في علاقة السينما بالحرب يمكننا أن نميز تمثيل الحرب في الشاشة وبكل تحديد من خلال قائمة الأفلام (الفيلموغرافيا)، واستخدام الكاميرا في استمرار تمديد ملصق أو مطبوعة للدعاية كسلاح حرب أو الذاكرة التاريخية للصراعات المسلحة من خلال السينما.
تمثيلات الحرب في السينما لا تعد ولا تحصى كما يتضح من أعمال السينما الحربية، ليس فقط في جنس الأفلام الحربية، وإنما أيضا من خلال الببليوم وأفلام المغامرات والسينما التاريخية، والخيال العلمي والسينما النزوية وأيضا في الكوميديا الموسيقية، وهذا بالطبع دون احتساب الأفلام التي ليس موضوعها الحرب، وإنما التي تستعمل بحسابات ذكية وفي خلفية مثيرة (أفلام التجسس والأفلام السوداء) في كل هذه الأصناف (الأنواع)، هناك عدة طرق وأساليب لتمثيل الحرب من تمجيدها (علاقات الأعمال والأحداث البطولية في المعارك) وانتهاء بالتنديد بها (الأفلام المناهضة للعسكرة أو ببساطة ضد الحرب)، وعن طريق المرور باختزالها إلى مغامرات عنيفة، ولكن في النهاية مغامرات ساخرة ومضحكة (في بعض الكوميديات الموسيقية).
ومن المهم بشكل خاص الإشارة إلى أنه في نهاية الحرب العالمية الأولى ظهرت الأفلام المناهضة والمناوئة للحرب، والتي عادت بقوة وبموجات متعاقبة، بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد حرب فيتنام…
فمن الضروري ملاحظة قائمة الأفلام الأمريكية والفرنسية (وهما الأكثر أهمية، وهذا إذا أقصينا السينما الهندية)، فهناك فارق كبير جدا، فإذا كان التنديد الحيوي بالحرب في العديد من الأفلام في الولايات المتحدة بارزا، فهو ليس كذلك في السينما الفرنسية، حيث تعود الذاكرة إلى الأربعينات 1940 تحت نظام فيشى والذي ترك الصراع والنزاع آثارا عميقة ظاهرة وواضحة في نفوس الفرنسيين،
ولكن هذه الموجات من الأفلام المناهضة للحرب ظهرت في نفس الوقت تقريبا مع إنتاجات سينمائية أخرى تمجد الحروب أو على الأقل تقدم الحروب كأعمال جليلة وضرورية، وبالنتيجة توجد فروق ملحوظة ما بين قائمة الأفلام في زمن الحرب وقائمة الأفلام في زمن السلم حيث تسيطر وتهيمن الدعاية والرقابة.
سيباستيان دينيس يظهر جيدا هذا التناوب في السينما الفرنسية أثناء الحرب وفي زمن السلم، ففي زمن السلم تسيطر الحبيات ثم الكوميديا، ثم بعد ذلك تصوير أفلام تمجد الجيش الفرنسي وتسخر من الجيش الألماني والنازيين، فلتصوير الحرب لا بد في البداية من اتخاذ موقف مؤيد أو مناهض لها إذ لا يوجد فيلم وصفي بارد على الطريقة الانغلوسكسونية.
بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة بعد الحرب الجزائرية، كل السينمائيين الذين قاموا بتصوير القتال والحرب غالبا ما كانت للتنديد بالحرب، والتي تتناقض مع موجة الأفلام الاستعمارية وقد لاحظ الكاتب وجود حالة قارة وخصوصية لقدوم والتي لا يحسد عليها الجندي وحلم الجيش المنشود، «وذهاب ما بين» الحقيقة كما يمكننا أن نختم هذا بالإشارة إلى أنه لوصف حرب القرن العشرين سندخل في حقل صراعي مباشرة، وأحيانا سياسي، والعديد من المخرجين كانوا يجدون نوعا من المخرج عند وصف الحروب قبل هذا القرن، فكثيرة هي أفلام الرعب والخوف والسيف أو المغامرات التي تصور وتمثل الحرب تحت عنوان يوم ايجابي (رحلات ومجد).
ادوارد دولان يصف كيف أن هوليوود تذهب بعيدا في الحرب، ويظهر التوازن المماثل ما بين أفلام مؤاتية ومقبولة أو دعائية والأفلام المناهضة والمنددة، والسجل المستخدم يركز في كثير من الأحيان عند استصدار الأفلام المسماة دعائية على (لماذا نحارب، على سبيل المثال؟) على حساب مصير العديد من الأشخاص الذين يقحمون في جحيم الحرب والخنادق والانزال، وبين الأفلام التي ما تظهر عادة الحقيقة الأليمة للحرب، وبصورة متزايدة وتباعا، وهذا إلا إذا ابتعدنا عن الأحداث المدرجة والمستند إليها.
فقط على سبيل المثال الاستشهاد بمثال واحد وهو الاختلاف في المعالجة في عملية الإنزال في النورماندي في جوان 1944 عن أطول يوم حيث «يجب إنقاذ الجندي رايان» وهي مسألة لافتة، هذه الرؤية الفجة لأفلام الحرب موجودة أكثر فأكثر حتى في أفلام المغامرة، وهو ما يحمل على انتقادات متناقضة: المزيد من العنف وسفك الدماء، إغواء على الشاشة، بل أكثر واقعية للقتل الجماعي على أرض المعركة وهو ما يكرس اتجاه المعنى السلبي لصورة الحرب نفسها على عكس ما يراد من هذه الأفلام الحربية وهو تلميع صورة الحرب.
الصورة استخدمت منذ العهود السالفة والقديمة ووظفت للدعوة والمشاركة في الحروب، فسينما الدعاية ومنذ نشأة هذا الفن الحديث، استخدمت على نطاق واسع في نفس الوقت لإثارة السكان ولدعم المجهود الحربي (خاصة في الأفلام التسجيلية «الوثائقية»، ولكن أيضا في الأفلام الخيالية في زمن الحروب) كما تظهر العدو في ملامح تقريبا غير إنسانية، ويجب أن يكون الجندي هو الهدف في مركز هذه الأوساط، فالخصم هو أقل الناس إظهارا فالمستهدف بالإبادة هو الشعب كما حدث خلال الحرب العالمية الثانية فالتركيز أكثر على أهداف القادة (المديرون للحروب) وهذا يعني الكثير من الفروق الدقيقة.
وعلاوة على ذلك، فإن حملة سينما الدعاية القوية جدا، تركز جدا ليس على حماسة الجنود في ساحة القتال (حتى ولو لم يتم إهمال أو تجاهل ذلك)، ولكن بصفة خاصة على دعم السكان المدنيين، واندفاعهم إلى إرسال كميات من اللوازم للجنود وشراء الهدايا لهم.
وتشكل الذاكرة التاريخية رهانا سياسيا حقيقيا واقرارات وتمثل للصراعات المسلحة والتي يمكن ان تتعارض، حرب الجزائر بالنسبة لفرنسا وحرب فيتنام بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية هي موضوع أفلام بأطروحات متناقضة، نجد في سلسلة أفلام رامبو مثلا تفسيرا لهزيمة الأمريكيين وتقديمها على أساس خيانة من طرف السلطة السياسية المدنية للجيش، وهو ما يعيد إلى الذاكرة الأطروحة النازية، والجزء الأكبر من طرف السكان لتفسير الهزيمة التي مني بها الألمان واصفين إياها بطعنة خنجر في الظهر في السنوات 1930-1940، (عكس رحلة إلى نهاية الجحيم أو «أبوكاليبس ناو» القيامة الآن)،
إلقاء نظرة حاسمة تماما على الأحداث الألمانية والإيطالية والأمريكية والفرنسية واليابانية هو ما دفع مارك فيرو إلى فتح تفكير مثير للتأمل بشأن العلاقات ما بين السينما والتاريخ ،حتى لو كان هذا السبيل من أجل التوصل الى أثر ربما محدود (رغم أن الأعمال حول حرب الجزائر مفيدة جدا في هذا الصدد)، وعلى الرغم كذلك من أن النظرة إلى الحرب لا يمكن إلا أن تكون معادية، وهذا ما يفتح الطريق إلى موضوع تقاسم مسؤولية الحرب بعيدا جدا عن السينما الدعائية والاقتراب من النظرة الحقيقية للمؤرخ.
افتتاح الأرشيف المتوفر عن الحربين العالميتين الأولى والثانية، بما في ذلك الأرشيف السينماتوغرافي يشكل حظوظا قائمة للأجيال المستقبلية بدون شك بأن التدمير المادي والبشري الناجم عن الحروب سيدفعها لتعميق الجهود وبذلها لإيجاد أساليب وطرق أخرى لحل وفض النزاعات وتسويتها بالطرق السلمية.
*مارك فيرو، السينما والتاريخ دي نوال غونتييه 1977، إدوارد ف دولان ج ر،
هوليوود تذهب إلى الحرب، طباعة الأطلس، وسيباستيان دنيس مقال العسكري غير الموجود في الشاشة: فارس غير موجود؟ في مجلة سينما أكسيون العدد 113’ الجيش في الشاشة، كورلي/تليراما، 2004.
ترجمة : مرسلي لعرج – الجزائر