الرئيسيةمتابعات سينمائيةمدينة الدار البيضاء وجماليات القبح في سينما نور الدين الخماري

مدينة الدار البيضاء وجماليات القبح في سينما نور الدين الخماري

“الشيء القبيح ، لا يعني فشلا في إبراز الجمال،وليس القبح انعداما للجمال” باسرون جون كودل

مقدمة
ينظر إلى السينما في الغالب في بعدها الفني الترفيهي، في حين نجدها مرتبطة في شق كبير من اشتغالها بالصناعة، وهذه الأخيرة ارتبطت بالثورة الصناعية التي عرفتها القارة الأوربية خلال القرن الثامن عشر الميلادي، حينها هاجر الفلاحون قراهم بحثا عن العمل هروبا من البطالة التي تسبب فيها التطور التقني في الإنتاج الزراعي، ولهذا اكتظت المدن بالسكان، ونمت وتزايد عدد سكانها بشكل سريع، وهو ما فرض تحديات جديدة أمام المجتمع الأوربي في نمط العيش وتدبير الحياة اليومية، ومن أبرز هذه التطورات ما تحقق في ميدان الصورة وتحميضها، واكتشاف السينما الذي اعتبر اكتشافا علميا لا يمكن عزله عن التطور الذي لحق عدة تخصصات علمية أخرى ومنها ” الميكانيكا والديناميكا الحرارية والكهرباء والضوء والليزر وغيرها من المجالات التي تشغل بال السينمائي والساهرين على تطوير الآليات السينمائية” 1 ، وبذلك تكون السينما مدينة للمدينة بظهورها وتطورها لكونها” الحاضنة الكبرى للسينما، بل أنها بنت المدينة، وكانت مطورة لمختلف جمالياتها ومعمقة لأسئلة الإنسان وتمزقاته الوجودية داخل مجالها” 2 .
إذا كان مهد السينما مرتبطا بالدول الغربية فإن الدول النامية/ دول الجنوب، وعلى رأسها المغرب، فتشير معطياتها الجغرافية أن الظاهرة الحضرية لم تظهر بشكل قوي بها إلا مع منتصف القرن العشرين، وبالتالي عرفت تأخرا في بروز إشكالات وإكراهات تدبير المدينة، ومن خلال الإحصائيات الرسمية فإن المغرب كان بلدا يهيمن فيه السكان القرويون على سكان المدن إلى حدود نهاية القرن العشرين، أي أن معظم السكان المغاربة عاشوا في القرى، في حين استقرت الأقلية في بعض المدن القديمة كفاس و مكناس ومراكش والرباط، هذه المدن تزايد عدد سكانها بعد احتلال الفرنسيين والإسبان للتراب المغربي، ببناء أحياء أو مدن جديدة إلى جانب المدن القديمة، وفي ظل هذه الدينامية التي أحدثها الاستعمار في التعمير بالمغرب برزت مدينة الدار البيضاء كواحدة من المدن المغربية الكبرى، بحكم موقعها الجغرافي وسط المغرب، وانفتاحها على الساحل الأطلنتي، وامتلاكها لمؤهلات طبيعية وبشرية ملائمة لبناء ميناء ضخم، لم يتردد الفرنسيون في تشييده على أنقاض الميناء القديم، وهو الذي يشكل إلى اليوم معبرا لنسبة هامة من صادرات وواردات المغرب، وهنا لابد من الإشارة إلى أن مدينة الدار البيضاء كانت في الأصل عبارة عن ميناء تجاري يسمى بأنفا أسس منذ زمن بعيد، وهي تسمية لازالت تطلق على الجزء الغربي من المدينة والذي يضم أقدم حي بها.
أدى الازدهار الاقتصادي الذي عرفته مدينة الدار البيضاء قبل وبعد الاستقلال إلى تهافت المهاجرين عليها من كل القرى والمدن المغربية خاصة من الجنوب، فارتفع عدد سكانها وعرفت انفجارا ديمغرافيا وحضريا ساهما في جعلها عاصمة اقتصادية للمغرب، رغم حداثة تكوينها مقارنة مع مدن مغربية قديمة، إلا أن هذه التطورات جعلت المدينة تعيش أوضاعا اجتماعية واقتصادية وسياسية مزرية تشهد عليها عقود ما بعد الاستقلال وما قبلها، حيث ظهرت أحياء الصفيح وانتشرت كل الأمراض الاجتماعية من بطالة وتسول ودعارة، في صفوف الفئات الاجتماعية المسحوقة، وفي المقابل احتضنت المدينة في أحيائها الراقية بورجوازية مدينية تستفيد من عائدات المدينة اقتصاديا، وتوظفها لمراكمة رساميلها ومواصلة استغلال الطبقة الفقيرة، هذه الأوضاع لم تكن عيون الأدباء والفنانين من سينمائيين وتشكيليين ومغنيين، لتغفل عنها، ولهذا جاءت إبداعاتهم راصدة ومستحضرة لها كل من زاويته الخاصة، وقدموا ذلك في صيغ مختلفة تجمع بين الفضح والكشف عن القبح الذي تخفيه المدينة في دروبها الخلفية أو لياليها أو فضاءاتها الخاصة، مع مراعاة الجوانب الجمالية وتحقيق المتعة واللذة للجمهور الذي يتلقى تلك الإبداعات. سنركز في هذا المقال على طريقة اشتغال السينما المغربية على هذا الموضوع من خلال نماذج فيلمية للمخرج نور الدين الخماري.

1_ في معنى الجمال واللذة والقبح:
قبل الانتقال إلى رصد تجليات اشتغال المخرج نور الدين الخماري على القبح باعتباره غاية جمالية في أفلامه، لابد من تقديم بعض المعطيات حول دلالات المفاهيم التي سنشتغل بها، وهي الجمال واللذة والمتعة والقبح، وهي مفاهيم ملتصقة بمجال معرفي يجمع بين الفلسفة والفن كمجالين متداخلين، يشتغلان بالكثير من المفاهيم معا. فما معنى الجمال؟ و ما المقصود باللذة ؟ وما هي دلالات القبح؟
الجمال في اللغة هو الحسن، وما يشعرنا بالسعادة عند مشاهدته، وبهذا المعنى تكون العين هي قناة نقل الجمال، ويتدخل في ما بعد العقل والقلب لإصدار حكم القيمة. غالبا ما يتم استحضار الجمال كعلم يشكل أحد فروع الفلسفة أو ما يسمى بالإستيتيقا، وهو تخصص يدرس مقاييس الجمال ومعاييره ونظرياته عبر التاريخ، كما يبحث في الذوق الفني والأحكام القيمية التي تصدر حول الأعمال الفنية المختلفة، ويتم التمييز بين قسمين من علم الجمال، الأول نظري يتخصص في البحث في الصفات المشتركة بين الأشياء التي تولد الشعور بالجمال، والثاني عملي يبحث في مختلف صور الفن ودراسة نماذجه الفردية وكيفية تحقيقها للسعادة واللذة.3 وقد استأثر موضوع الجمال باهتمام كبير من لدن الفلاسفة والمفكرين والباحثين في المجال الفني وكل واحد ينظر إليه من وجهته خاصة. ورغم أن المتخصصين يتحدثون عن معايير ومقاييس لتحديد الجميل من القبيح، فإن الأمر يظل نسبيا، فمثلا المرأة السمينة قد تكون جميلة في نظر شعب أو أمة ما في القرن السادس عشر، لكنها قد لا تكون كذلك عند نفس الشعب في القرن الواحد والعشرين أو عند شعب أخر في نفس الفترة.
أما اللذة فمن لذ يلذ ، لذاذة ولذة، وهي الشعور بالسعادة والارتياح العميق الذي يناقض الألم والبشاعة، وفي معنى أخر يحيل على ما تسطيبه وتتمتع به الأعين4، ويتم التمييز بين أنواع من اللذة، فهناك اللذة الحسية وترتبط بالأكل والجنس، واللذة الروحية تحققها الموسيقى وطقوس التدين والرقص …
وبالنسبة للقبح فهو ضد الحسن والجمال في الفعل والصورة، وكل ما يتعلق بالذم يسمى قبيحا5، والقبيح هو المنافر للطبع والمشتمل على الفساد والنقص بل هناك من يربط بين الحرام والقبح6 ، وهي إشارة إلى التداخل بين هذا الأخير ومفهوم الأخلاق.

يتضح أن الخوض في هذا الموضوع يخلق نوعا من اللبس، وذلك بسبب التداخل الحاصل في دلالات هذه المفاهيم، خاصة ما يتعلق بالجمال واللذة، كما يبدو نوع من التناقض كذلك حين نجد أن الجمال ضد القبح في اللغة، في حين أن الباحثين يتحدثون عن إمكانية وجود الجمال في القبح، وهذا ما نرمي لرصده في هذا المقال، في إطار البحث عما يسمى بجماليات القبح في سينما نور الدين الخماري.
بعد الحديث عن اللبس الذي يلف مفهوم القبح وكيف اختلفت الآراء حوله، لابد من الإشارة إلى وجود نفس اللبس حول معنى الجميل في دراسات علم الجمال أو الإستيتيقا، إذ تؤكد أن مفهومي الجمال و القبح نسبيان، فتمثل كل مجتمع لمعنى القبيح يختلف بسبب البنية الثقافية والأخلاقية التي ينظر منها إلى الأشياء، وإذا دققنا في الأمر فإنه داخل نفس البنية تختلف زوايا النظر إلى الجمال والقبح، فالإنسان المتعلم الذي تمكن من اكتساب ثقافة فنية جمالية تسعفه للغوص في معاني الأعمال الفنية وتذوقها يكون له رأي خاص، وفي المقابل الأشخاص غير المتعلمين أو الذين تلقوا تعليما تقنيا صرفا بعيدا عن التذوق الفني يصعب عليهم الوصول إلى فهم تلك الأعمال. وبهذا سننطلق في معالجتنا لتجليات القبح والتلذذ به في السينما المغربية من خلال نموذج فهم المغاربة للقبيح، وكيفية تمثلهم له، وسنفصل في تجلياتها من خلال نموذج مدينة الدار البيضاء في فيلمي ” الزيرو ” و “كازانيكرا”، وفي هذا الصدد لابد من الإشارة أن هذه المدينة، تعتبر من المدن المغربية التي نالت حظا وافرا في السينما المغربية، ووقعت العديد من الأسماء السينمائية المغربية على أفلام كثيرة بها، على سبيل المثال المخرجين مصطفى الدرقاوي و عبد القادر لقطع، بل تشتهر بتصوير فيلم دولي أخرجه ميكاييل كورتيز سنة1942 ويحمل اسمها” كازبلانكا” :

2_ القبح اللفظي بين الحضور المباشر والإيحاء
يطلق المغاربة لفظ الكلام القبيح، على تلك الكلمات التي تتضمن السب أو القذف الذي يستهدف الأشخاص العاديين أو الأصول كالأب والأم أو الكلمات ذات الإحالة الجنسية أو التي تذكر فيها أسماء الأعضاء التناسلية، كما يربط بين القبح وسلوك الإنسان، إذ يقال مثلا فلان قبيح، لأنه لا يحترم الكبار، ويربط كذلك القبح بالشكل الخارجي للإنسان حين لا يكون خاضعا لمعايير المجتمع في نمطيته ولباسه وتسريحة شعره ومشيته وشكل أسنانه كما يرتبط بشكل الإنسان فيزيولوجيا، وتختلف معايير هذا القبح حسب الأعمار والفئات والثقافات. ولكن يهمنا في هذا المحور التركيز على القبح في اللفظ.
إن هذا الكلام الذي يسمى قبيحا يتم التلذذ به في الجلسات الحميمية، بين الأصدقاء أو بين الأقارب، قد يكونوا من نفس الجنس أو منهما معا، وهنا نستحضر النكت المرتبطة بالجنس والدين والسياسة التي يتم تداولها في الجلسات الخاصة إلى درجة أن هناك تصنيفا لهذه النكت( نكت الحمقى،الحشاشين، الموظفين …) واليوم تم تسخير التكنولوجيا الحديثة لتداولها بطرق عصرية وفي حالة أنيقة باستعمال المسنجر والواتساب …، ولو أنجزت دراسة حول مضامين ما يتم تبادله من رسائل في هذه الوسائط سنجد حضورا كبيرا لهذا القبيح الممتع في نفس الوقت.
وإذا كان من الصعب ربط انتشار الكلام القبيح بالمدينة وحدها دون القرية، وبمدينة الدار البيضاء دون باقي المدن المغربية، فإن الطريقة التي يحضر بها في المدينة يكون قويا لأسباب عديدة مرتبطة بالبنية الاجتماعية، وكثرة عدد السكان، وبالنسبة للخماري فإنه يقدم الألفاظ القبيحة في فيلميه “كاز نيكرا و” الزيرو” ليكشف لنا أن تلك اللغة تحضر بكثافة في الدار البيضاء بدءا من عنواني الفيلمين اللذان يشيران للسواد والفراغ ومن خلال الحوار بين الشخصيات مهما كان انتماؤها الاجتماعي، فسب الأصول وارد ” مال موك” و الدين ” مال دين موك” نجده في عدة لقطات، خاصة في الحوار بين عادل وكريم في “كازا نيكرا “، وبينهما وزريريق، نفس الحضور نجده في الحوار بين الزيرو وضحاياه ورئيسه الزروالي في فيلم ” الزيرو”، والجميل في هذه الحوارات أنها تقدم بنفس ونكهة كوميدية تجعل كل من يشاهد الفيلمين يغرق في الضحك، كما تمت صياغة بعضها بلغة مسجوعة وطريقة تبليغها اعتمد فيها عل الأداء الجيد للممثلين، وهو ما جعل البعض يحفظ بعضها عن ظهر قلب كالحوار بين الزيرو والزروالي في الحمام حول النساء والخمر وأم كلثوم. وإن كان الكثير ممن شاهد الفيلمين انتقد إغفال المخرج خلق قاموس خاص من تلك الكلمات لكل ممثل. دون أن ننسى أن الخماري انتقد العنصرية ضد السود و تجاه سكان القرى المهاجرين إلى الدار البيضاء بالاعتماد على قاموس شائع كالعتارس والهمج والبرانيين.
تضمن الفيلمان المعنيان بالدراسة أيضا، كلاما كثيرا عن الجنس من خلال استحضار الحديث عن النهدين الواقفين و الفتوة، وفي بعض الأحيان تم التعبير عنها ضمنيا مثلا في حديث الزروالي في حوار مع الزيرو عن “خاص إكون عندك داكشي د النحاس” وهو مثل مغربي شائع وظفه الخماري في هذا الحوار، وفي هذا الصدد فإن اللغة الدارجة التي استعملها في التعبير عن هذا القبح لها قوة في التأثير على الجمهور المغربي، فعندما نقول بالدارجة المغربية ” البزيزلات واقفين” ليس كما نقول ” نهدان واقفان”. يحضر القبح اللفظي كذلك من خلال ظاهرة التسول التي أصبحت مدننا مرتعا لها بتوظيف الأطفال الصغار و باستغلال الحس التضامني لدى المغاربة النابع من ثقافتهم الدينية والتضامنية ( زريريق والمتسولة في كازا نيكرا)، مثلما يحضر القبح في العلاقة بين الموظفين والمواطنين في الإدارة المغربية نموذج المستشفى في فيلم “الزيرو”، وقد استغل الخماري الحوار بين الزيرو والممرض للكشف عن التعامل باللامبالاة مع المواطنين في المستشفيات العمومية. ومع ذلك فإن المخرج الخماري يكسر إيقاع العنف اللفظي في فيلميه بسلوكات إنسانية تكون متناقضة مع المضمون اللفظي من خلال اعتناء البطلين عادل والزيرو بوالديهما من حيث النظافة وإعداد الطعام والمجالسة، والمساعدة المالية، وإنقاذ السلحفاة ولقطة التصدق على المتسولة من طرف زريريق، وهي سلوكات نادرة أدرجها المخرج وسط ذلك الزخم من العنف والخراب والقبح، للتخفيف من السوداوية والضباب وفتح زاوية من الأمل للعيش داخل الدار البيضاء.

 

3_ القبح في الفضاء وتمتيع العين
يصعب الحديث عن أي عمل سينمائي بمعزل عن الفضاء الذي تدور فيه أحداث الفيلم، لأنه ركيزة أساسية في أي تجربة سينمائية، هذه الأهمية جعلته يرتبط بجوهر العملية الإبداعية وجعله محط اهتمام المخرجين على المستوى الجمالي، إضافة إلى عناصر أخرى طبعا، كالصوت و الشخصيات ومستوى أدائها الدرامي. وإذا كنا قد تحدثنا في المحور السابق عن علاقة اللفظ بالقبح في فيلمين لنور الدين الخماري، وكيف يتحول ذلك القبح إلى عنصر مثير يغري بمشاهدة تلك الأعمال، ففي هذا المحور سنقف عند قبح الفضاء وعلاقته باللذة.
يحتل الفضاء مساحة واسعة في إطار الصورة السينمائية، ولهذا فإنه يتم التركيز على مكوناته من طرف المخرجين، وسنركز في هذا المحور على المكان كجزء من الفضاء العام داخل الفيلم، لأن المكان له دور أساسي في إثارة المشاهد و سلب إرادته للانغماس في طقس المشاهدة حتى نهاية الشريط. يمكن رصد بعض تجليات القبح في الفضاء في أعمال كثيرة، لكنه قبح لا يخفي جماليات يستحضرها المخرجون في أعمالهم، مثلما نجد في فيلمي “كازانيكرا” و”الزيرو” للخماري حين ظهرت القمامات في أكثر من لقطة، لتكثيف وتعميق باقي مظاهر القبح في الفيلم من استغلال لبراءة الأطفال وعوزهم في ” كازانيكرا” والاستغلال الجنسي والتسلط في فيلم ” الزيرو “. كما ظهرت الجدران المشققة والسلالم المظلمة والمراحيض والحمامات والإيحاءات التي تتضمنها في مخيلتنا، خاصة حين تكون جماعية أو تقع في منزل مهمش ساكنته فقيرة، ولهذا فقد صور الخماري لحظة التغوط ووجود البول في الملابس، ومن أكثر اللقطات تأثيرا فوق سطح منزل الزيرو حين توفي الأب وصعدت عليه الطيور، هذه اللقطة كشفت ضعف الإنسان أمام الموت لأن الزيرو كان يعتقد أن والده نائم لكن مرور الطيور على وجهه أكد له الوفاة ليطلق العنان لصراخ نابع من ألم الفراق. حضر الظلام في لقطات كثيرة بشوراع البيضاء وأزقتها للتأكيد على السواد وانسداد الأفق أمام بطلي فيلم ” كازا نيكرا” في الحصول على عمل مريح، وأمام الزيرو الذي يدور في حلقة مفرغة وسط إكراهات العمل وعلاقاته المشبوهة ووالده المقعد الذي تتزايد طلباته يوما بعد يوم. لكن وسط هذا الزخم كذلك قدم المخرج جوانب هامة، من خصوصيات المعمار بمدينة الدار البيضاء التي أبرزتها لقطات عامة للشوارع وسطوح المنازل ليلا ونهارا.

خاتمة :
اشتغل المخرج نور الدين الخماري على مدينة الدار البيضاء كفضاء نموذجي لاستحضار مختلف أوجه القبح التي تعرفها مدننا، بعد انفجارها غير المخطط له، وبالإضافة إلى الأوجه السابقة للقبح في هذه المدن وردت نماذج أخرى نختم بها بها هذه الدراسة حول فيلمين من إبداعات المخرج نور الدين الخماري المفتون بمدينة الدار البيضاء:
_ القبح في استغلال الطبقة الغنية البورجوازية للفقراء من خلال طريقة نقلهم( نقل النساء في سيارة لنقل البضائع مكشوفة) وتشغيلهن والتعامل اللإنساني مع المرأة بالخصوص خاصة حين تكون في سن يجعلها فريسة جنسية أو في حاجة للمساعدة، وأبرز التناقضات الصارخة في العيش بين من يبحث عن لقمة عيش يسد بها رمقه وبين من يبحث عن المتعة والتفنن في أنواع المأكولات والأجساد( المسؤولون الكبار، رجال الأمن والمثلي الأجنبي ) .
_ التركز في لقطات مقربة على الوجوه الحزينة والعابسة في الحانات والشوراع والتركيز على الأسنان والملابس والنظرات المليئة بالرغبة والشهوة في رقصة الطبيبة في الحانة.
استطاع المخرج نور الدين الخماري في فيلميه ” كازا نيكرا ” و “الزيرو” أن يكشف الغطاء عن وجه أخر لمدينة الدار البيضاء بتصوير شوارعها وعوالمها الليلية والسرية، بإيقاع سريع يساعد على تتبع الأحداث بشغف لمعرفة مصير تلك الشخصيات، لكن ما يلاحظ أنه هناك تشابها بين الفيلمين على مستويات كثيرة لدرجة أن من يشاهدهما معا ستختلط لديه بعض اللقطات في ذهنه.

الهوامش:
1 _محمد شويكة ، فيزياء السينما، قراءات في المنجز السينمائي لداوود أولاد السيد ، منشورات ملتقى طانطان السينمائي إعداد وتقديم محمد شويكة ، 2013 ص 5
2 _ محمد شويكة وظيفة مكان اسمه تطوان في فيلم “أصدقاء الأمس ” ، مجلة وشمة، العدد 8، سنة 2013 ص 58.
3_ د . أسماء نيازي طاهر، جمالية القبح في فن العمارة، نسخة إلكترونية، غير مرقمة، بدون تاريخ
4_معجم المعاني في الأنترنت www.almaany.com.
5_ د. أسماء نيازي طاهر، مرجع سابق
6_ د. أسماء نيازي طاهر، مرجع سابق

 

محمد زروال/ بني ملال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *