ستظل الصناعة الفيلمية سينمائيا وتلفزيا فنا بصريا له جاذبيته للجماهير لتقنياتها ومقوماتها الفنية وسعة شمولها لكثير من الفنون .ولأنها كذلك فهي فن الإيصال والتشخيص لكثير من القيم ، وفن المعالجة لكثير من الموضوعات التي لها علاقة بمتاعب ومعاناة الناس وقضاياهم الاجتماعية والنفسية وغيرها.
فالأفلام تعكس بأشكال إبداعية وصياغات فنية مدروسة واقع كثير من الناس ، و تسلط الضوء على المآسي و المكابدات من أجل العيش الكريم والحياة المستقرة المفعمة بالأمن والأمان .
و في هذا الإطار تنخرط الدراما الاجتماعية لمعالجة كثير من القضايا والموضوعات التي لها صلة وثيقة بقضايا المجتمع والأسرة ، وتحاول وضع اليد على كثير من الأمراض النفسية والعلائقية المؤرقة للكثيرين، وفي هذا الإطار يندرج فيلم “التقشيرة = الجورب”الذي يحاول معالجة الغيرة وما تفعله بأهلها.
قصة الفيلم :
تتعلق أحداث الفيلم بمجموعة من ردود الافعال من قبل سناء التي استبدت بها الغيرة على زوجها فصارت تعيش في دوامة من الشكوك ، وزاد ذلك حدة وجودها وهي تعود إلى المنزل جوربا نسائيا تحت السرير ، وهنا تبدأ في البحث عن تبرير حقيقة تواجده هناك ومن تكون صاحبته التي أرادت خطف زوجها منها،وقد أفضى التحقق من مصدر هذا الجورب إلى تعذيب المدبِّريْن لحيلة الجورب وهما زوجها وجارتها لسبب واحد هو محاولة جعلها تتخلص من الشعور بالغيرة التي حولت حياتها الزوجية إلى جحيم لا يطاق .
الفيلم مفعم بأحداث متلاحقة بعضها كوميدي ، وبعضها درامي تراجيدي يثير التعاطف مع سناء تارة وأخرى مع زوجها الذي ذاق مرارة غيرتها عليه فأذاقته مرارة الإهانة رغم أنه حاول تخليصها مما تعانيه بردود أفعال مضادة إلا أنه لم يتوفق في ذلك مما جعله يلجأ إلى فكرة “التقشيرة = الجورب” بأمر من أحد أصدقائه في العمل وباتفاق مع إحدى جارات امرأته.
سناء في مواجهة الجميع
يبدو أن سناء التي أسند إليها الدور الرئيسي في الفيلم مشككة في كل شيء، فلم تكن تصدق أحدا من أجل إثبات براءة زوجها الذي تخاف أن يُختطف منها لأنه جميل وساحر مثير للفتيات ،لذا عاشت صراعا مع هذا الزوج ، ومع أمها ، ومع جاراتها ، ومع كل موظفات الشركة التي يُسيِّرها زوجها ،وقد أهاج تصرفاتها الجورب الذي وجدته تحت السرير في غرفة نومها بعد أن عادت من بيت أسرتها.
جورب ظل حاضرا ضمن أحداث الفيلم وفي كل فضاءاتها مما يجعل عنوان الفيلم مناسبا لكونه يعكس نصيب الاسد الذي أحتله الجورب كلغز محير ومجنن لسناء.
الزوج المظلوم
رغم أن سناء تعتقد اعتقادا جازما بأن زوجها محبوب من قبل النساء ، وقد صدقت واتضح ذلك ضمن أحداث الفيلم فلقد كان وفيا لها وفاء مثاليا ـ كما يظهر في الفيلم ـ وهو المُحاط بالجميلات اللائي كن يحاولن استمالته بلا جدوى.
والغاية المراد إيصالها إلى المشاهد كون الشك والغيرة تُحمّلنا الكثير من الأباطيل والترهات التي لا حقيقة لها في الواقع.
والفيلم من هذا المطلق مستحسن لأنه ـ في اعتقادنا ـ استطاع أن يوصل رسالة مفادها أن الغيرة قد تنغص علينا حياتنا وتكدر صفاء نظرتنا إزاء بعضنا ، وقد يصل الأمر إلى ارتكاب أفعال انتقامية قاتلة إزاء المغار عليه.
تعليق عام على الفيلم
جاء الفيلم بسيناريو لابأس به من حيث حبكته واشتغاله على التشويق والمراوغة انطلاقا من لغز الجورب الذي أعطى الفيلم نكهة البحث المضني للقبض على صاحبته ،فجاءت الأحداث كي تنبني على سره وسر تواجده في غرفة النوم ، وهنا تكمن إثارة وتساؤل المُشاهد عما ستؤول إليه الأحداث.
وقد جرى ذلك عبر وقائع درامية تراجيدية وأخرى كوميديا تحكمت في تحريكها سناء التي تغار على زوجها البريء .
وإذا كانت فكرة الغيرة باعتبارها الشعور المفضي إلى الهلاك أحيانا فإن الفيلم تمكن من توصيلها إلى المشاهد عبر أحداث لا تخلو من مبالغة ، وقد أجاد الممثلون أداء ما أسند إليهم من أدوار بشكل انسجامي وبإيقاع مقبول ، أدوار مبنية في جلها على الصراع بأشكال مختلفة ، وقد جاءت متدفقة مندفعة لم تبتعد لحظة عن المسار السردي لموضوع الفيلم لتمنح هذا الأخير يسر التتبع للأحداث رغم ما يكتنفها أحيانا من تصرفات غامضة سرعان ما يُبرَّر سبب وقوعها.
وموضوع الفيلم من المواضيع المنتشرة عبر قصص وحكايات تتحدث عن أضرار الغيرة ، والاختلاف يكمن الفنية في كيفية تناولها ،والحال أن الفيلم تناولها من حالتها الضارة المدمرة ليحذر منها في الأخير حين تتحول إلى أوهام تحدث الشرخ والخصومات بين الأزواج.
ــــــــــــــــــــــــــــ
هامش:
فيلم “التقشيرة” فيلم مغربي من إخراج عبد الرحيم مجد، بطولة دنيا بوطازوت و ربيع القاضي و وزهور السليماني وآخرين.