الرئيسيةالسينما العربيةالمخرج التونسي يوسف الشابي: التركيز في أعمالي على ماهو سياسي مبالغ فيه

المخرج التونسي يوسف الشابي: التركيز في أعمالي على ماهو سياسي مبالغ فيه

*عبد الكريم واكريم

قبل إنجاز فيلمه الروائي الطويل الأول “أشكال” ( 2022 ) أخرج المخرج التونسي يوسف الشابي فيلمين قصيرين هما “نحو الشمال” و”الأعماق” ، ثم شارك سنة 2012 في إخراج فيلم “بابل”، الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم بالمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بمارسيليا.

 شارك الشابي بمشروع فيلمه “أشكال” في “ورشات الأطلس” سنة 2019 بمهرجان مراكش واستفاد من دعمها، واختير الفيلم للمشاركة في مسابقة “أسبوع النقاد” بمهرجان كان السينمائي وفي المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش السينمائي في دورته 19.

تدور أحداث فيلم “أشكال” في إحدى العمارات الكبيرة بحي حدائق قرطاج التي أنشأها النظام السابق في تونس ولم يتم الإنتهاء من عملية البناء فيها نظرا لقيام الثورة، بحيث يكتشف عنصران من الشرطة هما فاطمة و”بطل” جثة متفحمة في هذا البنيان الغير مكتمل مع بداية استئناف عملية البناء فيه مجددا، وهكذا يشرع المحققان في الغوص والبحث عن مجريات هذه القضية.

لقطة من فيلم “أشكال”

 

المكان كشخصية

عن اختياره لهذا المكان كشخصية رئيسية يقول الشابي ل”سينفيليا” أنه ومنذ بدأ التفكيرَ في إنجاز فيلمه هذا تحقَّق أنه هو الذي سيشجعه على البدء في التصوير، إذ وكأنه وجد مدينة يمكن لها أن تستوعب مايدور في ذهنه، خصوصا أن الناس في تونس لم يكونوا معتادين على مثل تلك المُركَّبَات السكنية بذلك الحجم، إذ أن النظام السابق حاول صناعة مدينة حديثة ومُؤمَّنَة وغنية يستفيد منها من كانوا قريبين منه ويدورون في دائرته، لكن لم يتم إنهاؤها بسبب الثورة التونسية، هذا إضافة لعامل النار التي أشعلت الثورة في تلك المدينة لتصير على ما هي عليه بعد ذلك، وهكذا تكاثفت هذه العوامل و”فهمتُ أنني أستطيع أن أنجز فيلما يُعنَى ويهتَم بالأمور التي تُحَسُّ أكثر من تلك التي تقبل تفسيرا عقلانيا”.

العنوان كعتبة

بخصوص العنوان وعلاقته بما يدور في الفيلم يقول يوسف الشابي ل”سينفيليا” “صحيح أنه حينما نفكر في العنوان لوحده تذهب بنا أذهاننا إلى مجال الهندسة المعمارية ومِعمار تلك المدينة، لكن بالنسبة لي التركيبة الهندسية يمكن أن تكون في جسم، في وجه، في صورة أو في شيء خفي وغير قابل للإدراك، ولهذا فكلما تعمَّقَت الشخصيتان الرئيسيتان في تحقيقهما البوليسي إلا ووقع نوع من  التماهي، إذ أن شخصية المحققة فاطمة تصل بالتدريج لنوع من النشوة والجنون”.

رؤية روحانية

بخصوص انطلاق فيلم “هلاوس” في البداية من منطلقات ورؤية واقعية ليغوص بالمُشَاهد بدون استعجال وبالتدريج في عوالم سوريالية، يحضر الحديث عن مسألة الإيقاع الفيلمي التي تصير جد مهمة لضبط السرد  إبتداء من كتابة السيناريو ثم في التصوير وانتهاء بالكتابة النهائية عبر المونطاج، يؤكد الشابي ل”سينفيليا” أن الصور التي اختار كي يشتغل  عليها في الفيلم منذ البداية يمكن أن تكون لها قراءات مختلفة، فمن أول الفيلم رغم أننا نشاهد أحداثا واقعية لكن تتضمن أمورا لم نتعود عليها في الواقع، إذ أن الذي يشعل النار في نفسه احتجاجا يفعل ذلك في ساحات عامة وأمام أنظار الناس “لكن أنا اخترت أن أجعل منذ البداية هذا الأمر يتم في مكان معزول وبعيد عن الأنظار، ومن هنا  أردت أن ألفت الإنتباه إلى أن هنالك شيئا غير معتاد يحدث، وهكذا وبالتدريج يمكن قراءة فعل إحراق الناس لأنفسهم ليس فقط من الناحيتين الإجتماعية والسياسية بل أيضا انطلاقا من رؤية روحانية وغيبية، ولهذا هنالك ذلك التدرج في طبقات الفيلم التي تَتَبدَّى وتظهر بالتدريج كلما تقدمنا في مشاهدته”.

عدم يقين

يحتوي فيلم “أشكال” على نقد سياسي واجتماعي، لكنه ليس مباشرا إذ غَلَّفَ الشابي ذلك النقد بأسلوب فني وجمالي قد يذكرنا بفيلم “هلاوس”  لمواطنه المخرج علاء الدين سليم، بحيث تتشابه عوالم وأسلوب الفيلمين، هذا الفيلم الأخير الذي فاز بجائزة الإخراج بمهرجان مراكش السينمائي سنة 2019 . انطلاقا من هذا التشابه سألت “سينفيليا” الشابي هل بالإمكان الحديث الآن عن تيار شاب في السينما التونسية  يجد نفسه من ضمنه، أم هي مجرد مصادفة أن تتشابه الإختيارات والرُّؤَى الجمالية والفنية لمخرجين من نفس الجيل. فأجاب أنه وعلاء الدين سليم يعرفان بعضهما جيدا، واشتغلا مع بعض في فيلم “بابيلون”، إضافة لمخرج تونسي آخر هو إسماعيل الشابي، مضيفا “لكن بعد ذلك لست أدري هل يمكن مقارنة أفلامنا ببعضها، فالمتشابه بالنسبة لي بين فيلمي وفيلمه هو الإهتمام بشكل كبير ومُفكَّر فيه بالمكان الذي نصوره وبالأجواء التي يعطيها لنا ويمَكِّنُنَا منها، وبالتالي إدخال الشخصيات في هذه الأجواء، حتى أننا في البداية لانكون مُتيقِّنين  تماما من كل ماسنصوره”. مؤكدا أن هناك الآن في السينما التونسية استكشافا للخيال، وهذا أمر جد مهم بالنسبة له، مضيفا أن “حتى أن التركيز في أعمالنا على ماهو سياسي يظهر لي مبالغا فيه مقارنة بهذا الجانب الذي ذكرته”.

مرجعيات فنية

حول مرجعياته الفنية والسينمائية والتي يجد نفسه متأثرا بها وتحضر في أعماله يقول يوسف الشابي ل”سينفيليا” “أول شيء تأثرت به هي الموسيقى والتصوير الفوتوغرافي والفن التشكيلي، ثم الإشتغال على المَدِينَة والمَدَنِيَّة ومعنى ذلك، وسينمائيا أحب السينما اليابانية، وعموما كل تلك الأفلام التي لاتُعطي للمشاهد كل شيء ولاتشرح له، بقدر ما تدع له مجالا للإستكشاف  والمشاركة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *