” اليتيم” فيلم درامي مغربي اجتماعي، سيناريو عائشة بلعياشي، وإخراج رشيد المقدم.. فيلم يقدم ما يؤجج المشاعر الإنسانية انطلاقا من موضوعه المتعلق بطفل يتيم جز به القدر ليعيش بين أفراد أسرة خاله شهورا جعلت منه الطفل المعاني المحتقر المهان قبل أن يطرد ليتشرد وتنقذه امرأة محسنة فيصير بمثابة ابنها، وبمرور الأيام يصير ذا مخبزة ناجحة شهيرة، في الوقت الذي صار خاله وزوجته حائرين بصدد ابنهما المدلل الذي صار سجينا لما اقترفت يده من جرائم، وعكس المتوقع اختتمت أحداث الفيلم بظهور اليتيم “سفيان” الذي قدم إلى البيت ليسامحهما رغم ما ذاقه من مرارة وقسوة من قبلهما يوم كان يعيش في بيتهما مضطرا.
عنوان الفيلم وإيحاءاته
يعتبر عنوان الفيلم، عنوانا عاديا جاء في كلمة واحدة هي ” اليتيم”، وهو عنوان نطل من خلاله على توقعات متنوعة، فكلمة “اليتيم” تحيل على الحرمان، وعلى الحزن، والبؤس والاحتياج ضمن ظروف محددة، كما تحيل على التحدي المفترض فيمن لا سند له إلا جهوده وإيمانه بالانتصار على الضعف وتجاوز الحرمان مع إبراز الفلاح في وصول أهداف قد لا يصلها من يعيش بين أبوين ثريين، يتكفلان به ويحققان له حاجياته.
وسيناريو الفيلم هو المحدد لفحوى الأحداث التي تؤسس عليها أحداث الفيلم الذي يتوقع أن يكون بطله يتيما تكسر عزيمته ويواجه كثيرا من أزمات تأتيه من المحيط القريب والبعيد.
وكثيرة هي الأفلام التي اهتمت باليتيم، منها: فيلم الحصان اليتيم، وموضوعه عاطفة جمعت بين يتيمتين،” فيلم اجتماعي بامتياز يبحث في قضية من أهم القضايا الاجتماعية والإنسانية بالدرجة الأولى وهي قضية رعاية الأيتام، وأهمية البحث الدقيق عند اختيار الأسرة البديلة التي ترعى هؤلاء الأطفال الأيتام” 1 .
ومنها صوت الأمل: قصة بوسوم تروت:فيلم وثائقي عن عائلة تتبنى العديد من الأطفال الأيتام. ومنها” كافل اليتيم“:فيلم سوري يحكي قصة يتيم يجد الدعم من بائع خضار. ومنها فيلم اليتيمة :فيلم رعب من إنتاج دولي مشترك بين كندا والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا إنتاج سنة 2009، وإخراج جومي كوليت سيرا، وبطولة فيرا فارميغا، بيتر سارسجارد، إزابيل فورمن وجيمي بينيت وأريانا إنجنير. أُنتج الفيلم من قبل جويل سيلفر وسوزان داوني من قلعة الظلام للترفيه وليوناردو دي كابريو وجنيفر دافيسون كيلوران.2 ومنها فيلم ياسمين: ويتناول قصة طفلة يتيمة تركت في ملجأ، ثم تنضم إلى عصابة.
والفيلم المغربي”اليتيم” فيلم جميل فنيا مثير ومؤثر على المشاعر تجاه معاناة الإنسان من قبل الإنسان في الوقت الذي ينبغي أن يحصل العكس.
فهو فيلم يؤجج التعاطف مع بطل أحداثه “سفيان” الذي توالت عليه جملة من الأفعال التنمرية معنويا وبدنيا، وضمن أحداثه المحبوكة ثلة من المضايقات الباعثة على الشعور بالإهانة والاحتقار والشعور بالعزلة والنبذ من قبل من ينتظر منهم الشفقة والإحسان والمعاملة الطيبة.
وقد اختار المخرج موسيقى تصويرية مثيرة للشجن والانفعالات المصاحبة للمواقف المعروضة في الفيلم، موسيقى في تكامل وانسجام مع الأجواء المضطربة في جل فضاءات وأحداث الفيلم.
وللإشارة فصور اليتم ومصائره تتكرر في كثير من الأفلام التي تندرج ضمن الدراما العائلية أو الاجتماعية، ومن العوامل الكامنة في ذلك إثارة المشاعر وإيقاظ النفوس عبر الدراما تجاه يتامى ويتيمات تجابهون أنواعا من التحديات التي تهزم بعضهم ويهزمها بعضهم.
سفيان اليتيم بؤرة للآلام
ركز المخرج على البطل فجعله كثير الورود ضمن أحداث النص، فشكل به بذلك بؤرة تجمع كل ضروب وأشكال المعاناة، تتقاسمها معه جدته، وخالته، وابنة خاله، في مقابل خاله الذي يخضع لرغبات ومواقف امرأته السلبية تجاهه.
وقد جعل المخرج أحداث الفيلم مفعمة بالمضايقات المطردة في شتى لقطات ومشاهد الفيلم، فهو الابن الذي لا شرعية له في بيت خاله في وقت لا أم ولا أب له، وحدها جدته هي التي تعلقت به قبل أن تفارق الحياة وهي تحمل في قلبها عداء لابنها وزوجته اللذان يعرفان مدى حبها له في الوقت الذي يعتديان عليه بالقول وبالعقاب البدني أحيانا. عاش في بيت خاله متهما في كل حركاته إلى حد الشعور بالبلبلة بما تحمله من تشويش واضطراب وضيق لا مخرج منه، فقد عوتب وهو يقوم بطبخ الحلوى المفضلة له والمذكرة له بأمه التي كانت تصنعها وتبيعها في الفضاءات العمومية، وعوتب وهو يراجع دروسه بحجة الخوف من تكاليف الكهرباء، وعوتب في وقت دخوله وخروجه من المنزل… عاش عاما وسط أفراد أسرة خاله الين لم يجد فيهم عطفا ولا رأفة ما عدا الابنة التي تعاطفت معه داخل وخارج البيت، بل حتى بعد طرده نهائيا من هذا البيت.
ومن أجل طرده من البيت حاولت زوجة خالته إيقاعه في أفعال غير مرغوب حتى يكون ذلك مبررا كافيا لطرده النهائي الذي أراحها فشعرت بسعادة التحرر من عبئه لتنفرد بابنها وابنتها وزوجها.
المحنة المنحة مصير التحدي
يقدم الفيلم لحظات عصيبة ومؤثرة لسفيان وهو يهم بمغادرة المنزل الذي لا بديل له عنه، يبكي، يتذكر، يهيم، يفكر، وكم كان مرعبا أن ينام وحيدا في العراء بلا دفء ولا عطف وهو الولد الذي لم يبلغ سن الرشد بعد.
وفي كل أمورنا مفاجآت ربانية، غير متوقعة، فقد جذبته امرأة تبيع الحلوى وكأنها أمه التي اعتاد التواجد معها في أكثر من مكان، امرأة أظهرت تعاطفها تجاهه فصار بمثابة ابنها، وازداد فرحها حين وجدت فيه المساعد لها في طهو الحلوى وبيعها، ليصير في الأخير شابا تمكن بجهده الشخصي وتحدياته المتلاحقة أن تكون له مخبزته الخاصة التي عرفت بأشهى حلوياتها.
في المقابل يتبين أن خاله وامراته التي طردته يعيشان في حزن عميق وابنهما وراء قضبان السجن لما ارتكبه من محظورات.
أما أخته فقد كانت على اتصال متواصل مع سفيان، وقد أخبرته بالواقع، ليأتي فيسامح الخال وامرته وهما يجهشان بالبكاء.
الخلاصة
الخلاصة أن هذا الفيلم يمكن اعتباره تربويا يحمل الحس الديني ومنظوره من حيث وجوب العناية باليتيم، وقد جاء تحت عنوان الفيلم “وأما اليتيم فلا تقهر”، وقد قدمه الفيلم يتيما بامتياز، فقد أمه وأباه وبعدهما فقد جدته التي كانت سنده وبديلا عن أمه، تدافع عنه وتسأل عن أحواله باستمرار، وتتألم وهي تعرف ما يقاسيه ويعانيه من قبل أفراد الأسرة.
بدأ الفيلم ببكاء سفيان وتحسره على أمه، وانتهى بسعادته وهو يتحدى العراقيل والمضايقات، في الوقت الذي صار خاله وزوجته ذليلين يستبد بهما الحزن والأسى وابنهما وراء القضبان.
وهكذا يقدم الفيلم رسالة إنسانية تتعلق بالعناية باليتيم وتحمله فقد يصير سندا للمتكفل به وبديلا عن أبناء من صلبه ينسونه وينسون جميله.
بقلم لحسن ملواني ـ كاتب مغربي
هامش:
1 ـ راضي جودة، المجلة العربية، العدد 587، الثلاثاء 26/10/2021.
2 ـ انظر (ويكيبيديا الموسوعة الحرة: https://ar.wikipedia.org/wiki”)