ببهو فضاء متخم بعطر الأصيل والعريق والجميل، بفاس المدينة، وبالبطحاء المكان الرمز، أتيحت لي فرصة الاستمتاع، رفقة ثلة من المثقفين الملهمين ، احتساء سكرات الحياة “حياة عنوان الفيلم ” على نخب هزائم من دبروا مكائد الاغتيال الثقافي للمدينة، حيث تطل فاس البهية بمبدعيها وبأنفة مدينة السلاطين على الفضاء الأرحب والأجمل لتقليب مواجع الأسئلة الأكثر حرقة وإلهابا، حين تستعيد المدينة لقبها الثقافي عبر احتضان السؤال الفائر في وجداننا الجمعي، بالسفر عبر متعة بصرية بكاميرا جالت بنا بين مواجع أسئلة الهوية في انتماءاتها وانثناءاتها، بحثا عن استلهام نموذج وئام قيمي وطني تتصالح فيه الأفكار والأجساد فيلم “حياة” للمخرج رؤوف الصباحي ابن الصحافي والإعلامي المحبوب لدى الجميع رشيد الصباحي، والصحفية والإعلامية القديرة الراحلة حياة بلعولا، أعادني للحياة السينمائية بعد مدة تفوق عشرين سنة عن هجر الكتابة السينمائية لأجد نفسي اليوم في مواجهة نفس السؤال الذي طرحته عندما نشرت قراءة مطولة لفيلم “ابن السبيل لعبد الرحمان التازي” حيث ما يزال المخرج المغربي يصر على إثارة كل أفكاره في فيلمه الأول مخافة ألا يكون له فيلم ثان وثالث… بسبب عدم وجود مدعم يثق في قدراته رغم أن المخرج يمتلك كل مؤهلات المخرج الواعد وجوائز فيلمه تغني عن الإطراء في حقه.
أثرت أن تكون قراءتي للفيلم على مستويين، واحدة في إبداعية الفيلم والثانية أنتروبولوجية على مستوى أعمق تغوص في التعابير الجسدية والرموز والطقوس.
I- قراءة في إبداعية الفيلم
يستدعي فيلم حياة للصباحي، فيلم ابن السبيل بقوة عبر اعتماد حافز السفر للربط بين قضايا كثيرة ما استلزم ادخار على مستوى حركات الممثلين عند أدائهم لأدوارهم . فمثلا إدريس الروخ في إقناع الشيخ السلفي بقبول الكشف عن جسد امراته للطبيب ما كان ليتم بتلك السرعة بالنسبة لرجل يقدم على أنه متعصب عقائديا وكذلك الممثلة الراغبة في الزواج بالأجنبي،لم تمنح لها الفرصة للتعريف بعلاقتها ولا إقناع أبيها، ولعل تدبير الأمر بالهروب جاء لضرورة تقنية، كما أننا كمشاهدين أحسسنا أن سعة ذاكرتنا Memory span لم تتسع لكثير من الأفكار واللقطات السينمائية الهامة كنا نتمنى الوقوف عليها.
كما أن اعتماد المخرج على اللقطة ذات المقاس الأمريكي plan américain كان اختيارا لتسهيل الفهم عبر إبراز ملامح الوجه وقصات الشعر كمفاتيح مقتضبة دالة على الانتماءات الثقافية والعقائدية للممثلين، فيما تم ادخار في الجانب التمثيلي عند الممثلين والاكتفاء بأدوار ذات نفس قصير.
كما أعتقد أن رسم شخصية الرجل السلفي التي أداها اخميسبكل تلك العبوسة وقساوة الشخصية قربتنا كثيرا من شخصية الكافر التي كانت ترسمها لنا السينما التكفيرية وكان الأجدر استيعابهفي الحوار وتثيبت لحية مخضبة بالحناء ما دام يحيل إلى التيار السلفي وسنرى رمزية الحناء باللحية عند المرور إلى القراءة الانتروبولوجية. وهذه الملاحظات لا تنقص من قيمة العمل الفنية حيث جاء الفيلم مليء بالإثارة والمتعة السنيمائية، ويخلو من أية لحظة ملل، حيث كانت الكاميرا تقفز وتركض كغزالة، بسرعة لكن بوادعة فنية وذكاء جمالي، كما لو أنها تبحث عن الجسد المثالي الذي تتصالح فيه الأفكار والأجساد، حيث أن الفيلم يحكي عن قلق الأجساد فيما بينها وبين الأفكار والمعتقدات التي تحملها. كما أن الكاميرا قد تكون تتابع الطفل الذي ظل طيلة مدة الفيلم يركض وراء كرة، قد تكون اشترتها لرؤوف أمه، وهو يسابق الزمن ليدركها ويشكرها ويقبل رأسها وهي كرست صلواتها للدعاء له بأن يكون ملهما طموحا متسامحا وخصوصا رؤوفا كما أرادته أمه. بحث عنها بين جموع الأجساد وركام الأسئلة كما يبحث عن هوية وطن يستع لأحلامه وطموحاته لكنها ترجلت دون أن تنتظر القبلة الدافئة – الفيلم إلى ملاذ خارج الزمان والمكان ليعود مكلوما متألما باكيا، وهديته لأمه -فيلمه- ما تزال بيده ليصل إلينا بدار البطحاء وبقية الدموع تغالبه دافئة، صادقة، بريئة قدرها الحضور وتفاعل معها وأحب الصدق في فنه وفي وفائه لوالدته دخل وكانه يسأل بين الحضور عن امرأةتشبه أمه التي كرمها بتسمية مولوده الأول. فيلمه الأول- “حياة”، كما كان الآباء الأولون يكرمون الأجداد والأولياء الصالحين حيث كان للاسم رمزية التعويض والتقرب والإكرام والتماهي بالمثل العليا في السلوك والعقيدة والتضحية، طوبى لها لأنها عندما انقطعت أعمالها تركت ولدا يبدع لها يدعو لها بمنتهى الصدق والإحساس والعمق الإنساني والفني.
II-المقاربة الأنتروبولوجية للكرة أو لماذا تشتري الأم لولدها كرة – كما في الفيلم للطفل البسطاوي.
هل الكرة لعبة وولع حديث جاءنا بعد الاتصال مع الغرب الجواب نعم ولا.
1- الرمزية الانترولوجية للكرة أو للأشكال الكروية في الطقس والمخيالالجمعي المغربي
الكرة في الطقس المغربي ليست لعبة مطلقا، بل إنها شكلا تعبيريا رمزيا يحاكي جزء حيويا في جسم الإنسان في الصورة والوظيفة الغريزية وله مكان مركزي وحاسم في نيل الحقوق أو الاقصاء منها، تبعا لرمزيته الذكورية أم الأنثوية. في كل الأضرحة المغربية توجد كرات بعضها من حديد، خشنة، صلبة، غير قابلة للاختراق أو التكسير، قابلة للتدرج والمقاومة في كل الظروف والأحوال تشبه جزءا حيويا وحساسا وخصبا في جسم الرجل، وكرة ثانية زجاجية، شفافة، نظيفة، صافية، قابلة للاختراق والتكسير تتطلب حماية وحرص، وحراسة شديدة تشبه رحم المرأة الابقاء عليها صافية يعلي من قيمة المرأة وتصوير المجتمع الذكوري لها كزجاجةومرآة عاكسة لصورة الرجل جاء لتبرير الاشتراك في مليكة جسد المرأة ولتبرير هيمنته عليها. لأنها تحمل صورته في رحمها – شرفه واستمراريته. كانت النساء المغربيات تمررها على أجسادهن ابتغاء الزواج أو الإنجاب. الشكل الكروي متواتر في التداول الرمزي كذلك في شكل البيض التي يرمز إلى أصل الحياة والخصب وعندما تقترن بالحناء ترمز إلى الزواج. حيث إن الحناء ترمز إلى الدم لهذا تستعمل في الأعراس، ويخضب بها الشيوخ لحياهم تعبيرا عن تقديس الدم الرابطة الدموية والغيرة عليها، واكتشاف الحناء جاء كبديل رمزي خفف من تضحيات الإنسان والحيوان، كما هو الأمر في أوروبا حيث الخمر والورود حلت محل الدم وتلجأ كثير من النساء إلى الفقهاء التقليدين ليكتبون لهن بعض كلمات الفال إما بالحناء أو الصمق على البيض أو الصحون المقعرة (الزلافة) الممتلئة بالحناء.
2- الرمزية الرياضية والذكورية والدموية للكرة الحديثة
يمكن اعتبار الكرة (الرياضة) امتدادا للكرة الحديدية الآتية من الضريح، فهي قابلة للتدرج والمقاومة ويمارسها الذكور وينسبونها إليهم ويكون المطلوب من كل رجل ادخال كرته في ثقب في جل الرياضات (كرة القدم –غولف – سلة – شيرا (اللعبة المغربية القديمة) وترمز الكرة المتحركة إلى حرية الرجل الذي يمنحه المجتمع الذكوري حق الحركة والمبادرة في كل شيء بينما ترمز الشبكة الثابتة إلى المرأة المحاصرة والمقيدة الحركة او المبادرة حيث يدور الصراع بين الذكور من أجل إثبات الرجولة والوصول الى المرأة بإدخال الكرة في شبكة الجماعة المعادية ومنع الجماعة الأخرىمن الوصول الى شبكتها حماية للشرف وغيرة عن العرض.
وتحفل لغة الكرة وحركاتها الجسدية بإيحاءات جنسية كتمرير الكرة بين الفخذين (تبيض من البيض) – القذف – الشباك العذراء – انقاد الشرف بالإضافة إلى التهييج الذي تمارسه على الأجساد وهي تقفر من أعلى المدرجات أو كراسي المقاهي عندما يتبادل اللاعبون صد الكرة وقدفها أمام المرمى. وتكسير الكراسي يكون دفاعا عن الشرف خصوصا إذا كانت الهزيمة في عقر الدار أمام الأهل.
ويتوج انتصار الفريق بتفجير الدم الذي يرمز له بالقنينة الممتلئة بالخمر ببعض الرياضات أوالكاس الرمزية الفارغة في جلها، كما يكافئ اللاعبون بأشكال ذاتإيحاءات أنثوية مدورة، ميداليات يمكن مقارنتها بتوزيع فاكهة التين في الطقوس المغربية حيث أن التين لا يكون مباركا إلاإذا أخذ شكلا على نحو مدور (الشريحة) ويفقد أهمية الرمزية إذا أعطي في شكله الطبيعي، وحتى الشعار الأولبي فهو يأخذ شكل الدوائر ترمز الى شكل المكافأة الأنثوي.
لماذا القراءة الأنثروبولوجية؟
القراءة الأنثروبولوجية تمتلك شرعية الانتماء إلى المستقبل لأننا متأخرين في اكتشاف قواعد اشتغال التعبير الجسدي والرمزي العميق والمركز والكثيف، ويمكن للجسد في لحظة قصيرة إنهاء كل سلطة للغة المنطوقة على سلوك الإنسان (مثلا عندما ينشب عراك بين أشخاص ويطول، بحركة بسيطة وعميقة وكثيفة من الجسد تنتهي المعركة بتقبيل رأس الخصم.
لذلك يمكن اختصار شخصيات الفيلم في رمزية الكرتين المذكورتين المشحونتين بتكثيف دلالي ورمزي عميق.
1- الكرة الحديدية
اختص بها الذكور تعكس أيديولوجياتهم في الهيمنة وهي صلبة وقوية خصوصا من يمتلك كرات من نحاس (كما تقول العامة) لا يخشى عليها من الانكسار أو الاختراق أو الموت من صلابتها تبرر ترجيح رأيها وشرعيتها لامتلاك الأشياء والتحكم فيها باحتكارها وتوزيعها أو حمايتها وهي تخص نفسها بحق المبادرة وحرية التحرك، إذ لا خوف عليها من الانكسار أو الاختراق وهي أنانية جاحدة لا تنعكس فيها صورة المرأة بخلاف الكرة الزجاجية. لذلك لا تمتلك فيها المرأة حقوقا وإذا حدث ذلك في قوانين المجتمع الأبوي الذكوري يكون ذلك انتقاصا من صورته وقوته ورجولته (ادخال هشاشة المرأة إلى جسده) رغم التفاعل الطبيعي والثقافي والبيولوجي بين المرأة والرجل المجسد في تأمين الاستمرارية والقوة باستخلاف الأولاد) حيث المجتمع الذكوري لا يقدر ذلك رغم أهميته. حيثإن امتلاك هذه الكرة وليس المساهمة في الإنتاج هي ما تتأسس عليه قواعد الحكم وتوزيع الحقوق والمواريث والحريات والمبادرات.
2- الكرة الزجاجية
وهي الشكل والصورة التي أقرها المجتمع الأبوي الذكوري للمرأة وأقر لنفسه حق التحكم فيها لأنها زجاجية ويرى فيها صورته هو لأنها دمه وشرفه ورغبته الغريزية والتخصيبية، وعليها أن تكون من جملة ما يحق له التصرف فيها بحمايتها وحماية شرفها، لأنها ضعيفة بصورة الهشاشة الزجاجية التي فرضها عليها . وهي لذلك ممنوعة من الحركة أو المبادرة أو المغامرة إلا تحت حمايته وحراسته المشددة داخل السياج الذي رسمه لتحركاتها بالعنف الرمزي والبدني.
كل الممثلات في الفيلم يدخلن في هذا الشكل الزجاجي الكروي المنغلق داخل السياج الذكوري واحدة تتوسل إلى الأب للزواج من نصراني حيث الأب من يمتلك حق السماح باختلاط الدم من عدمه ولو أنه يقر لنفسه هذا الحق بالزواج بالكتابية أو الاعتراف بالأبوة الشرعية، والثانية تتوسل الشاب وتفشل في دخول عالمه الذكوري وحتى الشيخ السلفي والمناضل الحقوقي بحثا عن إجازة للكشف عن جسد المرأة للطبيب في إطار مرجعيتهالذكورية الأبوية.
كيف تبدو هيمنة الذكوري على مستوى الأشكال والرموز؟
– تأمل في شكل الميزان ذا الكفتين واستنتج ما شكل العضو الذي يحدد قيمة أو أوزان الأشياء ويقيم العدل في تداول القيم.
– تأمل في شكل مفاتيح الدور والسيارات والخزائن ما الشكل الذي يمتلك حق المبادرة والحركة وحل الأقفال هل الشكل الذكوري المتحرك أم الشكل المثبت الممنوع من الحركة القابع في الدار أو السيارة، لماذا عند فتح الأبواب يخرج الذكور المفاتيح من بعيد بينما النساء حتى يصلن الى الباب إذا لم تكن المرأة تحس بأن المفتاح لا يعد امتدادا لجسدها؟
– تأمل في عقارب الساعة من يضبط الوقت ويتحكم في وقت الدخول والخروج ويمتلك السلطة على الزمان والمكان. حيث في قراءة في إحدى القرى بسهل الغرب أحواز القنيطرة، لاحظت كيف كان يقطع رأس الدجاجة التي تقلد صوت الديك ويتشاءم منهاحيثأن الديك ذكر ويرمز إلى سيادة المجتمع الذكوري على الزمن، وذبح الدجاجة تهديد رمزي للأنثى بعدم التحكم في إيقاع الزمن وتعبيرا عن احتكار الذكور للسلطة على الزمن.
كما أنني من هذا المنبر قد أكون أول منيشكك في أن يكون الخوارزمي قد رسم الأرقام بناء على عدد الزوايا التي يتضمنها كل رقم وقد يكون الأمر تكييفاأوربيا لاحقا، وإلا لماذا لا يكسب الصفر قيمته – وهو يرمز إلى الأنثى – إلا بعد رقم صحيحالم يبني قاعدته على قواعد الفقه الإسلامي وذكورية المجتمع؟ حيث يرمز الصفر للخلق من عدم لماذا لا يلتحق الصفر بالرقم الصحيح إلا بعد رقم 9 الذي يعني سن الزواج في السنةأو مدة الحمل؟لماذا يقترن عدد عشرة وكلمة العشرة على المستوى الصوتي (الزواج) وكذلك العقد الذي يعني مدة عشرة سنوات؟
ألا تمتد رمزية الصفر إلى تفافتنا حتى اليوم، في قراءتي للخصومة والسباب الذي ينشب بين النساء من بين ما لاحظته –أن المرأة عندما تسب مخاصمتها وتريد إذلالها تنطلق من مقياس قيمي ينبني على جسد الرجل حيث ترفع أصبعها الشرفي الذي يرمز إلى الرجل فيإشارة لتفوقها عليها وعندما تريد الحط من قيمتها ترسم لها شكلا يرمز إلى جسد المرأة،حيث ترسم بكفها علامة صفر مع عبارة (هاما تساوي هامنينتخرجي)
وتمتد هذه الثقافة كذلك إلى لغتنا الجسدية الحديثة في الفيس بوك مثلا عندما نسجل الإعجاب نرفع الأصبع إلى الاعلى (يعني رجل ) أو ننزله إلى الأسفل يعني عديم الرجولة فيما الصفر يعني بقيمةالمرأة.
تأملوا كيف يجرد المجتمع الذكوري المرأة من حقها الطبيعي في أن ينسب إليها مولودها الذي هي من تمنحه الحياة. في بعض طقوس العقيقة التي قمت بقراءتها لفت انتباهي أن الجزار عندما يريد ذبح الخروف ينادي ما اسم أم المولود، وبمجرد ما يحصل عليه يذبح الخروف كإشارة لقطع العلاقة الطبيعية للمرأة بمولودها وربطه بعلاقة ثقافية مع الأب تستبعد منها المرأة، بينما ينسب المجرمون وأبناء الزنى والمغنون المحتقرون إلى المرأة، لأن المجتمع الأبوي الذكوري يرفض أن ينسب إليه الأشخاص المحتقرينفلان ابن فلانة، حسب دراسة نشرت لي سابقا.
رمزية الدم المتخفي في الفيلم وعلاقة رقصة الهيت بالتدشين وتفجير الدم.
يحضر الدم في الفيلم بشكل خفي وبقوة، وهنا تختلف القراءة التقليدية عن القراءة الأنتروبولوجية.
إن رفض الممثل لتزويج ابنته من أجنبي في الفيلم كان لحماية نقاء الدم، حيث إن البنت في ثقافة المجتمع الأبوي هي من يقع عليها عبئ إثبات شرفها ونقاء أصلها بالتعبير عن ذلك بشهر دمها أمام الجماعة، في إيزار أو سروال أبيض ناصع البياض غير قابل للتزوير، رافعا اللبس، حيث كان الشيوخ يتمسكون بلعب دور حماة نقاء الدم، يعبرون عن ذلك السلفيون بتخضيب لحياتهم بالحناء التي ترمز للدم.
وحتى استهجان الممثلة لرؤية البنتين وهما في عناق حميمي هو دفاع عن مجرى الدم، الذي ينبغي أن يبقى متدفقا بين الرجل والمرأة لضمان الاستمرارية.
في قراءتي لرقصة الهيت المنشور جزء منها، لاحظت أن المرأة كانت تملك تفويضا محدودا في الزمان والمكان والمناسبة، للرقص وسط الجماعة حاملة الإيزار والسروال الذي يحمل شرف عائلة العروس ورجولة عائلة العريس، وكانت تؤديه غالبا الأمهات. كما لاحظت أن هذا الطقس يتم على إيقاع مقص يضرب بقضيب من حديد (القضيب حديدي يتمتع بحرية الحركة ومقص يشير إلى رجلين يتحملان عنف الطقس ورمزيته) هذه الممارسة تمتد إلى طقوس التدشينات مقص يقطع حبل الولادة بحضور الأعيان. لاحظ كيف يعقب هذه الطقوس عمليات تسليم مفاتيح دور أو سيارات أومرافق عمومية… لاحظ الرمزية الذكورية في شكل المفتاح إنه نفس المفتاح الذي يحضر في الطقوس في المغرب، فعندما كانت النساء يغمى عليهن كان يلجأ إلى تحريك وإحداث أصوات بضرب المفاتيح بعضها ببعض لإيقاظهن، إيحاءات تشغيل السيارة والمرأة، وصورة المفتاح المتحرك مقابل القفل المحاصر في مكان ثابت، سيارة، دار، امرأة تغلق عليها الأبواب بالمفاتيح (المجتمع الأبوي)…
لاحظ كذلك كيف يتم تزيين سيارات العرسان بأشرطة التدشين.
هذا الدم المتخفي يرمز إليه بشكل آخر في السؤال عن هوية المجتمع في عصر الانفتاح على الآخر، هل مازالت هوية الوطن تقوم على الرابطة الدموية والعرقية بين أفراده (وطني دم في عروقي) أم أن هوية أخرى قيد التشكل (مثلا أصبح قرار اختيار هوية الدولة التي يمثلها الرياضيون مسألة شخصية، وكذلك الزواج بأجنبي خارجا عن العشيرةأوالدولة أوفصيلة الدم أوالهوية الدينية واللغوية والعرقية.
عبد الفتاح بجقار