أُسدل الستار على الدورة التاسعة لملتقى سينما المجتمع، ببئر مزوي إقليم خريبكة، التي نظمتها جمعية الشروق بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال المجيد، بتتويج الفيلم السوري “نوبة قلبية” لمخرجه عمرو علي بالجائزة الكبرى جائزة (العين).
ويُعالج الفيلم، باحترافية عالية، قصة سيدة مسنّة تعيش وحيدة، كانت تنتظر زيارة ابنها وعائلته صباح يوم العيد، إلا أنّ الأمور تأخذ منحى آخر حين يكتفي ابنها، ببعث سلام سريع من الزقاق، ما يتسبب لها في صدمة تنتهي بإصابتها بأزمة قلبية.
وعادت جائزة السيناريو إلى فيلم “صحوة ما بعد الضوء” لمخرجه نصر الدين الهوفي، وهو عمل يتناول ملحمة خيالية في عالم ما بعد الحرب، حيث سحق البشرُ والآلاتُ بعضَهم بعضاً، قبل أن ينهض روبوت فريد من نوعه ليكتشف الحقيقة المروعة: الخطر الأكبر ليس الحرب ذاتها، بل ما يليها من تداعيات.
أما جائزة الإخراج وجائزة الجمهور فكانت من نصيب فيلم “بيت النار” لمخرجه نبيل جوهر، ويحكي معاناة طفل يعيش في عالم مشحون بالخوف والارتباك والضغوط النفسية، تتفاقم معاناته داخل البيت بسبب قسوة الأم والأب، فيفشل في مختلف مهامه، ويشتد صراعه مع الوهم الذي يسكن داخله.
ونوهت لجنة التحكيم، التي ضمّت الناقد والصحافي السينمائي أحمد سيجماسي، والفنان والممثل عبد الرزاق ولد عامر، بالمجهودات المبذولة في الأفلام الأربعة الأخرى من أصل سبعة المشاركة في المسابقة، وهي “أنت هوسي” لمراد بتيل، “جدار أبيض” لسماح بديعة سنوي، و”الحل الأخير” لأسامة اشطيبة، ثم “الزائر” لهشام أتوليك.
وشهد حفل الاختتام تكريم كل من السيد عبد اللطيف ضعوفي، رئيس الجماعة الترابية بئر مزوي، إضافة إلى الفارس عبد الغني بن خدة الذي توّجت سربته، الممثلة لجهة بني ملال ـ خنيفرة، بالجائزة الكبرى لصاحب الجلالة الملك محمد السادس للتبوريدة، ضمن فعاليات الدورة السادسة عشرة لمعرض الفرس بالجديدة.
واختُتِمت الفعاليات بتوزيع عدد من التذكارات والشواهد التقديرية على المشاركين في مختلف فقرات الدورة، إضافة إلى كلمة لرئيس جمعية الشروق، الذي أثنى على المشاركين والمتوجين، وعلى مختلف الشركاء الذين ساهموا في إنجاح هذه الدورة، وخاصة، جماعة بئر مزوي، المركز السينمائي المغربي، المجمع الشريف للفوسفاط (اكت فور كومينوتي)، المديرية الإقليمية للثقافة، فضاء الذاكرة للمقاومة والتحرير بوادي زم، مجموعة مدارس بئر مزوي، وإدارة المعهد التقني الفلاحي.
كما نوه بجهود السلطات المحلية ووسائل الإعلام في مواكبة الحدث، وبسائر الفعاليات الثقافية والفنية بإقليم خريبكة، إيماناً بأن السينما والفنون قادرة على تعزيز روح الحوار والتواصل، ودعم المواهب الشابة والمساهمة في التنمية المحلية.
كما كان للمشاركين في فعاليات ملتقى سينما المجتمع ببئر مزوي ـ إقليم خريبكة، يوم الجمعة 14 نونبر 2025، لقاءً مفتوحاً (ماستر كلاس) مع الناقد والصحافي السينمائي أحمد سيجلماسي، ضمن احتفاليات الملتقى المنظمة من طرف جمعية الشروق بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال.
وقد خُصّص هذا اللقاء، الذي قدّمه وأداره الفنان والأستاذ عبد الإله الخطابي، لتقديم وتوقيع الكتاب الجديد لسيجلماسي بعنوان: “الفيلموغرافيا السينمائية المغربية.. الأفلام الطويلة من 1955 إلى 2024”. فالسيجلماسي يضيء سبعين عاماً من السينما المغربية في ملتقى بئر مزوي، وشكّل الحدث مناسبة ثمينة لتسليط الضوء على محتوى هذا العمل المرجعي وما يختزنه من معطيات دقيقة حول الإنتاجات السينمائية المغربية الممتدة على سبعين سنة، منذ فجر الاستقلال إلى نهاية السنة الفارطة.
وأكد الخطابي في مداخلته الأهمية الكبيرة لهذا الإصدار التوثيقي، معتبراً إياه إضافة نوعية للمكتبة السينمائية الوطنية ومرجعاً لا غنى عنه للطلبة والباحثين، بالنظر إلى دقته وغناه وإحاطته بمسار تطور السينما المغربية عبر العقود.
من جانبه، أبرز المؤلف التطور اللافت للسينما المغربية من عقد إلى آخر، متوقفاً عند تنامي حجم الإنتاج وتنوع موضوعاته، ومشيراً إلى الإمكانات الكبيرة التي يتوفر عليها المغرب لتطوير صناعة سينمائية قادرة على تحقيق جودة أعلى وانتظام في الإنتاج. كما دعا إلى إرساء دعائم صناعة متكاملة تضمن توزيعاً وتسويقاً فعالاً للأفلام داخل وخارج المغرب، على غرار التجارب العربية والعالمية الرائدة.
ولم يفت سيجلماسي التأكيد على إسهامات عدد من المخرجين الذين بصموا تاريخ السينما الوطنية خلال العقود الماضية، من بينهم: حسن بنجلون، نبيل لحلو، نبيل عيوش، حكيم النوري، مصطفى درقاوي، وغيرهم ممن كان لهم أثر واضح في صياغة الهوية السينمائية المغربية.
واختُتم اللقاء بتجديد الدعوة إلى تنظيم مبادرات مماثلة في المناطق البعيدة عن المراكز الحضرية الكبرى، لما تتيحه من قرب وحميمية وتمكين للجمهور المحلي من التفاعل مع الفعل الثقافي السينمائي. كما شدد سيجلماسي على ضرورة دعم الكتّاب والباحثين تقديراً لأدوارهم التربوية والثقافية والإشعاعية.
وقد توّجت الجلسة بنقاش مفتوح مع الحضور داخل فضاء المعهد التقني الفلاحي، قبل أن تُختتم بتوقيع نسخ من الكتاب في أجواء ودّية طبعتها روح التقاسم وشغف السينما. وعبّر الحاضرون في ختام اللقاء عن تقديرهم لهذا العمل التوثيقي القيّم، لما يوفره من معلومات رصينة تُغني معرفة القارئ بتاريخ السينما المغربية وتحولاتها.
خريبكة: سعيد العيدي




