عرض يوم أمس كآخر عروض الدورة الثالثة لمهرجان الجونة السينمائي فيلم “ألم ومجد” لبيدو ألمودوفار.
يمكن لنا الجزم وبدون مبالغة تذكر أن “ألم ومجد” يعد الفيلم الأكثر حميمية للمخرج الإسباني الشهير، إذ نتابع فيه معاناة المخرج السينمائي سلفادور مالو الذي لا نجد كبير عناء لنرى فيه ألمودوفار نفسه، هذا المخرج الذي تنهشه الأمراض ووهن منه الجسد ودخل في حالة إدمان على الهيروين واضطر للتوقف عن الكتابة والإخراج السينمائي لمدة ويعاني إضافة لكل هذا أزمات نفسية.
في هذا الفيلم الجد حميمي يدخل ألمودوفار في حالة مكاشفة ومصارحة ونقد ذاتي مع نفسه ومع جمهوره، إذ يُصرُّ على عرض سلبيات حياة المخرج ومن خلالها سلبيات حياته وتعثراته في الحياة وفي الفن.
طيلة لحظات الفيلم يعود المخرج سلفادور مالو إلى فترة طفولته مركزا على علاقته بأمه، هذه الأم التي سنشاهدها أيضا في فترات متقدمة من حياة المخرج حين تشيخ وتقترب وفاتها، ويُصِرُّ ألمودوفار على هذه العلاقة الحميمة التي كانت تربطه بأمه، هي التي كانت ترفض وهي على قيد الحياة أن يُوظِّف شخصيتها وما تحكيه له في أفلامه.
في “ألم ومجد” يبدو الصدق والمكاشفة للنفس وللآخر حاضرين بكل قوة وبشكل فني ناضج، هنا نجد خرجا كبيرا وكأنه يكتب وصيته الأخيرة بشكل سينمائي وعلى الشاشة، فيلم به شجن دفين وحزن شفاف يبدو في عيون شخصية المخرج من خلال أنطونيو بانديراس الممثل وليس النجم، وفي لحظة صدق يقول المخرج لممثله “لا أحب الممثلين الذين يبكون، البكاء سهل لكن الممثل الحقيقي هو الذي نشاهد الدموع في عينيه وهو يحبسها أن تسقط”، وهذا ما نراه حقيقة أثناء أداء الممثل للمسرحية وفي عيون الصديق الذي يأتي ليشاهدها ليفاجئ بأنها تحكي مرحلة مهمة من علاقته بسلفادور مالو.
في أحد المشاهد الكوميدية في الفيلم يكشف ألمودوفار كيف خذل جمهورا كان ينتظره ليناقش معه فيلمه الكلاسيكي، وهو هنا وهو يسائل علاقته بالجمهور، يبدو وكانه غير عابئ برأي الجماهير ولا حتى بإقبالها، وكأنه وصل لمرحلة النضج والعبقرية التي لم تعد تحتاج اعتراف الغير ولا لرأيه.
عبد الكريم واكريم-الجونة