لا شك في أن مهنة التمثيل كفن تحتل مكانة خاصة بين المهن داخل الحقل المسرحي أو السينمائي او التلفزيوني، و الممثل في المسرح ليس هو الممثل في السينما أو التليفزيون، فهناك فوق الخشبة نحتاج إلى موهبة فذة و هنالك أمام الكاميرا تحتاج إلى إدارة مفادها أداء جيد، وهذا قد حير عقول الأكاديميين والدارسين و المهتمين بفن التمثيل كفرع من فروع مباحث الدراسات السينمائية بمختلف المناهج النظرية والتاريخية والنقدية، ومن هنا يمكننا أن نطرح الاشكال التالي:
ماذا يقصد بإدارة الممثل ؟ و ما الفرق بين الممثل في المسرح و الممثل في السينما ؟ و أين تتجلى العلاقة بين المخرج و الممثل؟ و كيف تكون إدارة المخرج للممثل ؟ و متى يتم توجيه ؟
في كتاب “إعداد الممثل: في المعاناة الابداعية” للمخرج المسرحي الروسي “كونستانتين ستانيسلافسكي” اتضح أنه جل نظريات التمثيل قد تم استنباطها من الأداء المسرحي و ليس من الأداء السينمائي أو التلفزيوني و لقد تم تبني هذه النظريات في كل من بريطانيا و فرنسا و ألمانيا و الولايات المتحدة، خاصة في القرن التاسع عشر و القرن العشرين، ولكن هذا الامر ارتبط ارتباطا شديدا بفهم السلوك البشري خاصة علم النفس الادراكي و التحليل النفسي، و هذا في الحقيقة ليس ما نسعى إليه في سعينا نحو فهمنا لإدارة الممثل.
في معجم المعاني الجامع أدار الشيء بمعنى جعل حركاته تتواتر بعضها في إثر بعض ، و حسب” فريديريك تايلور” فالإدارة هي القيام بتحديد ما هو مطلوب عمله من العاملين بشكل صحيح ثم التأكد من انهم يؤدون ما هو مطلوب منهم من أعمال بأفضل الطرق، ويؤكد هذا القول ويليام وايت بقوله: أن الادارة فن ينحصر في توجيه و تنسيق و رقابة عدد من الاشخاص لإنجاز عملية محددة أو تحقيق هدف معلوم، و في حقل مهنة التمثيل تعني توجيه الممثل وترتيبه من أجل قيامه بالدور، ولكن هل الممثل في المسرح هو نفسه في السينما ؟
في كتاب ” السينما أو الرجل الخيالي” ” Cinéma ou l’homme imaginaire ” لعالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران” أن السينما منذ نشأتها قد استعانت بكبار الممثلين المسرحيين” . إذ أن الممثل في المسرح يعتبر من أهم عناصر المسرحية لأنه الوجهة الوحيدة إلى قلب المشاهد، وبدونه تظل المسرحية طريقها، وبالنسبة للمخرج المسرحي فالممثل وسيلة هامة من أجل تبليغ رسالة النص المسرحي، فأداء الممثل في المسرح لا يقتصر على لعب فقط، بل يكتشف نفسه عن طريق تواصله مع الاخرين.
إن طبيعة العمل المسرحي كانت و لازالت قائمة على أسلوب في التمثيل يختلف عن السينما، فالأداء المسرحي على سبيل المثال قد يعتمد على مواهب لابد منها كالرقص والغناء، أو فن الالقاء إذ يتعلق الأمر بمسرح الشعر أو الرسم، فالأبحاث السيميولوجية والانثربولوحية أكدت أن لعب الادوار مرحلة سابقة عن الاداء المسرحي كالمهارات الجسدية للممثل فوق الخشبة و الترنيم و الغناء الجماعي، و المشي و الرقص واستخدام الاقنعة و الازياء.
على الجانب الاخر ذكرت ” ماري إلين اوبراين” في كتابها ” film acting” أن التمثيل السينمائي ليس محدودا كالمسرح، أما في المسرح فعلى الممثل أن يتحلى بالقدرة على إيصال صوته ليملأ المكان، كما يجب عليه أن يكون واضحا و مفهوما في تجسيد شخص اخر غير ذاته هكذا قد يحرز اعترافا بأنه ممثل مسرحي ناجح،
يختلف الأمر في السينما لأن القوة التي تملكها الكاميرا على عكس الجانب الحسي و الطاقة، لأن للفيلم قوة جاذبة لإدراكنا تساوي في أثرها ما تتركه كتلة وجود شخص بجميع الأشياء الحسية أو الجسدية التي نراها بأعيننا، بحيث نقبل فوريااً أنماطاً متنوعة من الممثلين السينمائيين. فالسينما تساعد على نشوء ظاهرة تتعلق بالممثلين لا تظهر في المسرح، فهي تجعل أي شخص يمثل ، و هنا تتجلى علاقة المخرج بالممثل،” أن أي شخص من أي مكان يوضع في المكان المناسب يستطيع خلق شخصية في الفيلم“
ولكن كيف تكون إدارة المخرج للممثل ؟ و متى يتم توجيه الممثلين ؟
التنظير الأول ل “للمخرج الأمريكي وودي ألن” : “لتوجيه الممثلين فقط دعهم يفعلون عملهم “
في كتاب ” وودي ألن عن وودي ألن” سأل الكاتب والمخرج والناقد السويدي ستيج بيوركمان المخرج وودي ألن” ما سر توجيه الممثلين ؟ فأجاب قائلا :
أن كل ما عليك فعله كمخرج هو أن تستأجر ممثلين موهوبين و دعهم يقومون بعملهم، و هذا صحيح لأن بعض المخرجين يميل إلى الافراط في توجيه الممثلين مما يجعل الممثل يتهاون في التشخيص لأنه يحب المبالغة في الأداء و هذه المبالغة تفقدهم العفوية المتعلقة بموهبتهم الطبيعية، أن ربما هو ما يجعل المخرج وودي ألن يأكد قوله ” أقوم باستئجار ممثلين بارعين و أدعهم يفعلون ما هم جديرين بفعله و لا أجبرهم أبدا على فعل أي شيء لأنني أثق في غريزتهم التمثيلية,”
ولكن هل تصح هذه الثقة في توجيه الممثل المغربي ؟
التنظير الثاني ل” المخرج الإيطالي برناردو بيرتولوتشي” ابحث عن سر الممثل”
يقول “برناردو بيرتولوتشي ” مخرج فيلم ” الإمبراطور الأخير” الحائز على جائزتين الاوسكار والغولدن غلوب كأفضل مخرج و كاتب سيناريو لهذا الفيلم ،على المخرج أن يعرف أولا و قبل كل شيء اختيار الممثل أو الممثلة، فسر العمل الجيد مع الممثل هو اختياره أولا، و لكي تنجح هده العملية على المخرج أن ينسى الشخصية بداخل السيناريو للحظة و يركز اهتمامه في الشخص الذي أمامه.
هذا أمر في غاية الأهمية و خاصة أثناء التصوير لأن تركيزك على الممثل الذي أمامك هو من سيقودك لاكتشاف الشخصية داخل القصة، و في بعض الأحيان قد تختار ممثلا لأنه ملامحه تبدو ملائمة للشخصية، ولكن ستردك في النهاية أن هذا الأمر ليس مثيرا للإهتمام، و القوة الدافعة وراء أي فيلم هي فضول المخرج في اكتشاف سر كل شخصية مثلما هي حال توجيه الممثل.
التنظير الثالث ل ” المخرج الألماني فيم فيندرز” أختار الكفاءة وليس التظاهر”
إن مسألة اختيار الممثلين هي أكثر ما يخيف المخرج عندما يبدأ فلي صناعة الفيلم، فلا توجد هناك طريقة مميزة لتوجيههم فكل ممثل أو مخرج لديه سبيله الخاص، ولكن الأهم في كل ذلك ،”على كل مخرج أن يختار الكفاءة التي تشخص الأدوار بدل أولئك المتظاهرون بأنهم أحد أخر” كونك مخرجا ركز على الانسان الذي أمامك أن يكون ما هو عليه و أن يكون نفسه، فهذا يتضمن ثقة كافية في الموقف الذي تضعهم فيه كمخرج.
وكخلاصة يمكن القول أن إدارة الممثل يبقى غنيا بالنقاش ولا يمكن حصره في بضعة أراء، فالمسرح يحتاج إلى موهبة ساحقة أم السينما فتحتاج إلى الكفاءة، وهذا طبعا له علاقة بالاختيار أما التوجيه، فكل مخرج يقوم بتوجيه الممثل من زاويته الخاصة، و لكن مما لا شك فيه و ما تم استنتاجه هو أن المخرج لا يمكن أن يسأل الممثل ماهية التمثيل فهو في العادة يعرف ذلك، ولكن الجدير بمعرفته هو ملائمته للدور الذي سيوكل إليه.
وهذا الأمر يتضارب فيه المخرج بمدير الكاستينغ و هو الشيء الذي جعلنا ننفتح على السؤال التالي :
الكاستينغ في السينما المغربية :” اختيار الكفاءة أم العلاقات” ؟؟؟؟
عبد الرحيم الشافعي – المغرب