قاربت السينما المغربية التاريخ ومواضيع تاريخية باحتشام وعبر مراحل متباعدة، وتفاوتت الأعمال السينمائية التاريخية المغربية في قيمتها الفنية، فمنها من نجح مخرجوها في التناول الفني لتيمته التاريخية وهناك أخرى لم تتوفر فيها حتى الشروط البسيطة للفيلم التاريخي الذي يتطلب إنتاجا مُكلِّفا يمكن أن يضع المشاهد في الحقبة التاريخية التي يتناولها الفيلم ويوهمه بصريا بمصداقية مايشاهده على الشاشة، إضافة لحضور رؤية فنية تعيد تقديم التاريخ من وجهات نظر مختلفة.
هذه السنة شهدت إنتاج فيلم روائي تاريخي مغربي واحد هو “دقات القدر” للمخرج محمد اليونسي الذي يعود مرة أخرى لموضوعه الأثير التاريخ بعد فيلمه “الوشاح الأحمر”. وهذه المرة يتناول اليونسي في فيلمه هذا ، الذي سيكون عرضه الأول ضمن فعاليات المهرجان الوطني للفيلم بطنجة بداية شهر مارس القادم المسابقة وضمن مسابقته الرسمية ، فترة معاناة منطقة الريف وسكانها مع الاستعمار الإسباني الذي ترك ندوبا في المنطقة وأهلها خصوصا فيما يخص الغازات السامة التي كان يقصف بها الريف آنذاك، وقد جعل اليونسي من هذه التيمة خلفية لينسج أحداثا يتقاطع فيها ماهو ذاتي وفردي بما هو جمعي.
لحدود الساعة تظل السينما المغربية مُقصِّرة نسبيا في تناول مواضيع تاريخية مازالت تُرخي تبعاتها بسدولها على حاضرنا، وليس كالسينما فن يمكن أن يساهم في إضاءة كثير من خباياها، ومن بينها قضية الغازات السامة التي مازالت تداعياتها تشكل معاناة لسكان الريف، ومن هنا تلك الأصوات التي تتعالى بين الفينة والأخرى مطالبة الحكومة الإسبانية بالاعتذار عما سببته لمغاربة الريف من أضرار ومن معاناة، وفيلم ك”دقات القدر” يساهم بقسط فني محترم في إماطة اللثام عن جزء من هذه المعاناة ويُحَيِّنُ الحديث عنها وعن تبعاتها.
ولم يكتفِ اليونسي برواية أحداث تجعل من التاريخ إطار لها بل ذهب بعيدا في غوصه في التاريخ ومساءلته له بحيث أصبح الفيلم ، وفي قراءة ثانية، شريطا عن التاريخ كتيمة وكموضوع متناول وليس فقط فيلما تاريخيا عاديا يعيد رواية أحداث وقعت وانتهى وقعها، إذ نجد هنا ومن خلال مسار شابتين ومعاناتهما، واحدة مغربية وأخرى إسبانية وبشكل فني ينتقل بين السرد الواقعي والخطي وبين أسلوب يعتمد مسرحة الأحداث بشكل سوريالي، تناوبا بين عرض الأحداث روائيا والتعليق عليها ومساءلة الروايات المتعددة لها، فمن يكتب التاريخ ومن المؤهل لذلك وأي تاريخ كُتب وهل الروايات التي أرَّخَت للأحداث كانت وفِيَّة لما حصل، مجموعة من الأسئلة يطرحها المخرج من خلال فيلمه هذا ويدعها معلقة فيما يحمل بعضها أجوبته في طياتها.
إنه فيلم عن التاريخ كموضوع للتناول والمساءلة، إذ نجد به أسئلة عن ماهية التاريخ و”الحقيقة التاريخية” ومن المؤهل ليكتبه وبأي شكل يُكتب.
للإشارة فقد شخص الأدوار الرئيسية فيلم “دقات القدر” مجموعة من الممثلين المغاربة والإسبان، فمن الجانب المغربي نجد يسرى طارق مُجسِّدة دورة “تودة” الشخصية المحورية في الفيلم ومعها كل من عبد الله شاكري في دور الزوج المريض بسبب الغازات السامة وعبد اللطيف شوقي في دور أخ الزوج، ومحمد الشوبي مشخصا شيخ الزاوية ورفيق بوبكر في دور مُريده بالاشتراك مع الممثلة الجزائرية بهية الراشدي في دور أم الزوج المتسلطة ، وفي الجانب الإسباني نجد كلا من أوليفيا متشادو فيرجينيا، أونييفا إيرنانديس خورخي، فيرنانديس دي إيكيبي لويس ماريا، غافيرا نفارو مانويل.
سينفيليا