد اعتبر منشط الحصة عبد اللطيف الركاني في تقديمه ” ان اللقطات الدخيلة التي تضمنها فيلم ألبرقية لقطة مكبرة لملصق إعلان ألتجنيد “لقطة مكبرة على عصفور في قفص”، “لقطة مكبرة على قطة”، “لقطة مكبرة على مائدة عليها فنجانين و إبريق قهوة” كلها تظهر أشياء أو كائنات حية تنتمي للعالم المحكي (عالم القصة)، و تحمل في نفس الوقت معاني مجازية. و هي بذلك بقدر ما تخدم القصة و تعمل على تقدم أحداثها، وتستدعي خيال المتفرج و تدعوه لإنتاج المعنى.
أما المحور ألثاني فقد اهتم المنشط بالوظيفة الثنائية للحوار في فيلم “البرقية”. عمل الحوار في هذا الفيلم من جهة على تقديم الشخصيات و الكشف عن جوانبها السيكولوجية و عن قلقها و محفزاتها و رغباتها، و من جهة أخرى فإنه ظل يشكل محرك السرد و منظمة والشريط يقدم رسالة إدانة للحرب وهو من إنتاج سنة 2013 يعود بالمشاهد خلال 13 دقيقة الى اعماق النفسيات المتذمرة من الحرب وتبعاتها . الشريط الثاني ضمن هذه الأيام يقارب عنصرا من عناصر ” الثالوث المحرم ” فالمخرجة شابمان زرياب الفرنسية الجنسية قاربت موضوع ” الرجال-النسوانيون ” بمجتمع محافظ ( متدين ) حيث يجتمع رجال يسمرون على انغام ورقصات رجل بيولوجيا ونسوى الملمح حيث الشفاه مرسومة والوشاح الشفاف كل شئ يثير الغريزة الذكورية لرجال لا يتمالكون انفسهم وهم يرمون الاوراق النقدية اجواء تشحذ غرائزهم والتي كشفت عن جوانبها السلبية المخرجة شابنام زارياب عبر شريطها عندما تسمع الجريسات ، عنوان يحيل على الرقص فالشريط رغم حساسية موضعه بالنسبة للشرقيين فانه لم يمنع مطلقا ، الشئ الوحيد هوانه لم يصور في الفضاءات الجغرافية الأصلية لافغانستان ( دون أن يعني ذلك منعا ) بل صور في تونس عوض البلد الأصلي للمخرجة فعبر ستة وعشرون دقيقة مدة العرض ،و الخطاب يمرر عبر اللون الاحمر والأصفر وعبر الموسيقى .وقد جاء في تقديم هذا الشريط من طرف منشطه عزيزاعليلوش أن ” موقف المخرجة واضحا منذ اللقطة الأولى، التي جعلت منها لقطة ألمفاجئة و كأن لسان حالها يقول بأن ما سيعرض أمامكم سيكون مخالفا لكل الأعراف الإنسانية. و بنوع من السخرية تعلن شابمان مرة أخرى موقفها من خلال توالي لقطتن لمتضادتين حيث تظهر الأولى اغتصاب الشاب “سامان”، فيما تظهر الثانية سيده و هو يصلي. مفارقة فاضحة تدين سكيزوفرينيا شخصية “فاروخزاد”.
و تتموقف شابمان زرياب مرة أخرى بصرختها بأن يتوقف كل هذا، ففي المشاهد الأخيرة من ألفيلم حين يعلم “سامان” بمصير الشاب الذي كان في وضعيته سابقا، يقرر التضحية بنفسه لإنقاذ الصغير “بيجان” الذي التحق مؤخرا. كما أن وظيفة الرقص في ألفيلم ركيزة اساسية في بناء الفيلم و محركا لأحداثه. و قد ميز ثلاثة وضعيات للرقص داخل الفيلم: الأولى رقصة الإكراه، و الثانية رقصة استعادة الجسد ألمغتصب و الثالثة رقصة التخلص من العبودية و الخضوع و ذلك أمام أعين سيده “فاروخزاد”.

مابين الحوار الصامت والمنطوق ننتج المعنى

الفقرة الثانية من هذه الحصة خصصت لعرض شريطين من فرنسا شريط “اميلي ميلر”للمخرج الفرنسي يفين مارسيناو ( 1953-2011 ) والشريط الثاني لعميد السينما الهندية ساتيا جيت راي (1921 –1992 ) الذي اخرج شريطه القصير اثنان تحت طلب قناة تلفزية أمريكية غير ربحية سنة 1964 وهو بالأبيض والأسود فخلال ربع ساعة حاور ساتيا جيت راي شخصياته وهما طفلان دون حوار منطوق بل كان بالمواجهة عبر لعبهم التي تفجر فوارقا طبقية بين من يعيش في قصر ومن يسكن كوخ من يملك انسانا اليا ومن يملك طبلا ومزمارا . أما فيما يخص عملية التبئير فقد لخصها منشط هذا العرض من خلال ” الصراع الدائر بين طفلين ينتميان لفئتين اجتماعيتين مختلفتين الأمر الذي يوضحه المخرج عبر الألعاب التي يتحاوران عبرها فالأول وهو الموجود اعلي يتحاور مع الطفل الموجود أسفل قصره بالألعاب الالكترونية فيما الآخر يواجهه بألعاب مصنوعة يدويا .إنها محاورات بين فئتين / بين طفلين وبين مجتمعين . وقد وظف المخرج لتقديم خطابه السينمائي اللقطة الحوارية / التقابلية) ثم اللقطة المائلة / الغاطسة في البداية (من الأعلى إلى الأسفل) ليقول لنا المخرج ان الطفل من يكون / وضعه الاجتماعي .
ثم اللقطة الصدرية وهو خلف قضبان النافذة ليقول ” أنا اوجد هنا ”
وفي لقطة أخرى وهو يصوب بندقيته من خلف القضبان فهو يقول لنا من أنا / طبعي أو تطبعي ” اما الشريط الفرنسي إملي ميلير فهو كذلك بالابيض والأسود يعطي درسا مهما لكل من يرغب اجتياز امتحان الترشيح للتشخيص بالأعمال السينمائية والدرامية ، عبر هذه المشخصة نكتشف عوالم النفس الإنسانية ، الإنسان وعلاقته بالأشياء فخلال عشرين دقيقة كانت الاجواء داخل استوديو التصوير وفضاءات العمل ألمخبري سينمائيا الانارة التصوير مساعدو المخرج والتقنيون اجواء سينمائية . وقد ركز المنشط عبد الله المركي في أرضية تقديمه على ثلاث نقاط ساهمت في بناء الفيلم : الحوار واللقطة المكبرة الثابتة والفضاء المغلق:
1. قوة وبلاغة الحوار الذي يدعو المتلقي للتأمل.
2. الكاريزما الأنثوية للممثلة “فيرونيكا فاركا” وحضورها القوي الشيء الذي دفع المخرج لاستعمال اللقطة المكبرة مركزا على نظرات وحركات وابتسامة الممثلة.
3. المشاهد إلى الهدف الذي يريده ومن تم خداعه الشيء الذي يوضح مدا قدرة السينما على تمرير الصور الخطابات في غفلة من المشاهد ” .

مثل الفراشات فرص هاربة 

الحصة الثالثة لهذه الايام خصصت لثلاثية مخرج شاب يبحث عن موقع سينمائي وقد لخص ذلك منشط الحصة عزا لدين كريران والذي ” اعتبره مخرجا صاعدا أبان عن مؤهلات هامة حيث نالت أفلامه الثلاثة العديد من الجوائز في مجموعة من المهرجانات الوطنية التي شاركت فيها ” ليتوالى على تقديم ثلاثية بادي منشطون آخرون كل اشتغل على جانب من العالم السينمائي الذي اقترحه المخرج الذي قدم له خلال هذه الايام ثلاث فصول : الصيف والشتاء والخريف والتي اخرجها عماد بادي مابين سنة 2015 و2017 التي عرضت تحث عنوان ثلاثية عماد بادي : الفرص الضائعة !! فالمروحة لم تنفع رغم اصلاحها …والفحم اشعل بعد ان …والماء الدافئ وصل بعد التهئي للدفن .. فرص يفعل بها لتضيع .وقد اعتمد منشطا هذه الحصة مجموعة من العناصر ساهمة في ناء متميز هذه الافلام من خلال : ” فوات الأوان كهاجس يؤرق بال مخرج الافلام الثلاثة وهي دعوة للتأمل في هذه المعضلة و الوقوف على بعض أسبابها في أفق العمل على إزاحتها. و من أجل ذلك يسخر مجموعة من عناصر الكتابة السينمائية منها : سيادة لقطات طويلة نسبيا تفرض إيقاعا بطيئا للفيلم ،وعلى تقنية الإطار داخل الإطار من خلال الحضور القوي للباب في العديد من اللقطات. و بذلك يسلب شخصياته حريتها، وضعية تسمح لنا كمتفرجين بأخذ المسافة اللازمة من الشخصيات و الأشياء و الأحداث،التقابل بين الحقل و خارج الحقل يعطي للحوار وقعا آخر على المتفرج. و عندما نسمع صوت وقوع الطفل و إنائه صوت كان له وقع أكثر مما لوى جعل السقوط مرئيا. دعوة لإنتاج المعنى. و الحوار مقتضبا، لكنه في بعض الحالات يكون عميقا وذا نفحة فلسفية. مثلا هذا الحوار بين الأم و ابنتها:
+ ألأم الصبر فيه الآجر … هل تريدين الآجر؟
+ ألبنت أريد مروحة
جواب البنت غير ألمنتظر كان بمثابة دعوة إلى إنزال التفكير من السماء إلى ألأرض و الاهتمام بالمشاكل و الحاجيات الحقيقة للناس عوض بيعهم الوهم كتغطية عن واقع مر نفتقد فيه أبسط الأشياء… نفتقد فيه إنسانيتنا.
– حضور لافت للقطة ” اللقطة تاتامي / نوع من اللقطات اليابانية حيث تكون الكاميرا على علو أقل من ألعادي و الذي يتماشى و وضعية جلوس الشخصيات على الأرض وفقا للطقوس أليابانية أملاه الديكور البسيط الذي غالبا ما يكون عبارة عن أفرشة موضوعة على الأرض و عند جلوس الشخصيات عليها تصبح في وضعية يتطلب تأطيرها اعتماد اللقطة تاتامي / نوع من اللقطات اليابانية” انها عناصر اعتمدها منشطا الحصة .
وفي اليوم الأخير من هذه الايام نظمت ندوة عنوانها : تأملات في الشريط القصير من خلال ثلاث محاور : شاعرية الشريط القصير من القصة القصيرة الى الشريط القصير تم قراء في افلام دورة الفيلم القصير ( لنا عودة لها ).
وقد احتضنت هذه الايام قاعة العروض السينمائية للخزانة الوسائطية لل( م.ش.ف ) في اول تعاون مابين جمعية النادي السينمائي بخريبكة والنادي السينمائي للخزانة الوسائطية .

 

ثلاث عبد العزيز صالح

تعليق واحد

  1. حسن بعلوان

    شخصيا، كنت محظوظا لتواجدي بخريبكة وقد تسنى لي متابعة وحضور العديد من الأفلام التي اعتبرها تحفة فنية دات خطاب أدبي عميق،رغم قصر المدة الزمنية للأفلام، إلا انها نجحت الى حد بعيد في طرح مجموعة من القضايا الإنسانية والكونية،التي كانت بمثابة المتحدث،عن معاناة الإنسان داخل مجتمعاتها ورفع الستار عن المسكوت الصادم داخل مجتمعات دات البنيات المركبة و المعقدة في استغلالها للدين كصورة في الواجهة وتجاوزها للقيم الإنسانية في ابشع صورها.
    على العموم الأفلام كانت صوت لما يحدث في أماكن في عالمنا، افكار يمكن لأي واحد منا ان يصادفها، دون أن ننتبه إليها، إلا انها موجودة وتخاطبنا كي نفكر مليا ان للسينما دور تواصلي، تربوي، إنساني خالص بالرغم من اختلافاتنا العقائدية، ومستوايتنا الاجتماعية، فالسينما توحدنا لان دورها فني وجمالي وأخلاقي.
    بعلوان حسن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *