من بين الأنشطة والفعاليات المهمة التي شهدتها أيام مهرجان “منصة الشارقة للأفلام” بالإمارات العربية المتحدة الذي سيسدل عليها الستار يوم غد بحفل الاختتام وتوزيع الجوائز، اللقاء الذي أتيح للحاضرين والمشاركين في المهرجان أن يلتقوا فيه اليوم الجمعة بالمخرج السوري الكبير محمد ملص.
وجوابا عن سؤال لمحاوره نزار أندري بدأ به اللقاء حول ماذا يصير مع ملص الآن في سوريا وفي السينما أجاب هذا الأخير أنه ليست هنالك تراجيديا ، وأن السينمائيين السورييين كانوا وحتى قبل أن يقع ماوقع ومنذ أكثر من أربعين سنة يسعون لتأسيس سينما سورية ذات طابع خاص وطيلة هذه المدة حاولوا أن يصنعوا سينما بروحهم وعلى عظامهم، ومنذ أن انقطع القطاع الخاص عن إنتاج الأفلام ظلت هنالك جهة واحدة هي الجهة الرسمية التي تتحكم في دواليب الإنتاج وتطالب فقط بنوعية معينة من الأفلام ، ولهذا لايجب الحديث يقول ملص عن السينما السورية بعد ماحدث، وبالتالي يضيف أنه يرفض الحديث الذي يقسم السينمائيين السوريين لسينمائيي الداخل وسينمائيي الخارج، وبما أنه يشاهد الأفلام التي ينتجها كلا الجانبين فهو يجد أن السينما الحقيقية قليلة فيهما معا ، وبالنسبة له فمنذ أربعين عاما والمخرجون يؤسسون لسينما سورية ذات هوية ، ويضيف أنه الآن لم يعد هنالك من يبحث عن السينما بل عمن هو مع ومن هو ضد.
وفي محاولة منه للمقاربة بين أحوال السينما السورية الآن وفي الماضي من خلال تجربته واطلاقا منها قال محمد ملص أن ما أخذه من تجربة موسكو موجود في أفلامه، وأن هذا العصر الذي نعيشه الآن مختلف ، ففي السبعينيات كانت هنالك تيارات سينمائية وكانت عملية إنتاج الأفلام تتم بشكل أفضل، وأنه مع الوقت اكتسب تجربة حياة عميقة وأنه لايكاد يصدق أنه قد أنجز ثمانية عشر فيلما، بل يخيل إليه أنه أنجز بضعة أفلام فقط، ويظن أنه لم يعد لديه الوقت الكافي لإنجاز أفلام أكثر ، وأنه لم يكن قرارا صمَّم عليه وخطط له أن ينجز فيما وراء فيلم، فقد كان فيلمه الأول عبارة عن بروفة بعد أن دُمِّرت مدينته القنيطرة والتي كان تدميرها وكأنه تدمير للذاكرة الجماعية ، وهكذا أخرج فيلما عنها وكتب رواية أيضا، ليأتي الأمر بعد ذلك بشكل عفوي ويكرس السنوات الطويلة التي تلت لهذه المدينة ، ليس بنوع من الحنين لكن لمعرفة لماذا دُمِّرت.
وفي حديثه عن الفيلم الوثائقي “فرات” الذي كان قد أنجزه حول الغناء الشعبي في منطقة الفرات، فقد قال أنه لايؤمن بالتصنيفات وأن هنالك سينما روائية وأخرى وثائقية، بل هناك سينما فقط، وهكذا فهو حينما أراد أن يصور صور وثائقي المؤلف، وأثناء التصوير إكتشف كثيرا من مشاكل الناس ومعاناتهم فغير وجهته في التصوير، وحينما شاهدت الجهة المنتجة الفيلم شعروا كمنتجين بغرابة كبيرة وهكذا منع الفيلم، وبعد خمسة عشر سنة بحث عن نيغاتيف الفيلم فاكتشف أن الفيلم مفقود، وأن الأصل لم يعد موجودا ولم يعد مُحتفظا الآن سوى بنسخة عبر “المافيولا”.
ومتحدث عن تجربته وتصوره لها استرسل محمد ملص أنه في تجرته العملية كان لديه هدف أساسي وهو البحث عن تصور بصري وعن لغة مختلفة، وقد كانت عملية شاقة لكن كان لديه الوقت الكافي لها كما قال، ففي فيلم “الليل” سأل نفسه كيف سيكون له الحق أن يروي ما لم يشاهده ، بحيث كانت والدته تحكي له ما حدث في القنيطرة قبل ولادته وعن أبيه المتوفي، وهكذا وقد صور في فيلم “الليل” صورة للأب المفقود وليس الأب البيولوجي فقط بل الرمزي، فإذا كان موت أبيه حدث حقيقة مع أو انقلاب عسكري سنة 1949 فهو قد نقله إلى زمن دخول الإسرائليين إلى القنيطرة وبذلك أمكنه أن يحكي سياقا دراميا مُشتهى دون أن تفقد الحكاية دراميتها ولاقيمتها الفنية، وهو يسمي ذلك بالذاكرة المشتهاة دون أن يكون راغبا في التأسيس لنظريات والتي ينفي طموحه لفعلها.
عبد الكريم واكريم-الشارقة