الرئيسيةالسينما المغربيةشهرة الوهم المثيرة قراءة في فيلم “أوهام الشهرة”

شهرة الوهم المثيرة قراءة في فيلم “أوهام الشهرة”

فيلم "أوهام الشهرة"

قصة الفيلم:
تدور أحداث الفيلم حول زوجين شابين وفاء، وعمر “المؤثر” الذي قرر الانخراط في تقديم محتويات عبر اليوتيوب بمشاركة زوجته ليكون ذلك محط أنظار المحيطين بهما من أفراد أسرتيهما، فمنهم المساند ومنهم المنتقد ومنهم المشكك. وينتهي الفيلم بمأساة خلاف بين الزوجين أثرت على متتبعيهما، ولم يكن ذلك سوى خدعة أخرى لجمع مزيد من الإعجابات (اللايكات).
موضوع الفيلم موضوع الساعة
الفيلم يندرج في الدراما الاجتماعية التي من خلالها تعالج القضايا والمشاكل الاجتماعية النابعة من عدة عوامل منها هم البحث عن لقمة العيش بشتى الطرق (الصدق، الخداع، الانتهازية، التملق…) ومنها معالجة وإبراز العلاقات الأسرية والاجتماعية التي ستظل يطبعها الصراع مادام تشكلها يؤسس على أشخاص مختلفي المواقف تجاه العيش والحياة والتعامل مع الغير.
وفي هذا الفيلم رصد لمعطيات ووقائع مرتبطة بالشهرة كسبيل لكسب المال والاغتناء بسرعة فائقة، وباقل جهد، ويتعلق الأمر بامتهان تقديم محتويات خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تمثل ذلك في الفيلم انطلاقا من الأحداث المتعلقة ببطلة الفيلم وزوجها وهما شابين تمكنا ـ حسب ما يظهرانه للأقرباء وغيرهم ـ من تكوين ثروة لافتة، يدل عليها حديثهما وتواصلهما مع الجمهور ، ويدل عليها مظهريهما واشتهار اسميهما في شتى أرجاء الوطن وخارجه.
وموضوع الفيلم يثير كثيرا من التساؤلات حول ما يثير الجمهور العريض من محتويات سطحية وإغرائية تافهة مسيئة للمروء والشهامة والحياء جسرا للاغتناء السريع. وهو ما يؤثر على الثقافة الجادة والرصينة التي بإمكانها بناء المجتمعات على أسس متينة. فـ”مع الانتشار الفظيع للقنوات الرقمية والحرية التي تـتيحها مواقع التواصل الاجتماعي في النشر، صارت التفاهة تتسلل إلى مستعملي الأنترنيت من كل صوب وحدب، وأصبحت الطرق جميعها تؤدي إليها، وهو ما جعل المتفائلين إزاء التحول الرقمي والثورة الصناعية الرابعة، يشعرون بنوع من الإحباط إزاء الرقمية عموماً وإزاء هذا المد التكنولوجي المستمر، الذي أدى إلى تراجع خطير على مستوى القيم، عوض أن يدفع بالأمم إلى التحضر والرقي؛ بحيث ساعد انتشار التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي على خلق نوع من الانحراف الأخلاقي لدى الأجيال الصاعدة، وجعلنا نعيش تحولًا سلبياً على مستوى منظومة القيم.”1.
شخصيات الفيلم بين الإبعاد والجذب:
تشكلت أحداث الفيلم وتوزعت على شخصيات متناقضة تشكل ما يشبه فريقين خصمين لكل منهما رؤية و موقف يعارض موقف الآخر.
1 ـ شخصيات منخرطة في مجال التأثير عبر مواقع التواصل الاجتماعي عبر محتويات ساحرة وجاذبة لقسم عريض في المجتمعات، وقد مثل هذا القسم كل من وفاء وزوجها عمر، شخصيتان تمحورت أحداث الفيلم حولهما وحول تأثيرهما على البعيد والقريب. ويشكلان النموذج للمؤثرين الذين لا يهمهم إفادة الناس، بل دأبهم الاستخفاف بعقول المتفرجين والمتتبعين لما يبثانه إليهم من أمور شخصية تثير فضول فئة عريضة غير واعية وغير قادرة على التمييز بين المحتويات التافهة والنافعة.
2 ـ في مقابل هاتين الشخصيتين نجد الأم مع بنتها بهيجة المتصارعتين تجاه ما أقدم عليه عمر وزوجته وفاء، وفي الطرف الآخر نجد يونس التاجر المتوسط الحال ماديا وزوجته بشرى التي تؤنبها أمها على تزوجها برجل قليل المال، وهي في ذلك تلمح إلى انتهاج ما انتهجته أختها وفاء في الوقت الذي تجد في زوجها صلابة وشهامة وصمودا أمام مقتضيات واقعه المادية.
3 ـ أما هشام وزوجته كوثر فقد أبرزا موقفهما مما يقع بين عمر ووفاء المتهمين بالانحطاط الخلقي والمحتويات التافهة المبنية على الوهم والاحتيال، وانتهى بهما الأمر إلى الاتفاق على الابتعاد عن كل طرق الإغواء الشهواني المضاد للمعروف، فتنقبت كوثر ووجدت في ذلك راحتها بعد أن ظنت العكس.
شخصيات متنازعة متصارعة تجاه القيم مقابل المال، وتجاه اختراق المعروف والمعتاد في المجتمع من أجل الإثارة وربح المال.
وقد تمكن الفيلم من تمرير عدة رسائل منها أهمية الأمومة وضرورتها لكل أنثى، فوفاء التي تحلم بأن تكون أمّا على غرار أختها وصديقتها تكتشف أن المشكل في زوجها الذي يتناول حبوب منع الحمل خوفا من حملها الذي سيؤثر على مسارهما “المهني” الذي يحتاج إلى نضارة وسلامة وجمال ورشاقة الجسم.

بين الصدق والوهم في الفيلم
في الفيلم التباس واشتباك بين الصدق والكذب، بين الواقع والحقيقة والوهم، بين الصورة وما وراء الصورة، هذه التناقضات، جعلت من الأحداث أحداثا مشوقة تنتقل بالمشاهد إلى زوج وزوجته المكتسبين للثروة بأقل جهد بعيدا عن المعاناة ومصاعب الحياة، ولهذا بني الفيلم على هذه المتناقضات التي أشعلت الصراع الدرامي بين الشخصيات حتى نهاية الفيلم.
والمشتريات الباهظة الثمن التي تتباهى بها وفاء وزوجها، لم تكن سوى عطايا إشهارية من قبل المتاجر والمحلات، في الوقت الذي يرى متابعوهما أنهما من علامات ثرائهما وكثرة أموالهما.
أمام هذه المواقف المتناقضة صنع المخرج تحديات أمام شخصيات الفيلم مجسدة ما يعتري مشاعرها وواقعها من طموحات تستبد بها انطلاقا من أحوال المؤثرين اللذين بنيا ثروة بارزة انطلاقا من أعمال بسيطة ومسلية في ذات الوقت.
وقد أبعد الملل عن الفيلم حين بنى أحداثه على ثنائيات كثيرة يظهر فيها التأثر بما يثمره العمل في صناعة المحتوى الإليكتروني، ومن هذه الثنائيات : ـ عمر ووفاء ـ يونس وبشرى ـ يونس والعامل معه في متجره ـ هشام وزوجته ـ الأم وبهيجة …
هذه الثنائيات المتصارعة والمتباينة المواقف أضفت على أحداث الفيلم نكهة الفرجة الممتعة.

بنية الفيلم الفنية
لقد جاء الفيلم متين الحبكة، معززا بحوارات أضفت عليه صراعا دراميا محتدما بين المواقف المختلفة التي تغيرت حدتها عبر تطور الأحداث المتناسلة والصاعدة بحثا عن التخلص من الأزمات النفسية التي خلقها وهم الشهرة الذي اعتبرها البعض حقيقة انطلاقا من نتائجها المادية.
وقلة الشخصيات في الفيلم و وطبيعة العلاقات بينها جعلت الفيلم درسا يضع اليد على أخطار بعض المؤثرين الذين يستغلون اختراق المحظور خلقيا من أجل كسب المشاهدة كأساس للثراء، أو كعمل مثمر بأدنى الجهود، وجاء الحدث متلونا وفق عدة محطات يطبعها القبول والرفض والشك والتردد ومراجعة الذات قبل النهاية التي ستبين حقيقة شهرة الوهم المبنية على اللايكات من جمهور يحب التدخل في شؤون الناس ومتابعة أسرارها، وهو ما تتسم به العقول الجاهلة الفارغة مما يلفتها إلى الثمين الرفيع من الأشياء بدل التفه المضيع للوقت فحسب.
ولقد نجح المخرج في ضبط مسار الأحداث عبر اللقطات المتوسطة التي طبعت نسيج الفيلم مما أكسبه توازنا يجعل المتلقي يشعر بواقعية أحداثه.

بقلم لحسن ملواني ـ كاتب مغربي

هامش:
+ فيلم أوهام الشهرة :سيناريو وحوار عائشة بلعياشي، إخراج جمال بولحيارا.
1 ـ مواقع التواصل الاجتماعي وصناعة التفاهة، مجلة الرافد، سعيد سهمي، بتاريخ 1″ يناير 2025م.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *