في عالم يضجّ بالصخب، يبرز فيلم CODA كقصيدة سينمائية هادئة، تخاطب الحواس وتلج القلب دون استئذان. فاز الفيلم بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم عام 2022، لكنه تجاوز حدود الجوائز ليصبح رمزًا إنسانيًا للتواصل، الحب، والهوية.
ما الذي يجعل CODA استثنائيًا؟ وكيف استطاع أن يجمع بين التمثيل الصادق، الموضوع المؤثر، والإخراج المتزن؟ في هذه المراجعة، نتأمل في أبعاد الفيلم المختلفة بلغة عربية تُنقل روحه دون أن تفقد دفئه.
قصة في صمتٍ يتكلم
CODA هو اختصار لـ “Child of Deaf Adults”، أي “ابن/ابنة لوالدين أصمين”. تدور القصة حول “روبي”، فتاة مراهقة تعيش في بلدة صغيرة وتُعد الوحيدة في عائلتها التي تستطيع السمع والتحدث. وبينما يساعد والداها وشقيقها في العمل في صيد السمك، تجد روبي نفسها ممزقة بين واجبها العائلي وحلمها في دراسة الموسيقى.
الفيلم مقتبس من فيلم فرنسي بعنوان La Famille Bélier، لكنه يتجاوز النسخة الأصلية بنضج أكبر، وإخلاص أكثر لواقع الصم، خاصة أنه استعان بممثلين صُمّ فعليًا، ما أضفى مصداقية عاطفية عالية.
الأداء التمثيلي: الصدق قبل التقنية
◾ إميليا جونز (روبي)
قدّمت أداءً متكاملًا يجمع بين التردد، الشغف، والخجل. تعلّمت لغة الإشارة الأمريكية وتدربت على الغناء لأشهر قبل التصوير. هذا الالتزام منح شخصيتها واقعية مؤثرة.
◾ تروي كوتسور (الأب)
حاز على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد، ويُعد أول ممثل أصم يحقق هذا الإنجاز. حضوره طاغٍ، يمزج بين روح الفكاهة ودفء الأبوة.
◾ مارلي ماتلين (الأم)
الممثلة المعروفة بأدوارها المؤثرة في الدفاع عن حقوق الصم، تضفي على الفيلم عمقًا إضافيًا بصمتها الرصينة، خصوصًا في مشاهد الصراع بين الخوف من فقدان الابنة والتقدير لأحلامها.
الموسيقى: الجسر الذي لا يُرى
من المفارقات الجميلة أن الفيلم الذي يتمحور حول عائلة صمّاء، يعالج موضوع الموسيقى. من خلال أداء روبي للأغاني، تتضح لنا فكرة رمزية: الموسيقى ليست فقط ما يُسمع، بل أيضًا ما يُشعر.
مشهد “الاختبار الصوتي” في المدرسة يُعد من أكثر المشاهد المؤثرة في الفيلم، حيث نرى التوتر الداخلي بين صوتها المادي، وصمت عائلتها الروحي.
ثيمات عميقة: العائلة، الاستقلال، والهويّة
✦ العائلة كجذر وهوية
الفيلم لا يُقدّم عائلة الصم كـ “حالة خاصة”، بل كعائلة مثل أي عائلة، لها أحلامها، صراعاتها، وخلافاتها. لكنه يُظهر في الوقت نفسه الصراعات الإضافية التي يخوضها الأبناء الذين يُترجمون العالم لوالديهم.
✦ الاستقلال الشخصي
روبي تجد نفسها بين الولاء لعائلتها والبحث عن ذاتها. هذا الصراع يهمّ كل شاب عربي يعيش في مجتمعات قائمة على الأسرة الجماعية.
✦ سؤال الانتماء
هل تنتمي روبي أكثر لعالم الأصمّ أم لعالم الموسيقى؟ وهل يجب أن تختار بينهما؟ الفيلم يطرح هذا السؤال دون أن يُقدّم إجابة حاسمة، تاركًا المجال للمشاهد كي يُكمل المعنى.
إخراج وإنتاج بدون بهرجة
المخرجة “سيان هيدر” قدّمت معالجة بصرية بسيطة وواقعية، دون تكلّف. استخدمت اللقطات القريبة لتعزيز التفاعل العاطفي، والضوء الطبيعي لتكثيف المشاعر.
الإنتاج تجنّب الميلودراما الرخيصة، واختار مزيجًا بين الدفء الكوميدي والحزن الرقيق. الفيلم قصير نسبيًا (111 دقيقة)، لكنه مشحون بالمعاني.
الرسالة إلى المجتمعات العربية
رغم أن الفيلم أمريكي، إلا أن قضاياه عابرة للثقافات. في مجتمعاتنا العربية، لا يزال الحديث عن الصمّ وحقوق ذوي الإعاقات محدودًا. فيلم CODA يفتح بابًا للنقاش، لا فقط حول لغة الإشارة، بل حول قبول “الاختلاف” كجزء من الحياة.
مشهد لا يُنسى
من أكثر اللحظات تأثيرًا، حين يضع الأب يده على حنجرة ابنته وهي تغني، محاولًا “سماعها” بطريقته الخاصة. هذا المشهد يلخّص الفيلم بأكمله: الحب كأداة للتواصل تتجاوز اللغة.
الخلاصة
CODA فيلم إنساني بامتياز، يتعامل مع الصمت كقوة لا كعجز، ومع العائلة كحلم لا كقيد. هو تذكير أن الفن الحقيقي لا يحتاج إلى مؤثرات بصرية خارقة، بل إلى قصة صادقة وأداء مؤثر.
سواء كنت من عشّاق السينما أو من المهتمين بقضايا الإعاقة والتنوع، فإن هذا الفيلم يستحق المشاهدة والتأمل.
ما رأيك؟
هل شاهدت CODA؟
ما أكثر مشهد أثّر فيك؟
شاركنا رأيك في التعليقات أو عبر وسائل التواصل!
سينفيليا