أن تكتب لغيرك حسب هواه أمر يحمل من المرارة الشيء الكثير ، أن تصير كاتبا تكتب تحت ظل أوامر الآخر شيء صعب الاحتمال ، أن تكتب حول مواضيع تملى عليك دون أن تأتي من منبع حاجاتك وإلهاماتك الشخصية أمر فيه من المشقة ما فيه . والكتابة وفق إملاءات الغير موضوع الفيلم المغربي “كاتب تحت الطلب” الذي عرضته التلفزة المغربية القناة الثانية “دوزيم”.
القصة
تتمحور أحداث الفيلم حول كاتب صحفي يجيد الكتابة ، ولحاجاته المادية عمل صحافيا لفائدة مدير جريدة ، وكان يكتب الافتتاحيات وغيرها موقعة باسم هذا المدير ،الذي حاول استغلاله وتوريطه في ديون كي يخضع لطلباته باستمرار ولكنه لم يفلح في ذلك.
البطل و الانخضاع التدريجي
يقدم الفيلم البطل شابا طموحا يعيش مع امرأته في جو حميمي فريد ، يحب الكتابة وهو يطمح في نشر أعماله في الرواية والمسرح في الوقت الذي عمل صدفة عند مدير جريدة ، وكان يكتب له الافتتاحيات وغيرها من الموضوعات التي تتماشى مع أهدافه في الانتخابات وغيرها مقابل أجرة غير محددة،ولأن كتاباته الصحفية جميلة الطرح والأسلوب فقد تراى لهذا المدير العمل باحتيال من أجل الحفاظ عليه مستخدما إلى أجل غير مسمى.ولتحقيق ذلك قام بأمور كثيرة بالتدريج كي يحكم قبضته عليه منها:
ـ توريطه في اشتراء حاسوب غال يسدد ثمنه بالتقسيط.
ـ توريطه في اشتراء شقة يدفع ثمنها بالتقسيط أيضا
ـ توريطه في استبدال أثاث منزله القديم بأثاث جديد والدفع بنفس الطريقة بموافقة زوجته .
أمور جعلت البطل مثقلا بالديون ليقع بين مشكلتين هما محاولة تحقيق بعض أحلامه ، وفي ذات الوقت كيفية التصرف من أجل تسديد هاته الديون.
وقد جرب مدير الجريدة نجاح إخضاعه له حين قرر السفر بعيدا كي يسند إليه مهمة تسيير أمور دواجنه ،فانخرط في ذلك ولبى رغبته قبل أن يعود من سفره.
المدير ورغباته المتعددة
يبدو أن المدير في الفيلم لا تنتهي رغباته الاستغلالية ، فقد تراءى له التقرب إلى امرأة الصحفي التي أعجب بها يوم زار منزله فانبهر بجمالها مما جعله يقوم بكثير من الأمور التي تمكنه من التقرب إليها (إدخالها إلى معهد الرقص ،إيصالها إلى منزلها بسيارته من حين إلى آخر، دعوته إياها لجلسة في مقهى…) وكان كل ذلك استدراجا لها من أجل الانقضاض عليها في منزله يحاول اغتصابها لكنها فرت منه ملتحقة بمنزلها.
وقد أخبرت زوجها بالواقع مما جعله يغادر فورا كي يواجه المدير مهددا إياه بإفشاء سر المقالات التي ينشرها باسمه وقد احتفظ بنسخها الأصلية. وعليه توقيع التزام دفع باقي الديون التي عليه مقابل التستر عليه ، وهو ما سيخضع لتنفيذه مادام يحاول الحفاظ على مركزه ومساعيه الانتخابية.
نقاط القوة في الفيلم
ـ موضوعه :يعد موضوع الفيلم موضوعا قليل التواجد في الأفلام العربية والغربية ، موضوع يحاول كشف التدليس الذي يلجأ إليه الكثيرون من أجل الاستفادة من عرق المبدعين من كتاب وغيرهم ، فيجعلون أنفسهم في الواجهة مستفيدين بلا جهد يذكر سوى الاحتيال والخدعة ويذكرنا بفيلم “ألون في المنفى ” حيث عانى الفنان من الفقر والعزلة إلى حد الجنون في الوقت الذي كانت صديقته التي ينتظر التزوج بها مستمتعة بلوحاته التي كانت تبيعها بأثمان رفيعة جدا وهي تدعي أن زوجها مات وترك لها تلك اللوحات .
وموضوع الفيلم من هذه الناحية موضوع نوعي جدير بالطرح التفاتا إلى معاناة الفنان واستفادة غيره على حسابه.
ـ الممثلون والفضاءات : الشخصيات الرئيسية وهي تتحرك في الفيلم تتحكم فيها مصالح وتحديات ورغبات لا يخلو تحقيقها من مخاطر سواء تعلق الأمر بالكاتب الصحفي وزوجته ، أو مشغله وامرأته .
لقد أحسن المخرج اختيار الممثلين كما أحسن في إدارتهم بشكل أحدث الاتزان على الفيلم ،وجعل الواقعية تعم الفيلم من البداية حتى النهاية ضمن فضاءات مناسبة تجعلك تعيش أجواء العمل الصحفي وما وراءه من مقاصد ومتاعب.
والفيلم في اعتقادنا ممتع مستحسن من كل الجوانب إضاءة وموسيقى تصويرية وتنويع اللقطات والمشاهد بشكل متناسق …
الرسالة في الفيلم
نعتقد بعدم فيلم ينجز بعيدا عن رسالة يريد إيصالها وكما قد تكون هذه الرسالة بناءة قد تكون هدامة ، والحال أن الرسالة التي يروم الفيلم معالجتها تتعلق بكون الإنسانية والقيم أغلى من كل شيء. فالكاتب الصحفي المحتاج إلى حاسوب ومال وشقة لم يمنعه ذلك من مغادرة مكتب المدير موبخا إياه مهدد له قبل أن يغادر ويصطحب امرأته وهما يحملان أمتعتهما القليلة يبحثون عن مكان آخر يشهد تحقيق أحلامهم شيئا فشيئا.
يقدم الفيلم موضوعه بحبكة رصينة ومتينة تجعلك في قالب الأحداث دون الشعور بالضياع في محاولة القبض على اتجاه الخط السردي ضمن مشاهد تغلب عليها الواقعية ضمن صراع للمواقف وسعيا نحو تحقيق الأغراض الشخصية بين من يلجأ في ذلك إلى الانتهازية و والاحتيال ، وبين من يحاول تحقيق ذلك بعرق جبينه وبوتيرة تفرضها عليه حالته المادية. وهو ما يقدم صراعات متفاوتة تحتد وتخف لتحقيق الإثارة الماتعة ،وهي العنصر الإبداعي المنشود في الأعمال الدرامية بلا استثناء .
لحسن ملواني
ـــــــــــــــــــــــ
هامش :
“كاتب تحت الطلب “فيلم من إخراج المخرج المغربي لطيف لحلو ،مدته ساعة ونصف ،بطولة سعيد باي وأسماء الخمليشي ومهدي الوزاني