يُعد مهرجان لوكارنو Locarno Film Festival الذي يُقام سنويًا في مدينة لوكارنو السويسرية منذ 1946، وجهة دولية بارزة لتكريم إنتاجات سينمائية متنوّعة تضم الأفلام الروائية الطويلة والتسجيلية والقصيرة والتجريبية. يُعرف المهرجان ببوابته المفتوحة على الجمهور في ساحة “Piazza Grande” التي تسع نحو 8000 متفرج، حيث يعرض تجارب فنية استثنائية، ويُكرّم الفائزين بجائزة النمر الذهبي (Golden Leopard) التي تُمنح لأفضل فيلم ضمن المسابقة الدولية.
في دورته الـ78 لعام 2025، أعلن منظمو المهرجان عن لجنة تحكيم المسابقة الدولية (Concorso Internazionale)، برئاسة المخرج الوثائقي الكمبودي Rithy Panh، الحائز على جوائز وجوائز ترشيحية عدة، مما يعكس توجهًا لتكريم الأصوات العالمية التي تتناول قضايا التوثيق والتاريخ الإنساني . تضم اللجنة إلى جانبه شخصيات بارزة مثل Carlos Reygadas المخرج والمصور المكسيكي المعروف بأعماله الفنية والمغامرة السينمائية، وشخصية Joslyn Barnes، منتجة وكاتبة أفلام أمريكية شاركت في أعمال مثل Nickel Boys، تبرز بخلفيتها الإنتاجية القوية، إلى جانب الممثلة السويسرية Ursina Lardi والممثلة الهولندية Renée Soutendijk، في تشكيلة دولية مُتقنة.
اختيار Rithy Panh كرئيس للجنة التحكيم لم يأتِ اعتباطًا، فهو مخرج يوظّف الوثائقي لرصد الذاكرة، مثل فيلمه The Missing Picture، الذي يوثّق مأساة الخمير الحمر. وبالتالي، انتقاء لوحات فنية ضمن المسابقة يعكس بحثًا عميقًا عن أعمال تجمع بين القيمة التاريخية والابتكار السردي والبصمة الإنسانية.
يُضاف إلى هذه اللجنة تنوع ثقافي أكاديمي؛ Carlos Reygadas يُثري النقاش من زاوية تجربة الدراما الواقعية الطبيعية، في حين تُكمل Joslyn Barnes التّ fónd التشغيلي بقدرتها على استكشاف قصص اجتماعية وسياسية، مدعومة بمشاركتي Lardi وSoutendijk من خلفيات التمثيل الأوروبي، وهكذا تنسج اللجنة مزيجًا حيويًا للحكم الفني.
إلى جانب لجنة المسابقة الدولية، أعلن المهرجان عن لجنة تحكيم قسم “صنّاع الحاضر” (Cineasti del Presente)، وهي فئة تُعنى باكتشاف وتشجيع المواهب السينمائية الصاعدة من جميع أنحاء العالم. تضم اللجنة في عضويتها الممثلة الإندونيسية أسمارا أبيغيل، والقيّمة الفنية في متحف الفن الحديث بنيويورك (MoMA) لا فرانس هوي، إلى جانب الممثلة الهندية كاني كوسروتي. وتتمثل مهمة هذه اللجنة في تسليط الضوء على الأصوات الجديدة في السينما المعاصرة، من خلال تتبّع الأعمال التي تجمع بين الحس الإبداعي المبكر والنزعة التجريبية الجريئة.
وكذلك عُينت لجان أخرى تفتح الباب للفئات المختلفة: لجنة Pardi di Domani للأفلام القصيرة، لجنة First Feature لأفلام الروائيين الجدد، ولجنة Pardo Verde للأفلام البيئية. وتشمل الجوائز المستقلة لجان “Ecumenical Jury”، “FIPRESCI”، “Europa Cinemas Label” وغيرها، مؤلفة من نقاد ومستشارين في مجالات الصحافة والسينما والمؤسسات الثقافية.
كما أتى الإعلان متزامنًا مع تغيير تنظيمي داخلي في الإدارة، حيث يُواصل Giona A. Nazzaro المنصب الفني منذ 2021، بينما يرأس Maja Hoffmann المهرجان منذ 2023، في سياق دفعه متعدد الأبعاد يُركّز على القضايا الاجتماعية والبيئية إلى جانب الإبداع التقني واللغوي.
يُنظر إلى لجنة التحكيم هذه كخطوة استراتيجية نحو تعزيز التنوع الفني في المهرجان؛ إذ تمزج بين الأصوات من آسيا اللاتينية والغرب الأوروبي وامريكا الشمالية. كما تتيح منصة قوية للأفلام التي تتجه نحو التحدي والتفرد، بعيدًا عن السمعية التقنية المبسطة، لتكون مسرحًا للفكر والذاكرة والهوية.
في تقاطع الوثائقي والتجربة الروائية، يظهر أن التشكيلة الجديدة ربما تقدم منحى لجائزة Golden Leopard نحو دعم الأعمال الشاملة والإنسانية. مع امتلاك Jury توازنًا بين البُعد الإبداعي والهيئة العملية (الإنتاج والتمثيل)، تبدو النتيجة محصلة هادفة: أولًا فنيًا، ثانيًا مجتمعيًا، وثالثًا تسويقيًا في ترويج أفلام تثير النقاش لهذه الفئات وتفتح حوارًا بين صناع السينما وجمهورها.
سينفيليا