الرئيسيةمتابعات سينمائية” نحن شباب، نحن أقوياء” في أي مسار؟

” نحن شباب، نحن أقوياء” في أي مسار؟

تجدد الموعد في أمسية سينمائية ببني ملال، في أحضان المركب الثقافي للأشجار العالية وفي ضيافة نادي “أنوار داي السينمائي ” يومه الأربعاء 25 أبريل 2018.
لن يختلف اثنان في مسألة امتلاك الشباب للقوة، لكن مسارات تفريغها هي ما يصنع الاختلاف، هذا ما ذهب إليه المخرج الأفغاني برهان قرباني في فيلم ” نحن شباب، نحن أقوياء” من إنتاج ألماني سنة 2014، الذي نطلق من أحداث واقعية بداية التسعينيات من القرن الماضي بمدينة روستوك في الشمال الشرقي الألماني، هذه المدينة كانت جزءا من ألمانيا الشرقية الاشتراكية، لكن تلك الأحداث وقعت ثلاث سنوات بعد سقوط جدار برلين، وسنتين بعد توحيد ألمانيا. تحكمت عوامل كثيرة في عودة المخرج إلى هذه الفترة، فهو سليل أسرة مهاجرة وجدت صعوبة في الحصول على وثائق الإقامة ذات نزوح اضطراري إلى أوربا، كما أن ما يعيشه العالم اليوم من تطورات مماثلة، كشفت عن قضايا كثيرة متعلقة بالعنصرية، وما يعيشه السوريون وباقي المهاجرين في الدول الأوربية خير دليل على سوء أوضاعهم.

 

لن نذهب بعيدا في تناول موضوع الهجرة واللجوء السياسي من زاوياه وأبعاده العامة ولكن سنرتبط بالفيلم الذي ركز على ثلاثة قصص/ وضعيات، الأولى تخص الشاب “ستيفان” الذي وجد نفسه في ظل الظروف التي كان يتخبط فيها منتميا للنازيين الجدد، ثم والده المنتمي للنخبة السياسية التي كانت على عاتقها مسؤولية إيجاد واقتراح حلول للأزمات المستجدة بعد توحيد ألمانيا، وأخيرا قصة الشابة الفيتنامية التي كانت ضحية الوصول إلى ألمانيا في الوقت غير المناسب والتي فرضت عليها الإقامة في بناية خاصة تحتضن المئات من اللاجئين الأخرين من جنسيات مختلفة.
بني سيناريو الفيلم على هذه المسارات الثلاثة المتعالقة والمتداخلة في ما بينها، فالشاب ستيفان وزملاؤه لم تكن لهم فضاءات تحتضن قوتهم وطاقتهم وحماسهم لتفريغه إيجابيا، كما افتقروا لوسط عائلي يتواصل ويتفاعل مع حاجياتهم، ولهذا كانت حياتهم كلها صخب وسهرات تعج بالخمر والجنس والتدخين، و لم يجدوا أمام أعينهم إلا الحلقة الضعيفة في تلك المدينة وهي فئة اللاجئين الذين هربوا من نيران البؤس والحرمان في بلدانهم ليجدوا أنفسهم بين مطرقة التغيير الاجتماعي وسندان الأزمة السياسية، هذا الصراع أوجد رجل السياسة/ الأب في ورطة، وهو ما تم تأكيده من خلال وضعيات التأطير، فالمخرج في معظم اللقطات يحاصر الأب ويغلق الأفق أمامه للتعبير عن عجزه في التواصل مع ابنه / المشكل، رغم أنه فتح النقاشات في اتجاهين مختلفين، الأول مع الأسرة الدموية(الأبوين) والثاني مع الأسرة السياسية (زملاؤه في الحزب).
وظف المخرج في مشاهد كثيرة الموسيقى الصاخبة لتخدم تيمة الثوران الشبابي، لكنه يعود للموسيقى الهادئة في لحظات استراحة الأب في منزله. ومن العناصر التي المثيرة في الفيلم، الاعتماد على الكاميرا المسافرة” الترافلينغ” لتجسيد التوتر وعدم الاستقرار في مصائر الشخوص، وفي نفس الوقت لخدمة الجانب التوثيقي الذي غلب على معظم المشاهد، ولهذا التقطت الكاميرا تفاصيل الوجوه والبيوت وأرضيات الشوارع وكواليس الاحتجاجات ولحظات الحب والقبل المسروقة والانتشاء بقنينات الجعة.
لا يمكن أن نتناول هذا الفيلم دون الإشارة إلى توظيف تقنية الأبيض والأسود ربما لإعطاء الطابع الاستراجعي للفيلم، لأن العديد من التفاصيل في الأحداث واقعية ، كما أن الفيلم فيه إدانة لدور السياسي العاجز عن وضع خطط عملية واستعجالية لتجاوز تلك المشاكل، وفي نفس الوقت، رغب المخرج في دق ناقوس الخطر لما يمكن أن يحدث في أي بلد من العالم بسبب هذه الأحداث المتسارعة، التي لا تستثني أي بلد، ولهذا أنهى الفيلم بلقطة رجم طفل ألماني للشابة الفيتنامية في مقر الإقامة الجديد، تعبيرا عن انتقال تلك الممارسات النازية والفاشيستة العنصرية إلى أجيال أخرى، وهي ممارسات تظهر هنا وهناك بحمولات وسياقات مختلفة.

محمد زروال/ بني ملال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *