جاء فيلم “عروسة الجبال” للمخرجة الإيطالية ماورا ديلبيرو، الذي عرض أمس ضمن المسابقة الرسمية للدورة 30 من مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط، مختلفا وذا نفس روائي متميز.
نتابع في الفيلم أسرة متعددة الأفراد تقطن في منطقة غير محددة في الجنوب الإيطالي، أثناء الحرب العالمية الثانية التي تشكل الخلفية التاريخية للأحداث، والتي نشاهد فقط تأثيرها على مايحدث في تلك المنطقة النائية من إيطاليا.
أهم مايميز “عروسة الجبال” أنه فيلم شخصيات أكثر من كونه فيلم أحداث، إذ يقتصر الحدث الرئيسي للفيلم في كون الفتاة تتزوج بمن تحبه لكنه يغادر للمشاركة في الحرب تاركا إياها حبلى بعد وقت قصير من زواجهما، لتظل كالمعلقة في غيابه منتظرة عودته وكأنها تنتظر غودو الذي لن يأتي أبدا.
لكن ونحن نتابع هذا الحدث الرئيسي تبهرنا تركيبة الشخوص بما فيهم الشخصيات الثانوية، بحيث ليست هناك شخصية في الفيلم مهمة وأخرى ليس لها دور في البناء الدرامي. ولهذا يمكن لنا الجزم أنه فيلم شخصيات بامتياز.
الشخصية الرئيسية تتغير وتتطور حالاتها بالتدريج وباستمرار طيلة الزمن الفيلمي من فتاة عاشقة إلى زوجة محبة لزوجها ثم إلى إمرأة تعيش حالة صعبة ناتجة عن فراقها لزوجها الذي غادر للمشاركة في الحرب، وما تكاد هذه الأخيرة تنتهي ولا يظهر للزوج أثر حتى تنقلب لحالة نفسية متأزمه وصعبة خصوصا بعد أن تنجب طفلها الذي رفضت أن ترضعه كرد فعل عنيف لغياب الزوج الذي قد يكون مات أو فضل عدم العودة. وهنا تكمن أجمل نقطة في الفيلم، حيث يدع مصير الزوج معلقا لاندري كمشاهدين ما وقع له.
الشخصية الأخرى المهمة في الفيلم هي الأخت التي تعتريها و تتجاذبها مشاعر وأفكار متضاربة ومتعارضة، فهي مؤمنة بشكل كبير وتستعد لكي تصبح راهبة، لكن في نفس الوقت تجد نفسها مغرمة بصور لفتيات عاريات تتصفحها باستمرار وتطلب ون الله أن يغفر لها فعلها ذاك، إضافة لصداقتها المتميزة مع فتاة” مستهترة” تدخن وتعيش حياتها بدون أية قيود كيف ماكانت، بل تحث الأخت بأن تعيش رغباتها بدورها..وهكذا تصبح الأخت مع توالي لحظات الفيلم شخصية مركبة تزاوج بين متناقضاتها، فهي راهبة تدخن وقد تفعل أمورا أخرى متناقضة مع اختيارها الأساسي.
لكن يظل الأب من أهم شخوص الفيلم بحضوره المركب من بداية الأحداث وإلى نهايتها، كونه الشخصية الوحيدة في الفيلم التي تفرض سلطتها المعرفية بالخصوص على كل الشخوص الأخرى، كونه أستاذا يدرس الصغار والكبار معا، والذين يحتقرهم و يعتبرهم أقل معرفة منه، ومن بينهم أولاده وبناته أيضا، لكن زوجته هي الوحيدة التي تجرؤ على مواجهته بتناقضاته ويخضع لها ويبدو أمامها ضعيفا عكس ما نراه مع الآخرين. ونجدنا هنا وكأننا مع شخصية عكس السي السيد تماما.
وإن استرسلت سأجدني مع شخصيات أخرى مهمة ولو أنها ثانية حتى لا أقول ثانوية، كشخصيات الأطفال الموظفة بذكاء درامي لفضح المسكوت عنه، ببراءة طفولية وكأنها تلقي قنابل موقوتة، و أيضا شخصية الأم الفاضحة بدورها للمسكوت
عنه.
يمكن لنا الجزم أن “عروس الجبال” فيلم يمتح بشكل كبير من النفس الروائي ويستلهم منه، خصوصا من ناحية بناء الشخصيات. أما من الناحية البصرية فقد
كانت المخرجة متفوقة في اختيار أماكن التصوير بحيث جاء الفيلم معبرا بشكل سينمائي متميز عن الحالات المتناولة وكيف تم وضعها داخل إطارات وفضاءات طبيعية تقزمها وتجعلها ضائعة
داخلها.
عبد الكريم واكريم-تطوان

