بعد أفلام ” ألو15 “، “بن إكس “، و ” الوشاح الأحمر”، إنتهى مؤخرا المخرج المغربي محمد اليونسي من تصوير فيلمه الروائي الطويل الرابع “دقات القدر”، والذي اختير للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للفيلم في دورته العشرين التي ستقام بطنجة بداية شهر مارس القادم.
يتمحور الفيلم حول الأحداث التاريخية لفترة استعمار الريف حيث تركت قوات الاستعمار الإسباني ندوبا غائرة في المنطقة وأهلها خصوصا فيما يتعلق بالغازات السامة التي كانت تقصف المنطقة بها والتي يتناولها الفيلم ويظهر تبعاتها.
ومن خلال حكايتين لامرأتين شابتين واحدة مغربية والأخرى إسبانية تتوقان للانعتاق، الأولى من قيود التقاليد والعادات الظالمة والثانية من أغلال التشدد الديني للكنيسة، ينسج اليونسي سرده الفيلمي بالغوص في لاوعي كل واحدة منهما ومحاولاتها لمواجهة الظلم الذي تتعرض له، مساران يجعلان الفيلم نسائيا دون أن يسقط في النسوية الشعبوية التي تجعل الرجل العدو الأساسي لها، فهنا نجد المجتمع وتقاليده هما من يسجنان في تَخلُّفهما الأنثى بشكل يجعل المرأة نفسها في كثير من الأحيان أداة لتكبيل نساء آخريات.
“دقات القدر”، وفي قراءة ثانية أعمق، هو أيضا فيلم عن التاريخ كموضوع للتناول والمساءلة، إذ نجد به ومن خلال معالجة فنية يتوازى فيها مساران واحد واقعي والآخر ينحو نحو السوريالية ومسرحة الأحداث، أسئلة عن ماهية التاريخ و”الحقيقة التاريخية” ومن المؤهل ليكتبه وبأي شكل يُكتب.
قام بتشخيص أدوار الفيلم الرئيسية مجموعة من الممثلين المغاربة والإسبان، فمن الجانب المغربي نجد يسرى طارق مُجسِّدة دور “تودة” الشخصية المحورية في الفيلم ومعها كل من عبد الله شاكري في دور الزوج المريض بسبب الغازات السامة وعبد اللطيف شوقي في دور أخ الزوج، ومحمد الشوبي مشخصا شيخ الزاوية ورفيق بوبكر في دور مُريده بالاشتراك مع الممثلة الجزائرية بهية الراشدي في دور أم الزوج المتسلطة ، وفي الجانب الإسباني نجد كلا من أوليفيا متشادو فيرجينيا، أونييفا إيرنانديس خورخي، فيرنانديس دي إيكيبي لويس ماريا، غافيرا نفارو مانويل.
وقام بالإدارة الفنية الناقد السينمائي والفني إدريس القري، فيما صور الفيلم مدير التصوير الفرنسي جورجي غيوم ووضع الموسيقى التصويرية محمد أسامة.
والفيلم مقتبس عن رواية منشورة لمحمد اليونسي نفسه صدرت العام الفائت.
وقد تم بناء ديكورات خاصة بنواحي مدينة طنجة حيث تم تصوير أحداث الفيلم، تُناسب الفترة التاريخية التي يتناولها الشريط، هذه الديكورات التي أعطت للفيلم مصداقية فنية تجعله من بين الأفلام المغربية القليلة التي استطاع مخرجوها تناول فترات من تاريخ المغرب بنوع من الصدق الفني وبإعطاء الموضوع المتناول حقه وقيمته. إضافة للمجاميع أو الكومبارس الذين جعل وجودهم الفيلم يحقق هذه المصداقية.
وإذا كانت قضية الغازات السامة مازالت حاضرة في اللاوعي الجمعي للمغاربة عموما وسكان الريف خصوصا فإن فيلما كـ “دقات القدر” سيعمل على خلخلة القضية والنبش فيها وعودة النقاش حولها، خصوصا أن أصواتا مغربية تنادي باستمرار بضرورة اعتراف السلطات الإسبانية بالأضرار التي خلفتها وما زالت هذه الغازات وضرورة الاعتذار الرسمي من طرف الدولة الإسبانية لسكان الريف الذين عاصروا هذه الأحداث على ماسببته لهم من أمراض سرطانية مازلت تفتك بمن مازال منهم على قيد الحياة.
سينفيليا