الرئيسيةمتابعات سينمائيةآدم” لمريم التوزاني..فيلم نسائي حميمي ضمن عروض المسابقة لليوم ماقبل الأخير بالمهرجان الوطني للفيلم

آدم” لمريم التوزاني..فيلم نسائي حميمي ضمن عروض المسابقة لليوم ماقبل الأخير بالمهرجان الوطني للفيلم

عرض يوم أمس ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة للدورة 21 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة فيلم “آدم” لمريم التوزاني، وهذه قراءة في الفيلم.
قبل إنجاز فيلمها الروائي الطويل “آدم” أخرجت مريم التوزاني فيلمين روائيين قصيرين هما “حينما ينامون” (2014) و”آية تذهب للبحر” (2015) ، هذا الأخير الذي كان موضوعه حول استغلال الطفلات الصغيرات كخادمات بيوت، وأنجزت أيضا فيلما وثائقيا حول الدعارة بالمغرب سيكون البذرة لفيلم “الزين للي فيك” (2015) الذي سيقوم بإخراجه زوجها نبيل عيوش حيث ستشاركه كتابة السيناريو له ولفيلمه القادم “غزية” (2017) والذي ستمثل فيه متقمصة إحدى الشخوص الرئيسية.
استطاعت مريم التوزاني بفيلمها الروائي الطويل الأول “آدم” (2019) أن تُحقِّق تفوقا فنيا من خلال تناول قضية اجتماعية ذات طابع نسوي، وذلك عبر قصة تدور في فضاء شبه مغلق من بداية الفيلم إلى نهايته، وبين امرأتين تتطور بينهما العلاقة بالتدريج من التباعد والنفور إلى التعاطف من جانب واحدة اتجاه الأخرى ثم الصداقة الجميلة. إذ تلجأ سامية الشابة الحامل بشكل غير شرعي والهاربة من عار الأسرة والأهل إلى دَقِّ منازل الناس في حي شعبي قصد العمل عندهم، فلا تقبلها سوى الأرملة عبلة التي تعيش صحبة طفلتها وحيدتين بعد أن توفي الزوج في حادثة سير، وبالتدريج ودون تسرع في لَيِّ عنق الحكي ولا تمطيط للأحداث تنسج المخرجة بشكل درامي تدريجي علاقة بين الشخصيتين المختلفتين في تركيبتيهما الإنسانية، لنتابع كمشاهدين واحدة من أهم الأفلام المغربية المشتغل فيها على الفضاء الداخلي بشكل متحكم فيه ومن خلال شخصيتين أساسيتين فقط، إذ لم تشكل الطفلة “وردة” رغم حضورها الطاغي سوى ذلك الرابط الذي يساهم في التقريب بين سامية و الأم عبلة، ومع الثلث الأخير للفيلم وبعد ولادة الشابة سامية لطفلها تِؤزِّم مريم التوزاني الوضع، كون الطفل الوليد غير مرغوب فيه من طرف الأم لأنه يشكل عنوانا للفضيحة، لترفض أن تُرضعه أول الأمر ثم تكاد تقتله في لحظة انعدام توازن نفسي وعاطفي.
كانت اللحظات القليلة التي تخرج فيها الشخصيات الثلاث من الفضاء المغلق، المتمثل في المنزل و المتجر كفضاءين غير منفصلين، تشكل نوعا من الانفتاح على زخم الحياة وعنفوانها، وقد استطاعت المخرجة تصوير الشارع المغربي بشكل قَلَّ أن رأيناه، ليس فقط خلال هاته اللحظات العابرة لكن أيضا أثناء متابعتها لشخصيتيها سامية وعبلة وهن داخل متجر المأكولات، بحيث كنا نشاهد زخم الحارة من وجهة نظرهما وكيف يعيشانها من الداخل.
استعملت مريم التوزاني الأغاني والموسيقى في فيلمها “آدم” بشكل وظيفي بحيث كانت لأغنية “بتونس بيك” لوردة الجزائرية دور مهم في فَكِّ شيفرة شخصية عبلة التي كانت مغرمة بأغاني وردة إلى حدود تسمية ابنتها على اسمها، لكن ما إن توفي زوجها في حادثة سير حتى حَرَّمت على نفسها سماع الأغاني وانطوت على نفسها، لكن حضور سامية وإصرارها على إخراج عبلة من تقوقعها على ذاتها جعل هذه الأخيرة تعاود التصالح مع نفسها ومع جسدها وتمنح فرصة للرجل الذي يحبها.
لا نجد في “آدم” إدانة للرجل كمسؤول مباشر عن الحالة التي تعيشها المرأة (سامية هنا) ، بل إنه شبه مُغَيَّب عن الفضاء الأنثوي المغلق الذي تدور فيه أحداث الفيلم، فحتى ذلك الرجل المتيم بحب عبلة والذي يريد الزواج منها ويُوَسِّطَ سامية لكي تُلَيِّن قلبها يظل على عتبة البيت ولا يدخله بشكل مباشر ومرحب به فيه، وإن كان من إدانة خفية تُوجِّهُها المخرجة فَلِلمجتمع ولقوانينه الظالمة ولتركيبته الغير سوية التي تجعل من المرأة الضحية التي تتحمل عِبأ مايقع وينوء ظهرها من ثِقله.
من أهم ما ميز فيلم “آدم” هو ذلك الأداء التشخيصي الاستثنائي للممثلتين نسرين الراضي ولبنى أزبال اللتين حملتا الشخصيتين الرئيسيتين ومن خلالهما الفيلم على أكتافهما. فإذا كانت لبنى أزبال قد أضحت ممثلة مُكَرَّسَة على الصعيد الأوروبي والعالمي بعد اشتغالها مع العديد من المخرجين المُهمِّين كدينيس فيلنوف و أندري تشيني ومحمود بن محمود وهاني أبو أسعد وريدلي سكوت وغيرهم، فإن موهبة نسرين الراضي شَرَعَت في البزوغ منذ مُدَّة في المشهدين السينمائي والتلفزي بالمغرب وعُرفت بذكائها في اختيار الأدوار التي تؤديها، ويمكن اعتبار هذه السنة (2019) سنتها مغربيا وعربيا كممثلة وصلت وبدون تَسَرُّع لكي تتربع على عرش التمثيل النسوي في المغرب بجدارة .
عموما يمكن لنا التأكيد أن فيلم “آدم” يشكل إضافة مهمة للسينما المغربية والعربية وإعلانا عن قدوم مخرجة ستقول كلمتها في القادم من الأفلام.

 

*عبد الكريم واكريم-طنجة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *