شهدت العاصمة العراقية بغداد حدثًا ثقافيًا مميزًا مع اختتام فعاليات الدورة الثانية من مهرجان بغداد السينمائي الدولي، الذي أقيم على خشبة مسرح الرشيد وسط أجواء احتفالية حضرها صناع السينما العرب والعراقيون، وضيوف من مختلف الدول العربية. كان المهرجان مناسبة لتلاقي الإبداع السينمائي العربي، وتجسيدًا لرغبة العراق في أن يعود إلى دوره المحوري كمنارة ثقافية وفنية في المنطقة.
كلمات وافتتاحيات اختتام المهرجان
في الحفل الختامي، ألقى الدكتور جبار جودي، نقيب الفنانين العراقيين، كلمة عبّر فيها عن اعتزازه بعودة بغداد لتكون فضاءً للحرية والإبداع، قائلاً: “نحن حريصون على تنمية العراق الحر”، موجّهًا التحية للوفود العربية التي جاءت لتشارك العراق فرحته. وأشار جودي إلى رمزية أن يتزامن ختام المهرجان مع اليوم العالمي للسلام، مذكرًا بأن العراق دفع ضريبة باهظة قبل أكثر من عقدين ليصل إلى مرحلة التعبير بحرية وشجاعة.
أما وزير الثقافة العراقي أحمد فكاك، فقد أكد أن بغداد ستظل دائمًا “مدينة الفنون والثقافة وملتقى الإبداع العربي”، مشددًا على أن المهرجان ليس مجرد حدث سينمائي، بل رسالة سلام ومحبة من قلب العراق إلى العالم.
تكريمات بارزة
شهد الحفل تكريم شخصيات فنية عراقية وعربية تركت بصماتها في المشهد السينمائي، حيث تم تكريم المخرجة العراقية خيرية المنصور تقديرًا لمسيرتها، كما كُرّم الدكتور جبار جودي، والدكتور حكمت البيضاني مدير المهرجان، من طرف رئيس اتحاد المنتجين في الكويت خالد الراشد. كما ألقى الفنان الكويتي محمد المنصور كلمة مؤثرة استحضر فيها تاريخ بغداد العريق، قائلاً: “على مدى الأيام القليلة الماضية فتحت بغداد ذراعيها لتستقبل المبدعين العرب، ليتنفسوا عبق دجلة ونسمات أيلول، بغداد الحضارات والمجد”.
منصة للحوار والتواصل السينمائي
وصف الضيوف المهرجان بأنه تحول إلى منصة للحوار وجسر للتواصل السينمائي العربي، حيث جمعت بغداد بين صناع الأفلام والنقاد والفنانين في أجواء مميزة، عكست كرم العراقيين وحرصهم على أن تعود العاصمة العراقية إلى مكانتها الثقافية.

الجوائز الموزعة
حملت الدورة الثانية للمهرجان تنوعًا لافتًا في الجوائز الموزعة على مختلف الفئات السينمائية:
-
أفلام التحريك:
-
أفضل فيلم متحرك قصير: “نابو” من العراق، إخراج حسين العكيلي.
-
جائزة خاصة للفيلم الطويل المتحرك: “القناني المسحورة” من العراق، إخراج أنس المسوي.
-
-
الأفلام الوثائقية:
-
أفضل فيلم وثائقي قصير: “لن أغادرها” من اليمن.
-
أفضل فيلم وثائقي طويل: “السودان يا غالي” من السودان.
-
-
الأفلام الروائية القصيرة:
-
أفضل فيلم روائي قصير: “سحر” من العراق، إخراج كحيل خالد.
-
جائزة لجنة التحكيم الخاصة: “على الحافة” من تونس، إخراج سحر بن عشي.
-
جوائز تقديرية لفيلم “شكرًا لأنك تحلم معنا” (فلسطين)، “دعاء العشاء” (السودان)، “كان نفسي” (مصر)، و*“الموعد”* (الجزائر).
-
-
الأفلام الروائية الطويلة:
-
أفضل فيلم روائي طويل أول: “ضي” (مصر)، إخراج كريم الشناوي.
-
أفضل فيلم روائي طويل ثانٍ: “أناشيد آدم” (العراق)، إخراج عدي رشيد.
-
أفضل فيلم روائي طويل: “أرزة” (لبنان)، إخراج ميرا شعيب.
-
جائزة لجنة التحكيم الخاصة: فيلم “سلمى” (سوريا)، إخراج جود سعيد.
-
-
جوائز إضافية:
-
جائزة الجمهور: فيلم “جريرة”.
-
أفضل مخرج: ريكا برزنجي عن فيلم “ندم” (العراق).
-
أفضل سيناريو: فيلم “أرزة” (لبنان).
-
أفضل تصوير: فيلم “بن آشور” (العراق).
-
أفضل ممثل: بكر خالد عن فيلم “ندم”.
-
أفضل ممثلة: إسلام مبارك عن الفيلم المصري “ضي”.
-
فيلم “ضي”.. تألق مصري في بغداد
من أبرز ما ميز هذه الدورة تتويج الفيلم المصري “ضي” بجائزتين مهمتين: أفضل فيلم روائي طويل أول، وجائزة أفضل ممثلة التي ذهبت للفنانة السودانية إسلام مبارك عن دورها في الفيلم.
الفيلم من بطولة بدر محمد، أسيل عمران، إسلام مبارك، وحنين سعيد، وتأليف هيثم دبور، وإخراج كريم الشناوي، ومن إنتاج أحمد يوسف وهيثم دبور وكريم الشناوي. وقد حظي العمل بتقدير خاص من لجنة التحكيم والجمهور على حد سواء.
قصة الفيلم
يحكي فيلم “ضي” عن طفل نوبي يبلغ من العمر 11 عامًا مصاب بمرض الألبينو (عدو الشمس)، ينطلق في رحلة إنسانية وموسيقية من جنوب مصر إلى شمالها، برفقة عائلته المفككة ومعلمته، في محاولة لتحقيق حلمه بالغناء واكتشاف صوته الساحر.
الفيلم يقدم معالجة إنسانية مؤثرة لقضايا الهوية، التهميش، والبحث عن الذات، ممزوجة بالموسيقى والتراث النوبي العريق.
مشاركة نجوم كبار
الفيلم شهد مشاركة استثنائية لأكثر من 12 نجمًا عربيًا كضيوف شرف، من بينهم الفنان الكبير محمد منير الذي عاد إلى السينما بعد غياب طويل، إلى جانب النجم أحمد حلمي، ومحمد ممدوح، وصبري فواز، وتامر نبيل، وأحمد عبد الحميد، وعارفة عبد الرسول، ومحمود السراج. هذه المشاركة الغنية أضفت على الفيلم قيمة جماهيرية وإبداعية خاصة.
إشادة نقدية واسعة
نال “ضي” إشادات نقدية مبكرة من كبار النقاد. فقد وصفه الناقد طارق الشناوي بأنه يتمتع بـ*“مفتاح خاص في جاذبيته القادرة على خلق دائرة جماهيرية”*. فيما قال الناقد محمود عبد الشكور إن الفيلم “حلّق في السماء مثل مناطيد الأقصر، وتحول إلى رحلة إحساس بالآخر، ومساعدته على قهر الخوف وتحقيق موهبته”.
هذه الشهادات النقدية تعكس القيمة الفنية للفيلم وقدرته على التأثير العاطفي والفكري في المشاهد.
تكريم لجان التحكيم
كما كرّمت إدارة المهرجان أعضاء لجان التحكيم، ومن بينهم الفنان السوري غسان مسعود، والعراقي مقداد عبد الرضا، والمصرية بشرى، والناقد المصري حسن أبو العلا، إضافة إلى وجوه أخرى من العراق وتونس ومصر. وقد غابت الفنانة داليا البحيري عن الحضور، وتسلمت عنها الفنانة بشرى الدرع التكريمي.
بغداد.. عاصمة السلام والفن
اختتمت فعاليات الدورة الثانية بالتأكيد على أن بغداد عادت لتكون منبرًا للسينما العربية، وجسرًا يجمع بين المبدعين في أجواء من المحبة والكرم، لترسم صورة مغايرة عن العراق، كمدينة للسلام والفن والحضارة.
المهرجان حمل رسالة قوية مفادها أن السينما قادرة على توحيد الشعوب، وأن بغداد لا تزال نابضة بالعطاء والإبداع رغم التحديات.
سينفيليا