بمناسبة عرض فيلم ” فينك أليام ” للمخرج إدريس اشويكة بالمركز الثقافي بالقنيطرة يوم 27 ماي 2025
في “فينك أليام”, لا نتابع فقط حكاية سبعة رفاق يجتمعون بعد غياب، بل نلج عالماً من الذاكرة المزدوجة: ذاكرة شخصية وأخرى جماعية، تمتزج فيه الأحلام بالخذلان، والحب بالموت، والتاريخ بالحلم المؤجل. إدريس اشويكة لا يقدم فيلماً وثائقياً، بل قصيدة حنين، مفعمة بالشجن، فيها من الحنين بقدر ما فيها من النسيان.
الزمن: بطل خفي
الزمن في هذا الفيلم ليس خطاً مستقيماً، بل فسيفساء من الذكريات المقطعة. كل لقطة، كل نظرة، كل ارتباك بين الشخصيات، هو صدى لزمن أكبر من اللحظة، زمن الرفقة النضالية التي اختبرت القمع والحب والأمل. من خلال تقاطع الأزمنة، يحاول اشويكة أن يداوي جراح الماضي أو ربما يعيد رسمه كما كان يتمنى لو حدث. المشاهد يُحس بأن الزمن يمرّ داخل النفوس، لا على عقارب الساعة.
الفضاء: فيلا أم حلم؟
الفيلا التي جمعتهم ليست فقط مكانًا، بل رمزًا. قد يراها البعض ترفاً لا يشبه “الرفاق”، لكن من زاوية عاشقة، يمكن أن تُقرأ كجزء من حنين إلى وطن أجمل، مكان مثالي مؤقت في قلب خراب الواقع. هي فضاء يلمّ شتاتهم، يمنحهم لحظة صفاء يستحقونها ولو في الخيال. هي ليست واقعية، لكنها حلم جيل جُرح كثيراً.
الشخصيات: وجوه الحب والألم
الرفاق السبعة هم مرايا لزمن خفت بريقه. لا يصرخون بالشعارات، ولا يتبادلون صيغًا إيديولوجية جاهزة، لكن في نظراتهم، في صمتهم، في الهشاشة التي تعتريهم، حب كبير، وحنين أكبر. شخصياتهم تشبه جيل ما بعد الهزيمة، جيل يعيد تشكيل الحكاية لا ليغشّنا، بل ليُطمئن نفسه أنه لم يخطئ كلياً.
الذاكرة: ناعمة حد القسوة
أجمل ما في “فينك أليام” أنه لا يدّعي الحقيقة المطلقة، بل يقدّم نسخاً شعورية منها. نرى الماضي ككوابيس تطارد الأبنة، لا كأحداث مفصلة. نسمع عن الحب والصداقة والألم، ولا نغرق في التوثيق. الفيلم يعانق الذاكرة بعاطفة الأم، لا بمنطق المؤرخ. ومن هنا تكمن عاطفيته وسحره.
فيلم الحنين الحزين
“فينك أليام” ليس فقط سؤالاً عن الماضي، بل عن ما تبقى منه. هل يمكن لجيل أن يعيش بعد أن انهار حلمه؟ هل يمكن للمصالحة مع الماضي أن تتم بدون الاعتراف بالألم؟ الفيلم لا يجيب، بل يترك لنا وجوهاً مرهقة، أغاني خافتة، وسؤالاً مفتوحاً: “فينك أليام؟”
ربما تكون الأيام قد غابت، لكن في هذا الفيلم، وفي نظرة عاشقة مثقلة بالحزن، ما زال بعض من نورها يشع.
عبدالخالق بلعربي