الرئيسيةالسينما المغربيةنظرية الإخراج السينمائي بين التقنية والابداع

نظرية الإخراج السينمائي بين التقنية والابداع

الجزءالأول –
-نظريةالمخرج السينمائي التقني

 

على المخرج أن يفكر وأن يتصور قبل أن يهتم بالأشياء الصغيرة”
وولف ريلال _الإخراج السينمائي

يرتبط مفهوم الاخراج السينمائي بالتقنية والابداع بقدر ما تمتاز، هذه الوضعية بجملة من الالتباسات في علاقتهم مع بعضهم البعض، قد يكون كل مخرج تقني في مهنته ولكن ليس كل مخرج مبدعا، تماما كسؤالنا هل كل ممتهن للفن فنان، وهل كل فنان مبدع و مبتكر؟ وهذا الادعاء يستدعي تأصيلا، وهذا التأصيل يكمن في المفهوم، لأن الاجزاء التي يتركب منها المفهوم هي من قد تنفي هذا الادعاء أو تؤكده، عندئذ أول ما يتوجب علينا عمله، هو تحديد المفاهيم، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات :
فما هو الاخراج السينمائي ؟ وماذا يقصد بمفهوم التقنية في السينما ؟ و ما هي نظرية المخرج السينمائي التقني ؟ وكيف تمت صياغتها ؟ والى أي حد يمكن الحديث عن تقنيات الإخراج السينمائي ؟

ذكر الفيلسوف الفرنسي “جيل دولوز” في كتاب” الصورة- الحركة
أن مصطلح الإخراج Mise en scène، ظهر أول مرة في المسرح سنة 1820، وكان يعني التشكيل الحركي للممثلين، و صار يشمل عمليات العرض المسرحي برمتها من ديكور و موسيقى و إضاءة و أسلوب و أداء و الحركة.
انتقلت الكلمة إلى السينما فصارت تدل على: العلاقة بين الأشياء و الشخصيات ، وتبادل الأدوار والتأثير بين كل من الضوء و الظلمة، ولأنساق اللونية لمحتويات الإطار( الكادر)، موضع الكاميرا و زاوية رؤيتها و حركتها و حركة الشخصيات و الموضوعات داخل الاطار.ويترادف هذا المصطلح مع كلمةRéalisationويقابلها في المعجمMetteure en scèneوتعني المخرج و معناه الحرفي ” واضع في مشهد” لأنه يحول الأشياء والأفكار المكتوبة إلى أشياء و أفكار تشاهد بالعين.
يحمل مصطلح الإخراج في طياته، الكثير من الغموض، داخل الاجزاء التي يتركب منها مفهوم الاخراج السينمائي، فالإطار، وحركة الكاميرا، و موضعها، و زوايا التصوير، وعدستها، وسلم اللقطات، تدخل في ما يسمى قواعد اللغة السينمائية ضمن العملية التعلمية الأولى لتقنية الاخراج، فهي إذن يطلق عليها التقنية أو التقنيات التي يستعملها المخرج أتناء التصوير، فماذا يقصد بالتقنية؟
يطلق مصطلح التقنية في الفنون الجميلة، على مجموع الطرق المتبعة في استعمال بعض الآلات أو الادوات أو المواد( تقنية التصوير، أو تقنية المونتاج، أو تقنية الكتابة، او تقنية العزف او تقنية الرسم ) وهي مجموع الطرق الخاصة بكل فن، و في المسرح تعتبر التقنية هي الاسلوب أو الوسيلة التي يتبعها المخرج في عملية نقل الارشادات المسرحية من النص إلى العرض، بما تتضمنه من حركة، و ديكور، وأزياء، و إضاءة، ومكياج، و مؤثرات صوتية، وهذه التقنية مرتبطة بالمخرج والمؤلف..
في السينما يقصد بالتقنية مجموع الأدوات السمعية البصرية المقترحة في فضاء التصوير من قبل شركة الانتاج والتي يستعملها التقنيين بناء على توجيهات المخرج، وهذه التوجيهات هي التي تعملعلى تكوين الشكل النهائي للفيلم، وتعتبر القواعد السينمائية أحد تقنيات الاخراج، فهي إذن مجرد الات تعمل بتعليمات واستخدامات ممكنة كوسيط ،وهذه العملية تتطلب مقارنة ضمنية بين تقنية الفيلم والفيلم نفسه بالنسبة للمعنى الذي تقدمه لصانع الفيلم.
فماذا نقصد بالمخرج السينمائي التقني ؟

نظريتي الأولى: نظرية المخرج التقني
(منهج الملاحظة)

الافتراض الأول ل هوجو منستربرج
في سنة 1917 كتب الفيلسوف وعالم النفس السينمائي هوجو منستربرج في كتابه الصورة المتحركة: دراسة سيكولوجية، أن تاريخ الفيلم ينقسم الى قسمين، الأول التاريخ التكنولوجي للسينما و الثاني استخدام المجتمع لهاـ، و يذهب بقوله :أن التكنولوجية هيأت الجسد للظاهرة الجديدة، ثم شكل المجتمع هذا الجسد ودفعه إلى أن يلعب أدوارا حقيقة.وإن رغبة المجتمع في المعرفة و التعلم و الترويج هي التي تجعل لسينما وجودا.
تحليل
اعتبر “هوجو منستربرج” أن تكنولوجيا السينما تتمثل في اللعب بالآلات البصريةـ و أن هذه الآلات دفعت المجتمع إلى لعب أدوار حقيقية، بمعنى تقديم خدمات اجتماعية هامة كالمعرفة والتعلم، بغض النظر عن نوعها و شكلها، و هذا يدخل في إطار العلاقة بين السينما والمجتمع، و بما أن رغبة المجتمع المعرفية هي التي توسم السينما بخصيصة الوجود، فعلى موضوع الفيلم أن يتم تقديمه على هذا الأساس. و السينما حسب” هيجو” إذ لم تكن روائية فإنها مجرد استخدام الآلات، فحين تعمل هذه الآلات على أساس الامكانات الروائية للعقل، يكون للصورة المتحركة وجود و من ثم المعجزات الفنية الفيلمية التي نعرفها كلنا.
إذن بناء على رغبة المجتمع المعرفية والعلمية ، فإن المادة الخام لصانع الفيلم هي العقل البشري، لأن عقل صانع الفيلم ورؤيته، هي التي ستحدد نوع العلاقة بين الفيلم و المجتمع، و بمعنى أخر حسب المفهوم الذي قدمناه سابقا فإن العقل هو الذي يفكر، وينظم، و يبدع، و يبتكر، في مجال رؤيته للحركة التي من خلالها قد يتغير شيئا ما على أرض الواقع( إحساسنا ) ، فإن حركة المد و الجزر تنشأ بفعل جاذبية الشمس و القمر لمياه البحر و المحيطات، تماما كحركة السينما مع المجتمع التي تنشأ بفعل جاذبية موضوع الفيلم الذي يقدم للجمهور,.

صياغة النظرية من الافتراض الأول ل هيجو
(منهج التجربة)

التعريف الأول
المخرج السينمائي التقني : هو ذلك المخرج الذي تسيطر عليه الأساليب التقنية و يصبح مهووسا بها، فيتعلم تقنية الاخراج السينمائي، عن طريق قواعد اللغة السينمائية ،ثم يقف خلف الكاميرا، ويقوم بإسقاط تلك القواعد على أي سيناريو يقع بين يديه، بدون تنسيق محكم، ولا رؤية فنية، تلك الرؤية التي تمتح قيمتها من الخدمة المعرفية و العلمية التي تقدمها السينما للمجتمع، فالاستخدام المفرط للأدوات المستعملة، في صناعة الفيلم، تنتج صورا صماء، إذا اعتبرت كغاية وليست كوسيلة
التعريف الثاني
قد يتم تعريف المخرج السينمائي التقني على أنه الشخص الذي يعتمد على المهن التقنية التي تساهم في عملية صناعة الفيلم ،فهو يعتمد على جهود كاتب السيناريو و مدير التصوير و المونتير و الممثلين و مهندسين الصوت في صناعة فيلمه، بحيث لا يفعل شيئا سوى القاء الأوامر واسقاط ما تعلمه من قواعد سطحية على كذا مشاهد، ولكن عليه أن يدرك جيدا أنالشكل النهائي للفيلم يكشف المضمون.
خلاصة
إن تقنيات التصوير، والصوت، و تقنيات المونتاج، و تقنية الاخراج و جل التقنيات التي تؤدي وظيفتها الآلات برعاية الانسان الذي يستخدمها، وكل التطورات التقنية التي عرفتها السينما تبقى مجرد تطورات تقنية لا ترقى لمستوى جديدا للعقل، واذا سيطرت التقنيات على صانع الفيلم فإنه يفقد وظيفة عقله، التي هي الابتكار والابداع، وعلى المخرج أن يستخدم التقنية كشيء في خدمته لكي يحقق شيئا عن طريق اتخادها كوسيلة وليست كغاية في حد ذاتها، يقول “وولف ريلال ” على المخرج أن يفكر وأن يتصور قبل أن يهتم بالأشياء الصغيرة.

المصدر :مقال من بحث التخرج في شعبة الفلسفة مسلك التواصل: الفن و. الجماليات/ للباحث عبدالرحيم الشافعي، تحت عنوان: ” نظرية الاخراج السينمائي بين التقنية و الابداع” ص10 / كلية الآداب و العلوم الانسانية-جامعة الحسن الثاني2017.

 

عبدالرحيم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *