الرئيسيةالسينما العربيةفي ذكرى وفاة سعيد صالح: سلطان الكوميديا الذي عاش حراً ومات عاشقاً للفن

في ذكرى وفاة سعيد صالح: سلطان الكوميديا الذي عاش حراً ومات عاشقاً للفن

سعيد صالح

تحل اليوم الذكرى العاشرة لرحيل أحد أبرز نجوم الكوميديا في تاريخ الفن المصري، الفنان الراحل سعيد صالح، الذي غادر دنيانا في الأول من أغسطس 2014، بعد أن ترك إرثاً فنياً ضخماً يمتد عبر المسرح والسينما والتلفزيون. ولد سعيد صالح في 31 يوليو 1940، وتوفي في اليوم التالي من عيد ميلاده الخامس والسبعين، لتبقى مفارقة التوقيت إحدى علامات القدر في حياة فنان رسم الضحكة على وجوه الملايين، وعاش أيامه الأخيرة في معاناة صحية وإنسانية لم تمحُها ذاكرة جمهوره.

بدأت علاقة سعيد صالح بالفن مبكراً، إذ كان مولعاً بتقليد الآخرين منذ طفولته، وبرزت موهبته التمثيلية في مسرح المدرسة، لكن انطلاقته الحقيقية جاءت في ستينيات القرن الماضي حين اكتشفه الفنان حسن يوسف وقدّمه في مسرح التلفزيون. من هناك، بدأت رحلته الصاعدة بثبات نحو النجومية. ارتبط اسمه بمسرحيات لا تزال حاضرة في وجدان الجماهير، وفي مقدمتها “مدرسة المشاغبين” و”العيال كبرت”، اللتان كرستا حضوره الكوميدي المميز.

سعيد صالح لم يكن فقط ممثلاً بارعاً، بل كان ابن المسرح الحقيقي، إذ شارك في أكثر من 300 مسرحية، كثير منها اعتمد على الارتجال وسرعة البديهة التي ميزت أداءه، فلقّبه الراحل محمود السعدني في كتابه “المضحكون” بأنه “الأخف دمّاً” بين أبناء جيله. كان يتحرك على المسرح كما يتحرك في الشارع، يتكلم أمام مئات المشاهدين كما يتحدث وسط أصدقائه المقربين. كان تلقائيًا بالفطرة، عفويًا بلا تصنع، وهي صفات جعلته قريبًا من قلوب الناس.

رغم هذا الحضور المسرحي الطاغي، لم يحقق سعيد صالح في السينما نفس مستوى النجومية، على الرغم من مشاركته في أكثر من 500 فيلم. قدم أدواراً مهمة، لا سيما في أفلام جمعته بصديق عمره الفنان عادل إمام، منها “سلام يا صاحبي”، “الهلفوت”، “الواد محروس بتاع الوزير”، و”المشبوه”، وغيرها. ورغم أنه رفض المشاركة في فيلم “مسجل خطر” خوفًا من تشابه أحداثه مع حياته الواقعية – حيث تدور القصة حول رجل لديه ابنة وحيدة يتوفى خلال الأحداث – إلا أن حضور صالح في السينما ظل ثابتًا كوجه مألوف ومحبوب لدى الجمهور، حتى وإن لم يكن دائمًا في أدوار البطولة.

امتدت مسيرته أيضًا إلى الشاشة الصغيرة، حيث شارك في عدد من المسلسلات البارزة مثل “أوان الورد”، “المصراوية”، “بكيزة وزغلول”، و”السقوط في بئر سبع”، وغيرها، بالإضافة إلى الأعمال الإذاعية التي أظهر فيها مرونة صوته وقدرته على التعبير الصوتي الكوميدي والدرامي على السواء.

لكن حياة سعيد صالح لم تكن ناعمة، إذ دخل السجن مرتين، وكان أول فنان يُحبس بسبب عبارة قالها في مسرحية “لعبة اسمها الفلوس” عام 1983، حين قال: “أمي اتجوزت 3 مرات، الأولى أكلنا المش، والتانية اتعلمنا الغش، والتالتة لا بيهش ولا بينهش”، وهي جملة فسّرها البعض بأنها تشير إلى رؤساء مصر الثلاثة آنذاك، ما أثار حفيظة السلطات، وتم اعتقاله والتحقيق معه لمدة 17 يوماً قبل أن يُفرج عنه.

 سعيد صالح
سعيد صالح

في التسعينيات، اتهم بتعاطي المخدرات وتمت تبرئته مرة بسبب نقص الأدلة، ثم أعيد القبض عليه في عام 1996 بنفس التهمة، وقضى عاماً في السجن. لكنه اعتبر السجن نقطة تحوّل في حياته، حيث صرح لاحقاً في لقاء تلفزيوني أن تلك الفترة كانت من أفضل مراحل حياته، إذ تقرب خلالها إلى الله، وحفظ القرآن، وتعلم عن الأنبياء، وبدأ رحلة روحية امتدت لـ14 عاماً، أتم خلالها مناسك الحج والعمرة بانتظام.

قال في حديث مؤثر إنه شعر بالاكتئاب قبيل خروجه من السجن، لأنه وجد الحرية الحقيقية داخله، حيث يعرف المذنب ذنبه، أما في الخارج فلا أحد يعترف بجرمه. كانت تلك الكلمات انعكاساً لفلسفة شخصية عاشها سعيد صالح عن قناعة، حيث رأى الحرية في الضمير لا في الجدران.

ولعل من أبرز المفارقات التي جمعت بين الفن والحياة، أنه جسّد في عام 2010 مشهداً مؤثراً في فيلم “ألزهايمر” مع عادل إمام، حيث لعب دور رجل مصاب بالخرف تركه أبناؤه في دار للمسنين. لاحقًا، أصيب بالفعل بمرض ألزهايمر في سنواته الأخيرة، وهي مفارقة حزينة، أكدت أن بعض الأدوار ليست مجرد تمثيل بل ربما تكون نبوءة أو واقعاً يُجسّد قبل أن يُعاش.

العيال كبرت
العيال كبرت

في عام 2014، بدأت صحته في التدهور، فدخل المستشفى نتيجة إصابته بالأنيميا، وخضع لنقل دم في مايو من ذلك العام. ثم لحقت به أزمة قلبية حادة ألزمته الفراش، قبل أن يرحل في الأول من أغسطس، تاركًا خلفه تاريخًا فنيًا يستحق الوقوف عنده طويلاً.

ربما لم يحظ سعيد صالح بالتكريم الرسمي اللائق بحجم عطائه، لكنه ظل في قلوب الجمهور سلطانًا للكوميديا، وصاحب ضحكة لا تموت. لم يهادن، ولم يتلون، ولم يصنع “كاريزما” مستعارة، بل كان نفسه في كل الأدوار، وفي كل المواقف. عاش صادقًا، ومات شامخًا، بعد أن قدّم فنًا صادقًا يملأ القلب والبصر.

سينفيليا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *