أراقب بكثير من القلق ما يجري في الساحة السينمائية الجزائرية، صراعات مجانية وحروب صغيرة خاوية، حروب تمس مصداقية الفن و الفنانين في هذا البلد الشقيق، وتحول العائلة الفنية و معها الثقافية النقدية إلى جزر متناثرة متصارعة، بدل النظر للأمام والعمل جماعة على تسطير مسار واحد موحد، مسار من الإبداع يعيد للسينما الجزائرية رونقها ومكانتها الراقية العالية.
السينما الجزائرية سواء أحببنا أم كرهنا، تبقى من أهم السينمات العربية و الإفريقية، بإنجازات متفردة وأفلام خالدة أنتجت عن الثورة ( ريح الأوراس، العصا و الأفيون، دورية من الشرق..) و أخرى أكثر خلودا عن الواقع و المجتمع (عمر قتلاتو، القلعة، توشية، مسخرة..)، هذا دون نسيان أفلام حازت على التنويهات العالمية الكبيرة (وقائع سنوات الجمر و طاحونة السيد فابر و السطوح…)، بمعنى أن السينما في بلد المليون شهيد حققت عبر مسارها المهم والأهم، و سطرت صفحات مجيدة مع أسماء خالدة، لكن الظروف السياسية والإجتماعية للعشرية السوداء ( كما يعلم الجميع ) فعلت فعلها، وأثرت على الإنتاج بشكل كبير، لكنها لم تؤثر على الإبداع، لأن المبدعين الجزائريين الحقيقيين لازالوا واقفين وحاضرين بقوة، مبدعون من طينة أحمد الراشدي و محمد لخضر حامينا و سعيد ولد خليفة و مرزاق علواش و محمد حازورلي و فاطمة بلحاج و محمد الشويخ ويامنة بشير و غيرهم كثير، خاصة منهم الشباب القادم بقوة، شباب أكثر إرادة و تطلعا لسينما تواكب العصر و تنقل هموم الإنسان الجزائري اليوم، وتدافع عن صورة مشرقة لبلد عرف كيف يرسم تاريخا من النضال المجيد.
لكن ما لا أفهمه في كل هذا العبث الواقع اليوم بالساحة الفنية الجزائرية (أنا الذي أحسب نفسي مطلعا بشكل جيد على الواقع الثقافي الجزائري)، هو هذا الإصرار على تخريب الذات من طرف بعض السينمائيين و المثقفين الجزائريين و مساندة بعضهم للمشاريع السياسوية الضيقة للسلطة الحاكمة، سلطة و للأسف جعلت من الأدب و الفن في ذيل أولوياتها، و فتحت الباب لكل من هب ودب، لكي يدلي بدلوه في مجال مقدس، و بالتالي تخريبه بشكل ممنهج، تخريب لن يجني من ورائه هؤلاء المحسويين على العائلة الفنية والثقافية الجزائرية غير ربح واه و مكانة غير دائمة في قصر من رمال معرض للأعاصير و هبوب الرياح العاتية.
أن يتم منع فيلم عن شهيد و بحجج بالية لا يخدم صورة الشهيد أو القضية التي دافع عنها هذا الشهيد، و هي الحرية في أسمى معانيها، خاصة في مجال الفن، لأن الفن لا يمكن أن يواجه إلا بالفن، بمعنى: لو صنع مبدع ما فيلما لا أتفق مع طروحاته الفنية و التقنية و الفكرية، وجب علي أن أرد عليه من خانة الإبداع، وأن أصنع فيلما آخر يصحح الصورة و يسفه ما أعتقد أنا أنه خطأ أو إساءة. أما المنع فدليل على العجز و الخوف، عجز تخلت عنه البلدان المتقدمة والمحترمة، بلدان صانت قدسية الخلق و الإبداع و دفعت بهما نحو الأمام. كم من الأفلام و الأعمال الأدبية منعت لكنها ظلت حية خالدة، و من منعها توارى و اختفى مع تقدم الزمن، فالزمن لا يعترف إلا بالإبداع و حرية الإبداع.
فيلم “العربي بن مهيدي” لبشير درايس، يبقى فيلما و وجهة نظر قد نتفق معها أو نختلف، لكن وجب احترامها، مثلما هو الأمر في كثير من القضايا، أما أن نطالب بمنعه و إعدامه فذلك دليل على العجز في فهم رسائل السينما و الفن. ووزارة المجاهدين، مع كامل الإحترام لها، ليست مخولة فنيا أو تقنيا للحكم على الفيلم بخصائصه المميزة، ولا يحق لها تشكيل لجنة و توجيهها نحو الإتجاه الذي تريده، إتجاه الوصاية و خنق الإبداع.
أما فيلم ” أحمد باي” الذي يخرجه المخرج الإيراني جمال شورجة، ومحاولة مهاجمته ومحاصرته من قناة الممثل جيرار ديبارديو، باعتباره متهما بالإغتصاب و هاربا من العدالة الفرنسية، فأجد ذلك محاولة غير مقنعة، لكنني أتفق كامل الإتفاق لو تحدثنا عن أسباب استيراد مخرج أجنبي لتصوير فيلم وتاريخ بلد غني بالطاقات الفنية والإخراجية، أو تساؤلنا عن خلفيات الإنتاج والتواطؤ الظاهر بين أشخاص معلومين مختبئين وراء الستار، أو كاتب سيناريو، يكتب بكل أريحية عن مواضيع تاريخية مثيرة، له علاقة بجهات سلطوية تعرف كيف تمرر المشاريع وتستنزف الملايين، الملايين التي تذهب سدى في مهب الريح والريع، بل أن بعض هذه المشاريع لا يشاهدها أحد، اللهم العرض في التلفزيون وفرضها فرضا على الجمهور الوساع المتطلع لأفلام تعالج قضاياه الآنية في الحرية والعيش الكريم..
التاريخ لايرحم أصدقائي في الجزائر، إذا لم تدافعوا عن سينماكم وعزة فنكم ومصالحكم كفنانين، من خلال الوحدة و الإتحاد، مع ضرورة تجاوز الحزازات و تصفية الحسابات واللمز و الغمز الهمز المفضي للعيب و تكسير الذات والعلاقات الإنسانية والفنية،
أكيد أحبائي، لن يدافع أحد عن فنكم و بلدكم و مصالحكم الإبداعية، حتى ولو كنت أنا الذي أؤمن ايمانا راسخا بحبي لم و حببي لبلدكم الجميل..
عبد الإله الجوهري