مهرجان فيدادوك في دورته الرابعة عشرة يكرم المخرج أحمد المعنوني ويعرض فيلمه الحال الذي عرض في مهرجان كان منذ أربعين سنة. وقد تولت المخرجة أسماء المدير، التي توجت في كان 2023 تقديم المعنوني. هكذا يتواصل عمل الآجيال من آجل سينما مغربية بأفق عالمي.
يعرض فيلم “الحال” 1981 استقبال الجماهير للمجموعة الغنائية المغربية الأسطورية “ناس الغيوان” التي أصخت السمع لنبض المجتمع وقامت بتحديث إيقاعاته وأبدعت في التعبير عن همومه… صور الفيلم سنة 1980 خلال سهرات المجموعة وجولاتها في المغرب وتونس وفرنسا. الفيلم مزيج من التوثيق والتخييل، آلاف المتفرجين يتفاعلون بحماس شديد مع أغاني المجموعة… يعيشون الحال transes أي الوجد بالمعنى الصوفي… الحال رقص وجذب لإخراج الساكن (الجن) من الأجساد كما كان يفعل عضو المجموعة عبد الرحمن باكو القادم من مدينة الصويرة. وهي مدينة معروفة بالحال كفن والجذبة والحضرة كطقس. مدينة تجمع الجذور الثقافية المغربية العربية الإسلامية اليهودية الإفريفية في شجرة واحدة تتفرع أغصانها.
في الحال رقص جماعي ملحمي يذيب الفرد ويجعل بطولة الفيلم جماعية. يرقص الشعب ويترنح على أغنية ذات كلمات غاضبة:
أهل الحَالْ يَا اهْلْ الحـَــــالْ
امتـــــى يصفـــــا الحـــــال؟
تزُولْ لْغْيُومْ عْلَ العـُـرْبـَـانْ
وتــتــفــاجــــى الأهـــــوال
لم يصْف حال العرب بعد ولم تنته الأهوال. والجديد أن ذلك الرقص يجري بالاستماع لأغاني متمردة تدين الوضع القائم مثل:
ما هموني غير الرجال إذا ضاعوا
ما هموني غير الصبيان إذا جاعوا
وأيضا:
عايشين عيشة الذبانة في البطانة (في الوبر).
تعكس موسيقى المجموعة تمازج تقاليد التصوف والموسيقى الأفريقية… كما تعكس تفتح المجتمع وانفتاح المجال العام للغة الجسد خلال الحفلات… يمثل نجاح الفيلم نموذجا للفنون التي تتحرر من اللغة لتعبر بالصورة والجسد والموسيقى… من فرط تأثير مجموعة ناس الغيوان ظهرت مجموعة “بنات الغيوان” النسائية الغنائية…
تأسست فرقة ناس الغيوان الموسيقية من طرف فنانين بدؤوا نشاطهم الفني في المسرح… فنانين ذووا ذوق وحساسية وموهبة غير مسبوقة. وقد ساعد ذلك المخرج أحمد المعنوني لأنه كان يدير ممثلين مدربين ولهم سوابق مسرحية في فيلم وثائقي… كانوا يؤدون أدوارهم الحقيقية في الحياة. فرقة فنانين ملتزمين في مغرب السبعينات في “الحي المحمدي”، حي ذي تاريخ وطني تقدمي متمرد في قلب الدار البيضاء… حي كانت فيه الثقافة هاجسا لدى الشبيبة.
صور المخرج الحي العشوائي من خلال صور بؤس تصاحبها موسيقى ثورية… ناوب المخرج اللقطات العامة لإعطاء صورة شاملة عن المكان ولقطات كبيرة لتقريب المتفرج من التفاصيل… في المونتاج وازى المخرج بين لقطات هيجان الجمهور وهيجان البحر من خلال تقابل منتج للمعنى… هيجانان لم تتمخض عنهما ثورة. المتوازيان خطان لا يلتقيان أبدا.
سكورسيزي ينقذ الفيلم من الاندثار
عُرض الفيلم في مهرجانات كثيرة وهو يؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ المغرب…. وقد كاد الفيلم يندثر ويتلاشى بصفة نهائية لولا تدخل مارتن سكورسيزي الذي رممه ليتم عرضه في مهرجان كان 2007.
شاهد مارتن سكورسيزي فيلم “الحال” في 1981 حين كان يمر من لحظة أزمة إبداعية كما صرّح. وقد رسخ الفيلم في ذاكرته إذ بعد ست وعشرين سنة عندما أسس سكورسيزي مؤسسة لترميم الافلام بدأ به لأنه ألهمه وحاكاه في فيلمه SHINE A LIGHT عن فرقة الرولينغ ستون 2008.
كان سكورسيزي يصور بعدة كاميرات ثابتة ومتحركة دفعة واحدة، أما المعنوني فقد صور بكاميرا واحدة، ولم تكن الفرقة الغنائية تعيد المشاهد فكيف يكون هناك مونتاج؟
كان المعنوني يجري بروفات للمشاهد قبل تصويرها. وهكذا يتخلص من الوقت الميت في البروفة لا في المونتاج.
محمد بنعزيز