الرئيسيةمتابعات سينمائيةرحيل لطفي لبيب عن 77 عامًا.. مسيرة فنية مبهرة ومواقف وطنية مشرفة

رحيل لطفي لبيب عن 77 عامًا.. مسيرة فنية مبهرة ومواقف وطنية مشرفة

الفنان لطفي لبيب

في 30 يوليو 2025، أسدل الستار على حياة فنية وإنسانية نادرة؛ رحل الفنان المصري لطفي لبيب عن عمر ناهز 77 عامًا، بعد معاناة قصيرة مع المرض، لكنه ترك إرثًا من المحبة والاحترام وذاكرة فنية لا تُنسى. لم يكن مجرد فنان أدى أدوارًا مساندة، بل شخصية قادرة على خطف قلوب الجمهور كلما ظهر، بهدوئه، وكلماته المنتقاة، وأدائه الذي يشبه الماء: بسيط في مظهره، عميق في أثره.

لحظات الرحيل.. حنجرة تنزف وصمت يُرعب

بدأت معاناة لطفي لبيب الصحية قبل أسابيع من وفاته، حين اشتدت عليه آلام الحنجرة والرئة، وتم نقله إلى المستشفى في حالة حرجة. دخل في غيبوبة بسبب نزيف حاد في الحنجرة والتهاب رئوي، وأُعلن عن وفاته رسميًا صباح الأربعاء 30 يوليو، بعد فشل كل المحاولات الطبية في إنقاذه.

رغم الألم، لم يغادر الراحل روحه الراضية؛ ففي آخر تسجيل صوتي له أرسله لأصدقائه ومحبيه، قال فيه كلماته الأخيرة:

“الحمد لله.. ما تقلقوش عليا، أنا بخير وراضي بكل اللي ربنا عايزه.”

تسجيل ترك أثرًا بالغًا في قلوب الجميع، ليس فقط لما يحمله من طمأنة، بل لما يعكسه من إيمان نادر وسكينة داخلية.

من بني سويف إلى قلوب المصريين

وُلد لطفي لبيب في 18 أغسطس 1947 بمدينة ببا في محافظة بني سويف، لأسرة قبطية متوسطة الحال. تخرج من كلية الآداب قسم فلسفة، ثم التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وبدأ رحلته مع التمثيل عام 1970.

لكن مسيرته الفنية تعطلت لست سنوات حين التحق بالقوات المسلحة، وشارك في حرب أكتوبر المجيدة. لطالما تفاخر بهذه التجربة، بل كتب عنها في مذكراته التي لم تر النور بعد، تحت عنوان “الكتيبة 26″، مشيرًا إلى أن التجربة العسكرية شكّلت وجدانه ووعيه قبل أن يشكّل الشاشة.

الموهبة المؤجلة تنفجر بعد الأربعين

رغم انخراطه المبكر في الفن، لم يحقق لطفي لبيب الشهرة حتى أواخر الثمانينيات، عندما بدأ ظهوره المتكرر في أعمال بارزة على خشبة المسرح وشاشات السينما والتلفزيون. لكنه لم يتأخر في تعويض الوقت الضائع؛ فقدّم خلال 35 عامًا أكثر من 400 عمل فني، تنوعت بين الكوميديا والتراجيديا، السينما والمسرح، التلفزيون والإذاعة.

كان فنانًا شاملاً بحق، مثقفًا، قارئًا نهمًا، متأملاً في الشخصيات التي يؤديها، فيجعل من الدور الصغير بطولة مستقلة، ويحوّل الكلمة العادية إلى لحظة لا تُنسى.

صانع البهجة.. دون ضجيج

عرفه الجمهور كممثل “مساعد”، لكنه في الواقع كان “بطلًا جوهريًا”؛ الكوميدي الهادئ الذي لا يحتاج إلى صراخ لانتزاع الضحكة، بل يزرع البهجة عبر النظرة والإشارة والصمت المدروس.

من بين أشهر أدواره:

  • السفارة في العمارة: جسّد فيه السفير الإسرائيلي، ورفض لاحقًا التكريم من السفارة الحقيقية احترامًا للقضية الفلسطينية.

  • عسل إسود بدور “راضي” الصديق المتفهم.

  • مرجان أحمد مرجان، كده رضا، طباخ الرئيس، مولانا، النوم في العسل، كلها أعمال جعلت منه ضيفًا محبوبًا دائمًا.

  • في الدراما: شارك في رأفت الهجان، زيزينيا، الكبير أوي، أبو ضحكة جنان، ضمير أبلة حكمت، الملك فاروق.

وعلى المسرح، أبدع في “المغنية الصلعاء”، و”الرهائن”، و”ليلة من ألف ليلة”، وكانت له تجارب في كتابة المسرح أيضًا.

رفيق الكبار والصغار

عمل لطفي لبيب مع معظم نجوم مصر الكبار، من عادل إمام إلى أحمد حلمي، من يحيى الفخراني إلى محمد هنيدي، ومن يسرا إلى دنيا سمير غانم. لم يكن مجرد ممثل إلى جوارهم، بل حاملًا لمفاتيح النجاح في كثير من الأحيان، يسند المشهد ويمنحه الاتزان.

وفي نفس الوقت، كان داعمًا لجيل الشباب، يشجعهم ويمنحهم من تجربته دون وصاية أو غرور.

النجم الذي عاش كراهب

رغم شهرته، عاش لطفي لبيب حياة بسيطة، دون صخب أو فضائح. لم تُعرف عنه أي مشكلات شخصية، ولم يظهر في برامج الإثارة أو سجالات السوشيال ميديا. كان بيته معبده، وعائلته ملاذه، وأصدقاؤه رصيده الأغلى.

رفض الكثير من التكريمات لأسباب مبدئية. من بينها تكريم السفارة الإسرائيلية بعد “السفارة في العمارة”، قائلًا:

“أنا ممثل ولست سياسيًا، لكني مصري وفلسطين في قلبي.”

حين يعتذر الجسد عن الاستمرار

في السنوات الأخيرة، أُصيب لطفي لبيب بجلطة دماغية أثرت على حركة نصفه الأيمن، وأعلن اعتزاله التمثيل جزئيًا عام 2021، مكتفيًا بأدوار خفيفة في بعض المسلسلات، وكان دائمًا ما يردّد:

“الجسد لا يساعدني، لكن القلب ما زال يحب الفن.”

ومع كل تراجع صحي، كان جمهوره يدعو له، وكان هو يبتسم في صمت، شاكرًا ومحِبًّا.

تشييع الجثمان.. حب لا يُشترى

تقرر تشييع جثمانه من كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة، ظهر يوم الخميس 31 يوليو، بحضور كثيف من الفنانين، وأعضاء نقابة المهن التمثيلية، وجمهور جاء ليقول “شكرًا” أخيرة لرجل عاش كريمًا، ومات راضيًا.

من المقرر إقامة عزاء رسمي للفنان، فيما تتداول أسرته فكرة تحويل بيته أو مكتبه إلى متحف رمزي يخلد ذكراه، ويجمع صوره وسيناريوهاته ومذكراته.

ما بعد الرحيل.. ذكرى لا تموت

لم يكن لطفي لبيب مجرد فنان، بل حالة فنية وإنسانية متفردة. استطاع أن يترك أثرًا في كل بيت، عبر جملة عابرة، أو مشهد بسيط، أو ابتسامة دافئة. لم يكن بطلاً خارقًا، بل قريبًا من الناس، مَن يشبههم، ويُشبهونه.

ومع رحيله، لم يترك فراغًا فحسب، بل حنينًا لرُقيٍ افتقدناه، وإنسانيةٍ نفتقدها اليوم في كثير من الوجوه.

سينفيليا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *