في ثوب من التطور السينمائي العربي الجديد يطالعنا فيلم “الفيل الأزرق 2”. تكاد هذه الجملة تلخص الفيلم كله؛ فالفيلم تطور سينمائي .. هذا صحيح، وهو تطور جديد على الساحة العربيّة.. هذا صحيح أيضًا؛ لكن الأهم أنه تطور في الثوب .. وسأتناول أهم ثلاثة محاور في الفيلم باختصار شديد. وأودُّ لو أصنع تحليلاً سينمائيًّا كاملاً للفيلم؛ لكنه سيخرج في حيز بالغ الطول، ولا يصلح إلا في نطاق الدراسات السينمائية المتخصصة. ولكني سأقتصر بذكر أسباب آرائي التي أعيب على غالب النقَّاد أنك إذا سألتَهم: لِمَ كان هذا رأيكم؟ لا يجدون ما يردون به. مما يسبب في غياب وعي المشاهد، وغرض النقد إعلاء وعيه.
• السيناريو المنقول عن أفلام الرعب الغربية:
“لا جديد تحت الشمس” تعبير كنا نتناوله من قبل، لكن هناك تعبير آخر أدقّ في حالتنا هذه هو “لا جديد .. مع رغبة التقليد”. فيلمنا اتبع نمط أفلام الرعب الأمريكية في كل شيء؛أو بدقةٍ نقل كلّ أصولوتطورات الأحداث، في فصولها الرئيسيَّة، وتفريعاتها أيضًا من الخط العامّ الذي ترسمه السينما الأمريكية لها. وهذا أمر كنت أتوقعه من قبل المشاهدة. لدينا بطل “كريم عبد العزيز” ضائع في طريق حياته، غارق في عالمه من السُّكر. ولدينا عفريت اسمه “نائل” ينتقل عن طريق مرآة مُعيَّنة هي مُستقرُّه. هذا العفريت يتقصد البطل ويسعى وراءه؛فيتلبّس إحدى السيدات “هند صبري” ليستدعيه في تحدٍ جديد، بعد تحدي الجزء الأول، وبعد أن ظنّ البطل أنه قضى عليه في مغامرته الأولى. ولدينا التطور الأعظم في اكتشاف المرآة التي تقبع في البيت القديم، أو الفيلا التي تقطنها البطلة “هند صبري”، ولدينا التطور في معرفة “السر” الذي سيقضي على هذا العفريت؛ في عملية قلب كلمة وكتابتها على المرآة…. ولدينا في النهاية (ويا للمفاجأة العملاقة) هذا البطل الذي نكتشف أنه تحوَّل إلى الشرير.. هيا اندهشوا من فرط الإبداع. إنّ السينارست مُصرّ على النقل حتى آخر قطرة.
وأظنُّ أن القارئ قد أصابه الملل من كثرة اطلاعه على مثل هذه الخطوط، والتطورات المنقولة بالنصّ، بل المشفوفة من عديد الأفلام الغربية. طبعًا إذا كان المشاهد مُطلعًا على بعض، أو كثير منها. لكن صُنّاع الأفلام هنا في مصر يعتقدون دومًا أن المشاهد آتٍ من دنيا اللاشيء؛ وأنهم إذا نقلوا المحتوى الأجنبيّ (وهي العملية الأساسيّة التي تعتمد عليها كتابة السيناريو العربيّ) فإنهم يقدمون شيئًا يستحق حتى أنْ يُذكر!!
وبعد كل هذا فهناك تفوق نسبي للحوار عن القصة والسيناريو، وهذا في اعتقادي لفشل السينارست في نقل الحوار الأجنبيّ وحسب. لكن هذا الحوار في محاوره الرئيسة مرهون بعملية النقل التي ذكرتها بالقطع.
• لغة الصورة المبهرة، وهل هذا عمل المخرج؟
جاءت صورة الفيلم بغزارة في عناصر الإبهار؛ حتى تظنُّ أنَّك غارق في صورة الفيلم منكثرة الإبهار؛ وهذا يصنع صورة سينمائية بامتياز. ولا شكّ أن هذه إحدى التطورات العظيمة التي أضافها الفيلم؛ أقصد للسينما العربية فقط بالقطع. وسيظلّ هذا الفيلم بها علامة انتقال؛ إنْ -وأقول إنْ- أكمل بعدها الخط السينمائيّ المسيرة.
يتكون الإبهار من اختيار أماكن التصوير، وتصميمها، وكذلك من الملابس المتنوعة والمبهرة، ومن عناصر ما بعد التصوير. وهنا يأتي سؤال؛ هل هذا الإبهار في الصورة عمل المخرج؟ .. الحق يقال هذا ليس عمله، سأشرح. إن هذا الإبهار في الصورة مسئول عنه في الأساس جهتان: الأولى هي الديكور والملابس، والثانية هي مرحلة المونتاج. حيث تمّتْ كلتا الجهتين بكفاءة ملحوظة للغاية. المونتاج (على يد أحمد حافظ) كان أكبر عوامل نجاح الصورة، وكذلك مرحلة معالجة الألوان بطريقة أصبحت “موضة” السينما المصرية الآن.
أجيب الآن عن السؤال المطروح: بالقطع كان للمخرج دور لكنْ ليس بالدور الكبير. وأستطيع أن أحدد دوره بالتنظيم، أكثر من الإنشاء الذي هو عمله الحقيقيّ في الأساس. لكن لماذا أقول بأن دوره لم يكن كبيرًا؟ للأسباب الآتية
1- دوره الإبداعيّ اتسم أيضًا بالنقل الصريح والمباشر من أفلام المخرج الكبير قدرًا، الصغير سنًّا (جيمس وان). وهناك مشاهد نقلتْ بحذافيرها تقريبًا. وهي مشاهد الرعب، مثل مشهد الولد الصغير فوق وتحت سريره. ومشهد آثار الأقدام من صعودًا إلى السقف. ومشهد انتقال روح الجنّ “نائل” بين الأفراد عن طريق الحشرة المنتقلة من أحدهم إلى الآخر؛ وهو منقول نصًّا من فيلم “الاستحواذ” الشهير. وغيرها.
2- عمل البرمجيات غير الناضج، والذي اتسم بالسذاجة في أحيان. وسأشير إلى ذلك.
3- بعض الخدع، والديكورات بالغة الزِّيف؛ مثل مشهدَيْ الأذن المقطوعة والمُلقاة أرضًا، واللسان الذي قُطع بعد قطعه، ليس أثناء التصوير.
4- غياب الإبداع في رؤية التصوير (لا أقصد هنا عمل مدير التصوير وطاقمه الذي قام بدور جيد جدًّا) بل رؤية التصوير وفلسفته.
وتعني هذه العناصر حقيقةً واحدةً أنّ عمل المخرج ارتبط بجودة الفريق؛ المناطق التي كان الفريق المساند فيها قويًّا خرجتْ قويةً، والتي اتسم فيها بالضعف خرجتْ ضعيفةً. وهذا أيضًا يشير إلى دور اقتراحات الفريق المساند للمخرج. بالعموم لم يكن عمل المخرج سيئًا، ولم يكن ممتازًا بأي حال من الأحوال.
وفي نهاية هذا العنصر أحب أن أنوّه على أن عمل البرمجيات في الفيلم (والتي ظهرت في الفيلم كثيرًا، وأخذت مساحات الهلوسة جميعها تقريبًا) غير ناضج كفايةً، وبه الكثير من العيوب يُكشف مع بعض التدقيق في الملاحظة. ولهذا لمْ أضفه في عناصر الإبهار سابقًا، لأني اكتفيت بعناصر الإبهار الحقيقية. وللأسف مشاهدنا العربيّ الذي لا يطلع على المنتجات الأجنبية قد ينخدع، وينبهر بهذه الأعمال البرمجية. ولكن دور النقد هو التوجيه الذي يفتح عينيك، ويعين على رؤية أفضل للعمل الفنيّ.
• الإبهار الموسيقي المُعتبر:
الشيء الوحيد المستحق للانتباه هو عمل “هشام نزيه”، وهو أشد العناصر في الفيلم ثراء، ويضاهي الصورة في التنوع، لكنه يتفوق عليها بإرادة خلق منتج جديد، وعدم الاستسلام للتلقي من الأفلام الواردة إلينا. وتتميَّز الموسيقى في الفيلم بمميزات كثيرة. منها:
1- امتدادها الطوليّ؛ حيث تقريبًا تملأ مساحة الفيلم جميعها.
2- قدرتها على التنوع لمواكبة دراما الصورة؛ حيث نجدها تتغير بشدة في أجزاء الفيلم المختلفة، من الأجواء العادية، إلى أجواء الغموض، إلى لحظات الرعب، ثم أخيرًا المشاهد المُكثّفة لهلوسات بطل الفيلم.
3- تفوقها الشديد في التنوع ما بين لقطات المشهد الواحد.
4- تنوع مكوناتها؛ حيث تكونت من موسيقى مؤلَّفة، والموسيقى الصوتية الإنسانية المباشرة، وثيمات “تيمات” موسيقية من ثقافات متعددة؛ مثل استخدام أصوات الارتطام النحاسيّ، تشبه البيئة الدينية المسيحية. لكنها هنا مُحوَّرة لتناسب الأحداث. حتى إنها لجأتْ إلى استخدام ارتطام القضبان بشكل مباشر في بعض المشاهد.
وهنا يجب أن أنوّه على دور مرحلة “دمج الصوت” أو ما يُعرف بـ”الميكس” التي جاء عملها مميَّزًا. وألوم مهندس الصوت في تفويته علينا سماع عدد ليس بالقليل من كلمات الممثلة “هند صبري” رغم أن الصوت كاد يفتك بسماعات السينما في مناطق أخرى.
وفي النهاية أشير إلى أن الأداء التمثيليّ كان جيدًا إلى ممتاز في المتوسط العامّ؛ وأخصّ بالتحية “كريم عبد العزيز” الذي يشهد تطورًا كبيرًا في أدائه. والفيلم إجمالاً فيلم جيد. وإنْ أعطيته درجة ستكون 7/10.
عبد المنعم أديب-القاهرة