الرئيسيةمتابعات سينمائيةفضائح المركز السينمائي..الشجرة التي تخفي الغابة

فضائح المركز السينمائي..الشجرة التي تخفي الغابة

في وقت قصير جدا، راكمت إدارة المركز السينمائي المغربي الأخطاء وأبانت عن ارتجال هاو غير متوقع، وبصراحة، من الصعب تصور كيف يمكن تحميل موظف المسؤولية عن محتوى فيلم. فالمسؤول أولا، هو كاتب السيناريو والمنتج والمخرج، وثانيا، لجنة دعم الإنتاج السينمائي التي راقبت الفيلم، وكذلك تلك التي أشرفت على انتقائه…

عندما نهتم عن قرب بالقطاع السينمائي، يستوقفنا ذلك المنحى المؤسف للأحداث في الآونة الأخيرة. ذلك أن أخطاء التقييم المتعددة التي ينضاف إليها تخبط إدارة المركز السينمائي، وكذلك الطابع الأحادي للقرارات المتخذة على عجل دون تشاور، كلها تترجم امتعاض أصحاب القرار الذين يصعب عليهم تحديد موقفهم بوضوح ودقة لمقاربة مختلف الأسئلة المتعلقة بتدبير القطاع المذكور الذي تهزه مجموعة من التعثرات تشهد على الخلل الحاصل في مؤسسة تعمل وفق مزاج البعض وحالتهم النفسية، ما يعكس انعدام تبصر”المسؤولين”، وحجب الرؤية عنهم ما يدفعهم إلى البحث عن أكباش فداء وإلى الارتجال في اتخاذ القرارات، وغيرها من المظاهر التي تكشف عن الافتقار إلى المعرفة وغياب رؤية محددة لترأس بشكل أفضل المصير السينمائي في بلدنا.

ففي وقت قصير جدا، راكمت إدارة المركز السينمائي المغربي الأخطاء وأبانت عن ارتجال هاو غير متوقع، بدءا بالتراجع المتعلق بالموسيقى التصويرية لفيلم Casa Burning “زنقة كونطاكت”، حين أرسلت إشعارا إنذاريا إلى المخرج لكي يحذف، بعد عام من إصدار الفيلم، أغنية مريم منت الحسان (مغنية موالية للبوليساريو).

ويبرر المركز السينمائي موقفه بكون النسخة الأولية للسيناريو لم تكن تتضمن أي إشارة للأغنية أصل الجدل. ومع ذلك، فقد تم اختياره من قبل لجنة، وتمت برمجته في الدورة 22 للمهرجان الوطني للفيلم، فضلا عن منحه الجائزة الكبرى للمهرجان (طنجة 2022)، بعد عرضه في 16 قاعة موزعة على 6 مدن مغربية، من 9 غشت إلى 8 شتنبر 2022، واستفاد من دعم بـ 4.2 مليون درهم. إلا أنه في هذه القضية، لم يتم العثور على أي كبش فداء.

هذه الحالة أجبرت المخرج المعني على الامتثال حتى يتجنب وضعه في القائمة السوداء. وقد حاولت الوزارة الوصية تعبئة عدد من الجمعيات والمجموعات لدعمها في مبادرتها هاته، ولتشكل ذرعا واقيا لها. وحاولت كل مؤسسة بادرت إلى الدعم، الاستجابة بطريقتها الخاصة لنداء الاستغاثة حتى تدافع عن الوزارة المذكورة وتحدد الموقف الصائب سياسيا، وهو أمر لا يخلو من إثارة قضايا الأخلاقيات… والجماليات أساسا.

لطالما كان تنظيم مهرجان طنجة الوطني للسينما تحت إدارة فريق المركز السينمائي المغربي. وليس هناك من حاجة لإثبات تجربة المنظمين داخل هذا المركز، وإن كانت ظهرت بعض الخلافات خلال السنوات الأخيرة. فقد كان المهرجان الوطني للفيلم الأخير عرضة للكثير من النفور والاتهام والانتقاد من كل الجهات. حيث انتقد البعض طريقة الاشتغال، وحاول آخرون إيجاد تفسير للاختلالات المتعددة التي شابت إجراء دورة 2022. وفي الخلفية، كانت ترسم معالم الخلاف القائم مع رئيس قسم الدعم والتعاون، الذي كان تحت مجهر الإدارة وبالتالي في مرمى المدير بالنيابة آنذاك، لأنه كان قويا بخبرته ومسلحا بشجاعة مثالية على اعتبار أنه كان حاملا لمشروع وله طريقته في التعامل التي كانت تزعج رئيسه.

أثارت التصريحات الواردة في إحدى لقطات الفيلم الوثائقي “زوايا الصحراء… زوايا الوطن” الذي تم عرضه خلال مهرجان العيون للفيلم الوثائقي (نهاية دجنبر 2022)، جدلا على إثره قدمت العديد من القبائل الصحراوية دعمها لقبيلة الركيبات منددة بتلك التصريحات التي تمس إحدى الزوايا الصوفية بالصحراء المغربية. وللتخفيف من حدة التوتر، التقى والي الجهة بوفد شيوخ وأعيان قبيلة الركيبات، وقرر إلغاء فعاليات المهرجان وإزالة الملصقات واللافتات الخاصة به.

هذا الحادث الخطير سيكشف عن عدم كفاءة الإدارة المذكورة في تدبير مشاكل السينما في المغرب. وبالتالي كان لزاما إيجاد شخص مسؤول وتعيينه كمصدر للنزاع، وكان هذا الشخص، هو رئيس قسم الدعم والتعاون. وجاء ذلك بمثابة الضربة المزدوجة التي سمحت للمدير بالنيابة بتبرئة نفسه من جهة، وتصفية خصم داخلي، من جهة أخرى، وذلك عندما طالبه بتقديم استقالته نهاية 2022 من منصب المسؤولية الذي كان يشغله منذ عقود.

بصراحة، من الصعب تصور كيف يمكن تحميل موظف بالمركز السينمائي المغربي المسؤولية عن محتوى فيلم. فالمسؤول أولا، هو كاتب السيناريو والمنتج والمخرج، وثانيا، لجنة دعم الإنتاج التي راقبت الفيلم، وكذلك تلك التي أشرفت على انتقائه.

وهو يراكم أفعاله الخرقاء، جاءت للمدير بالنيابة السابق فكرة “متنورة”، تتعلق باقتراح يهم تمكين اتحادات المهرجانات (التي تم تعزيزها مؤخرا بآخر فكرة حول التنظير لمستقبل السينما في بلدنا) من التوفر على صندوق دعم المهرجانات والتظاهرات السينمائية. لكن يبدو أن الناس لديهم ذاكرة قصيرة، لقد رأينا، منذ أكثر من 20 سنة، ما حدث عندما أعطينا المهنيين (الغرف في ذلك الوقت) فرصة تدبير صندوق دعم الإنتاج، من محسوبية وزبونية وابتزاز.

وعندما ننظر إلى المنحى الذي اتخذته الأحداث المختلفة في القطاع، في وقت قياسي، لا يمكننا إلا أن نقلق بشأن الانجراف الذي نسير نحوه.

تتم إقالة الكاتب العام السابق الذي عُين مديرا للمركز السينمائي المغربي (حيث أعيد إلى وظيفته الأولى ككاتب عام) من قبل وزير الشباب والثقافة والاتصال، الذي عين كاتبه العام مديرا جديدا بالنيابة على رأس المركز. كثيرة هي التحركات (أو الشطحات) التي تظهر الأداء السيء لجهاز يجعل آليات تسيير الشأن السينمائي في وضع صعب، في الوقت الذي يُدعى فيه جميع المهتمين للتعبئة من أجل التحضير الفعلي لإنتاج فيلم، ومواجهة التحديات المتعددة التي تلوح في الأفق.

من الصعب فهم سبب عدم قيام الوزير المعني بفتح الترشيح أمام إمكانية تعيين مدير للمركز، مع ممارسة الشفافية وتفعيل المسطرة الديمقراطية.

إن الأمر مؤسف لأن الأصوات التي ترفع للتنديد بهذه الأفعال هي أصوات رواد السينما أو النشطاء أو الذين يرفضون الخلود إلى صمت متواطئ. وهذه حالة دفعت البعض إلى طرح السؤال حول الصمت الذي يطبع “مهنيي القطاع”.

شيء واحد واضح: الأمر يتعلق بالتعبئة الجماعية حتى يمكن التفكير بجدية في مستقبل السينما في بلدنا وتأكيد التعبير الثقافي الأساسي من أجل رفع التحديات على الصعيدين الداخلي والخارجي.

 

*مولاي ادريس الجعيدي (ناقد سينمائي مغربي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *