الرئيسيةالسينما المغربيةالانتقام وعاقبته قراءة في الفيلم الأمازيغي “وار لامان”= عديم الأمانة

الانتقام وعاقبته قراءة في الفيلم الأمازيغي “وار لامان”= عديم الأمانة

الفيلم الأمازيغي وار لامان

ما تزال الدراما الأمازيغية تواصل مراكمة منجزها الفني، وبسرعة بارزة، وفي كل تجربة درامية تجد اجتهادا يهدف إلى التجاوز، بينما نجد تكرار الثيمات والأحداث في كثير من الأفلام ، وليس هذا بعيب مادامت المضامين تتكرر في الوقت الذي تختلف قوالب معالجتها دراميا، فالثيمات تتشابه في الروايات والقصص والأشعار لكن الإبداع يكمن ويبرز في كيفية تقديمها للمتلقي. والتكرار لا يمكنه إلغاء الإبداعية عن الفيلم وفق منظور مبني على ركائز إبداعية مدروسة مع التفرج على ذات المواضيع قصد تحديد طرائق ومعطيات تقديمها حذرا من السقوط في التكرار والاجترار، فالعبرة في طريقة تقديم حبكة الفيلم تقديما مغايرا يتلمس فيه المشاهد مهارة المخرج والسيناريست. ولعل السبب في تكرار ذات المواضيع يعود إلى تشابه التجارب الإنسانية رغم اختلاف البلدان والثقافات والهويات، مما يجعل كثيرا من الثيمات والموضوعات في شتى الأفلام ذات طابع عالمي، كالخيانة الزوجية، والحب، والظلم، والموت ، والهوية، والصراع بين الاتهام والبراءة وبين القوة والضعف، وبين الصدق والكذب…

وفي الفيلم الأمازيغي يكون المشاهد أمام تكرار لموضوعات بعضها محمود وبعضها يبعث على النمطية المسيئة لمفهوم الإبداع باعتباره الإتيان بالمختلف شكلا إن لم يكن مضمونا.

والفيلم الأمازيغي القصير “وار لامان”= عديم الأمانة(الخائن) يتناول موضوعا مطروقا في عدة أفلام سابقة، ويتعلق هذا الموضوع بالخيانة ليس بمعناها الجنسي، ولكن بمعناها الخاص بعلاقة أسرية أفضت إلى انتقام سميرة “اليتيمة” على زوجة ابن عمها “ليلى” التي أبت ورفضت أن تكون فردا يعيش معها هي و زوجها “خالد” ومع عمها الذي حتمت عليه الإنسانية إيواءها بعد وفاة أبيها وتزوج أمها، وسفر أخيها”رشيد”.

وقصة الفيلم باختصار تبدأ من تصرفات امرأة تسكن مع زوجها وأبيه في بيت جميل، ومن عادتها التنغيص على الزوج من قبل زوجته التي دأبت على طلباتها المتكررة التي تتجاوز دخله. فهي مادية بامتياز، تريد إشباع رغباتها بشكل استفزازي سواء لزوجها أو لأبيه الذي آوى ابنة أخيه اليتيمة سميرة لتسكن كفرد بين أفراد أسرته، وهنا تنشأ المشاحنات بينها وبين زوجة ابن عمها الذي استمالته فيما بعد ابنة عمه التي انتقمت من زوجته حين استأجرت شخصا يدعى “رشيد” فاعتدى عليها وأصابها بعاهة ستكون مستديمة، ولم تكتف بذلك بل دست لها السم في الدواء، واكتشفته وهي تتصنع التوجع الذي جعلها توشك أن تفارق الحياة، وهنا تشعر البنت بالندم وتصرخ وتحضر لها كأس حليب كي تتقيأ ما شربته من سم. وهنا يتعانقان مبرزتين شعورهما بالندم، ويكون ذلك نهاية للفيلم.

إيقاع الفيلم

يختلف إيقاع الفيلم حسب طوله وحسب طبيعة الأحداث التي يعالجها، والإيقاع السريع الذي نجده في هذا الفيلم يعود إلى كونه فيلما قصيرا فقد جاء إيقاعه سريعا نسبيا اعتمادا على الأحداث في وثيرتها المتطورة بسرعة، علاوة على قصر المشاهد واللقطات ضمن مونتاج سريع يدفع بالمشاهد ليعيش متعاطفا مع التوترات التي تخلقها الأحداث وهي تنخرط في العلائق المتصارعة والمتصادمة بين مواقف ورغبات الشخصيات، كما ساعد على تسريع وتيرة الفيلم حركة الممثلين وتموضعاتهم أمام الكاميرا ضمن لقطات مطردة ومتلاحقة تدفع بالمشاهد ليحتد ويشتد توتره بمجريات الأحداث. وقد اعتمد المخرج اللقطات المتوسطة لإبراز ملامح الوجوه المتغيرة وفق ما تشعر به الشخصيات. كل ذلك فرضه نوع الفيلم الذي يندرج وفق مدة أحداثه ضمن الأفلام القصيرة، وللتذكير فالفيلم القصير، أو القصير جدا يتطلب”قدرة على التركيز الشديد والجهد المكثف، فيكمن التحدي الأول في اختصار الوقت، حيث يجب على المخرج أن يقدم حكاية متكاملة من البداية إلى النهاية في دقائق معدودة، ويجبر هذا الاختصار الزمني صناع الأفلام على الاستغناء عن التفاصيل غير الضرورية، والتركيز على الجوانب الأساسية التي تخدم صلب القصة بشكل مباشر، لذا فإن كل ثانية لها قيمتها في هذا النوع من الأفلام، بل يجب أن تُستثمر كل ثانية بحكمة بالغة لتحقيق الأثر المطلوب. التحدي الثاني هو بناء الشخصيات وتطويرها بشكل يُمكِّن الجمهور من التعاطف معها وفهم دوافعها في وقت محدود للغاية، ففي الأفلام الطويلة، يُمكن تخصيص وقت كبير لتعريف الجمهور بالشخصيات وبناء خلفياتها الدرامية، أما في الفيلم القصير جدا، يجب على المخرج أن يستخدم أدوات فنية متعددة مثل الحوار المقتضب، والإيماءات البصرية، والتعبيرات والانفعالات، والإضاءة والألوان، وذلك لتعزيز الفهم السريع للشخصيات وأدوارها في القصة المطروحة أمام عقل ووعي المُتلقي والمُشاهد” 1

رسائل تربوية في الفيلم

وقد تمكن الفيلم من إيصال رسالته التربوية بسرعة ضمن خط سردي واضح ومختصر: زوجة مكلفة لزوجها الخاضع لرغباتها، معتدية على ابنة عمه التي انتقمت منها في آخر الفيلم.

وبهذا الاختصار تمكن الفيلم من الوقوف على أمور منها:

1 ـ خطورة التزوج بامرأة منصدمة من وقائع سابقة تؤثر عليها فيصير ذلك وبالا على زوجها فيما بعد، فالزوجة تخاطب أمها بصدد الاعتداء الذي يقع على أختها نعيمة من قبل زوجها وأهله.

2 ـ خطأ التزوج بامرأة لذتها في استنزاف مال زوجها بأي شكل من الأشكال.

3 ـ عدم احتقار الغير مهما كان مظهره ووضعيته، فسميرة اليتيمة المحتقرة المنتظر طردها في أي لحظة تمكنت من الانتقام لنفسها بحيلة غير متصورة.

4 ـ كون الآباء غالبا ما تترسخ فيهم شيم البذل والعطاء والرعاية. فقد حرص الأب على أمن وسلامة سميرة اليتيمة حيث منعها من عملها خارج البيت. وهو الوحيد الذي يدافع عنها أمام لمز وغمز وهمز زوجة ابنه “ليلى”.

5 ـ وجوب الاحتراز من الإساءة إلى الغير مهما كانت الأمور، فالأكاذيب والحيل يفتضح أمرها طال الزمن أو قصر.

6 ـ التفكير في العواقب قبل الإقدام على اقتراف الخطيئة، فقد شعرت “سميرة” بهول وجرم ما قامت به لو تحقق فعلا وهو إماتة امرأة مثلها لها مشاعرها وأخطاؤها كباقي الناس.

الفيلم بصفة عامة محاولة إبداعية، تعالج قضايا عالجتها وتعالجها أفلام مغربية وغيرها وهي قضايا لا يخلو منها أي مجتمع، وقد جاءت معالجتها في الفيلم معالجة لا تخلو من إبداعية مع التنويه بأدوار الممثلين الذين انخرطوا في الأحداث انخراطا متميزا.

لحسن ملواني ـ المغرب

هامش:

+ فيلم “وارلامان”، بطولة : زاهية الزاهيري في دور “ليلى”، إبراهيم حماتة في دور” أب خالد  “، عمر أناروز”في دور خالد” رميساء أعساس في دور “سميرة”. سيناريو: عبد الرحيم اتيكي  .

1 ـ الفيلم القصير جدا: نافذة صغيرة على عالم كبير، محمود حلمي ، القدس العربي، بتاريخ 28 نونبر2024م.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *