انطلقت فعاليات الدورة الحادية عشرة لمهرجان وهران للفيلم العربي بحفل الافتتاح الذي أقيم بقاعة سينما المغرب بوهران الباهية كما يطلق عليها أهلها.
وقد شهد الحفل عدة تكريمات كان أولها وأبرزها للفنان المصري محمد هنيدي وللفنانة المرحومة شادية. وأعرب النجم المصري في كلمة بالمناسبة عن سعادته بهذا التكريم شاكرا القائمين على تنظيم المهرجان وسكان وهران على حفاوة الاستقبال.
ومن بين أهم التكريمات الأخرى التي شهدها حفل الافتتاح ذلك الذي خصِّص للمخرج الجزائري المتوفى فاروق بلوفة الذي كانت لديه تجربة جد متميزة مع المخرج يوسف شاهين في الفيلم ذو الإنتاج المشترك الجزائري المصري”عودة الإبن” الضال سنة 1976 لينجز فيلما واحدا فقط هو “نهلة” الذي تم عرض مشاهد لبعض لحظات تصويره بمناسبة هذا التكريم، للإشارة فقد عاش بلوفة حياة المنفى منذ سبعينيات القرن الماضي بفرنسا حتى وفاته مؤخرا.
ومن اللحظات المؤثرة خلال هذا الحفل تلك التي خُصِّصت لتحية الفنانين السوريين الحاضرين والذين ألقت الفنانة السورية كندة حنا كلمة باسمهم.
ومن الفنانين الآخرين الذين تم تكريمهم خلال هذه الدورة المخرج خالد يوسف الحاضر بفيلمه الجديد “كارما” خارج المسابقة الرسمية، إضافة للباحث والناقد السينمائي العراقي كاظم السلوم والباحث والناقد المصري مجدي الطيب.
إضافة لهذه التكريمات شهد الحفل تقديم لجن تحكيم مسابقات المهرجان، بدءا من لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة التي ترأسها المخرج الجزائري مرزاق علواش وتكونت من كل من الممثلة المغربية أمل عيوش والمنتج وكاتب السيناريو المصري محمد العدل والمخرج والمنتج الكازاخيستاني يارمك شيناربايف. هذه اللجنة التي شاهدت عشرة أفلام روائية طويلة وحكمت بينها، وهي : “واجب” لآن ماري جاسر من فلسطين، “نور” لخليل زعرور من لبنان، “الرحلة” لمحمد الدراجي من العراق، “عاشق عموري” لعامر سالمين المري من الإمارات العربية المتحدة، “تونس بالليل” لإلياس بكار من تونس، “فوطو كوبي” لتامر عشري من مصر، “رجل وثلاثة أيام” من سوريا، “كيليكس دوار البوم” لعز العرب العلوي من المغرب، إلى آخر الزمان” لياسمين الشويخ من الجزائر و”لم نكن أبطالا” لنصر الدين قنيفي من الجزائر.
في الندوة الصحفية للجنة تحكيم الفيلم الروائي الطويل للدورة 11 لمهرجان وهران للفيلم العربي، صرح مرزاق علواش أنه سيكون حريصا على أن تمر النقاشات حول الأفلام بشكل ديموقراطي، كونه كما قال شخصا ديموقراطيا، وأضاف أن ماهو ذاتي حاضر طبعا ولا يمكن استبعاده أثناء تفضيل لكل عضو في اللجنة لفيلم ما..وأشاد رئيس اللجنة بالتجارب السينمائية لكل من لبنان والأردن والمغرب، هذه الأخيرة التي اعتبرها متطورة باستمرار و التي راكمت إنتاجا مكنها من تنظيم مهرجان سنوي لسينماها عكس دول عربية أخرى .
نتائج موضوعية ومتوقعة
وقد جاءت نتائج المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة لهذه الدورة من مهرجان وهران للفيلم العربي كالتالي :
الجائزة الكبرى (الوهر الذهبي) لفيلم “إلى آخر الزمان” للمخرجة الجزائرية ياسمين الشويخ.
جائزة أحسن إخراج للمخرج المغربي عز العرب العلوي عن فيلمه “كيليكيس دوار البوم”.
جائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم “واجب” للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر. ونال هذا الفليلم أيضا جائزة التشخيص الرجالي التي اقتسمها كل من الممثل محمد البكري وابنه في الفيلم وفي الواقع صلاح البكري.
جائزة السيناريو لكاتب السيناريو المصري هيثم دبور عن فيلم “فوطو كوبي” للمخرج المصري تامر عشري.
جائزة أحسن تمثيل نسائي للممثلة التونسية أميرة الشبلي عن دورها في فيلم “تونس بالليل”.
وقد ارتأت لجنة التحكيم أن تمنح تنويهات خاصة لكل من فيلم “الرحلة” للمخرج العراقي محمد الدراجي، وللممثلة المصرية شيرين رضا عن دورها في فيلم “فوطو كوبي”.
قراءة في الأفلام الفائزة :
“كيليكيس دوار البوم” وجهة نظر مختلفة عن سنوات الرصاص
قد يكون فيلم “كيليكس، دوار البوم” لعز العرب العلوي لمحارزي الفائز بجائزة الإخراج في الدورة 11 لمهرجان وهران السينمائي أفضل فيلم مغربي تناول تيمة سنوات الرصاص في المغرب من ناحية زاوية النظر المختلفة التي اختارها مخرجه. إذ يحسب للفيلم عموما كونه جاء بِوِجهة نظر مغايرة لتلك التي شاهدناها في أغلب الأفلام التي تناولت هذه التيمة ، وهي وجهة نظر حراس المعتقلات السرية التي كانت تمتلأ بالسجناء السياسيين في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وجهة النظر هاته التي استطاع من خلالها المخرج أن يقدم نقدا بصيغة فنية مقبولة لهاته السنوات وما اعتراها من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وبدون أن يسقط في المباشرة كما أغلب أفلام “موجة الإعتقال السياسي” التي تزامنت مع بداية “العهد الجديد” ومحاولة طي صفحة الماضي بإنشاء “هيئة الإنصاف والمصالحة” .
وإذا كان ثلثا الفيلم مرَّا بشكل سلس ومقنع دراميا وكان فيه تطور الشخوص منطقيا فإن الجزء الأخير من الفيلم بداية من سرقة الحارس العجوز أب الفتاة الشابة للسِّجِل الذي يضم أسماء المعتقلين السياسيين وما تلا ذلك من أحداث وهروب الشاب والشابة ومتابعتهما من طرف حرس القلعة اقترب ممَّا نشاهده في أفلام المغامرات والميلودراما.
لست مع النقد الإيديولوجي للفيلم، خصوصا ما قد يكون ضد الجانب الإنساني لحراس المعتقل، بل أرى أن هذا الجانب من أهم نقط قوة الفيلم ، إذ أن الشخوص القوية إبداعيا لا في الأدب ولا في السينما هي تلك الشخوص المعقدة نفسيا والتي تختلط دوافعها بين الإيجابي والسلبي، ويكون صراعها الداخلي بين الخير والشر كبيرا ليظهر في كل مرة جانب من الجانبين حسب الظروف التي تتعرض لها ، فأهم الشخوص هي تلك الرمادية.
التمثيل في الفيلم كان جيدا، إذ لم نعد محتاجين أن نعيد ما قلناه عن أمين الناجي الذي يتقمص أدوارا مختلفة بنفس الحرفية، أما محمد الرزين العائد ليملأ خانة كانت قد خلت لفترة بعد وفاة محمد مجد، كونه ربما الوحيد الذي يمكن أن يؤدي أدوارا لشخصيات في مثل هذا السن بحرفية كبيرة في السينما المغربية، وقد أدَّى دور الفقيه الَّلا مُبالي الذي ستنقلب لامبالاته رأسا على عقب بعد رُؤيَته لجثة ابنه المعتقل السياسي المتعفنة، بنضج الممثلين الكبار، ثم حسن باديدا الذي تم اكتشافه متأخرا وأظهر أنه ممثل جيد ولايمكن أن يخلف الميعاد مع المشاهد في دور الحارس الغير المقتنع بما يفعله منذ البداية والذي سينقلب على رؤسائه في نهاية الفيلم. وتظل مفاجأة الفيلم السَّارة هي محمد بوصبع الذي أدَّى دور الكولونيل السَّادِي بشكل جد متميز موحيا في آن إلى شخصية الحسن الثاني خصوصا في خطابه بداية الفيلم الذي ألقاه على الحراس.
على العموم يظل فيلم “كيليكس، دوار البوم” رغم بعض الهفوات التقنية القليلة جدا خصوصا في استعمال المؤثرات الخاصة، من بين أهم الأفلام المغربية التي شاهدناها في الدورة الأخيرة (19) للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة.
وفي الأخير يجب التنويه بأن لمسة ورؤية عز العرب العلوي لمحارزي التي لمسناها في أفلامه القصيرة وفي فيلمه الروائي الطويل الأول “أندرومان” حاضرة في فيلمه هذا أيضا، وبذلك يكون قد حافظ على بصمته في أغلب أعماله وهذا ما يحسب له.
فيلم “واجب”.. نظرة بانورامية على المجتمع الفلسطيني
يمكن اعتبار “واجب” للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر، الفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة وبجائزة التشخيص مناصفة بين محمد بكري وابنه صالح بكري، فيلما يحتوي على عناصر الفيلم الجيد، بداية من كونه مكتوبا بعناية وتَمَكُّن انطلاقا من رسم الشخوص إلى الحوارات التي كانت مُعبِّرة عن تكوين ونفسية الشخصيات خصوصا الشخصيتين الرئيسيتين (الأب والإبن).
تدور أحداث فيلم “واجب” في يوم واحد بحيث ينطلق الإبن شادي القادم من روما بإيطاليا حيث يقيم، صحبة أبيه الذي لم يترك أبدا الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليوزعا بطائق دعوة لحضور زواج أخت شادي، وتجعل المخرجة من هذا اللقاء ذريعة لتقديم وجهتي نظر مختلفتين ومصطدمتين لشخصين وربما لجيلين من الفلسطينيين. انطلاقا من هذه الجولة وداخل السيارة ومن خلال جدال الأب والإبن نعرف أن الأم قررت ومنذ سنوات طويلة الهجرة إلى أمريكا حيث ارتبطت بشخص آخر وتزوجته، ويظل أمر حضورها من عدمه معلقا حتى آخر الفيلم كونها لاتستطيع ترك زوجها الذي يحتضر وحيدا والقدوم لحضور زفاف ابنتها، ويمكن الجزم أن شخصية الأم كانت حاضرة بقوة في الفيلم رغم غيابها ورغم أننا لن نشاهدها ولو مرة واحدة، بحيث ينتهي الفيلم بتصالح مؤقت بين الأب وابنه هذا الأخير الذي أعلن أن الأم قادمة بعد أن توفي زوجها.
إضافة لهاتين الشخصيتين الأساسيتين هنالك بالفيلم شخوص ثانوية لكن جد مهمة، كونها كانت إما تساهم في إبراز بعض جوانب حياة الشخصيتين الرئيسيتين أو تكشف لنا كمشاهدين زوايا نظر مختلفة لما يقع.
الممثل محمد بكري في دور الأب يؤكد مرة أخرى أنه ممثل جيد ولم يعد في حاجة لتقريض وباقي الممثلين أدووا أدوارهم بشكل مقبول.
على العموم يمكن اعتبار فيلم “واجب” أحد أهم الأفلام العربية التي أنتجت وصُوِّرت خلال السنوات القليلة الماضية بدون أي تحفظ.
“فوتوكوبي” : عن حالات منقرضة
استطاع المخرج المصري تامر عشري في فيلمه الأول “فوتوكوبي” أن يرصد حالة لشخصيات في طور الانقراض، وكان موفقا في تشبيهها بشكل ساخر وموارب بالديناصورات، التي أصبح محمود الشخصية الرئيسية يحلم بها ويتقفى سبب انقراضها بهوس مبالغ فيه وكأنه يشعر ولو بشكل لا واعي أنه يشبهها.
وقد كان أداء كل من محمود حميدة وشيرين رضا للشخصيتين الرئيسيتين جد موفق، خصوصا هذه الأخيرة التي ظهر جليا أنها وصلت لمرحلة النضج في مسارها التشخيصي، الأمر الذي جعل لجنة التحكيم تنوه بأدائها في هذا الفيلم.
ومن بين أهم العناصر التي ساهمت بقوة في كون فيلم “فوطو كوبي” جاء متكاملا في عناصره السردية وبدون خواءات درامية وبشخصيات غير كرتونية ومن لحم ودم، جانب الكتابة الذي مكن السيناريست هيثم دبور من انتزاع جائزة السيناريو باستحقاق وعن جدارة.
“كارما”.. خارج المسابقة
عرض فيلم “كارما” للمخرج المصري خالد يوسف بالمهرجان كفيلم افتتاح خارج المسابقة الرسمية، ويبدو أن خالد يوسف تاه في فيلمه هذا الذي تبلغ مدته ساعتان من الزمن في محاولته سرد قصة أراد من خلالها التَّموقُع لصالح الفقراء والمطحونين ضد أصحاب رؤووس الأموال والماسكين بخيوط اللعبة السياسية. ومما يُحسب ضد الفيلم هو ذلك الإطناب في شرح ما لايُشرح أكثر من مرة رغم أن الفكرة ارئيسية كان من الممكن أن تعطي فيلما مقبولا فنيا وسينمائيا ، والتي ترتكز على كون شخصين (يؤدي دوريهما الممثل الموهوب عمرو سعد) ينتمي الواحد منهما لبيئة جد فقيرة والثاني للطبقة المخملية كواحد من أهم رجال الأعمال في البلد يحلمان ببعضهما وبحيوات كل منهما كلما ناما. ويلجأ خالد يوسف لشخصين مع كل طرف ليشرحا للشخصيتين ومعهما للجمهور المتابع للفيلم أن مايقع لهما هو حالة نفسية ناتجة عن رواسب وعقد ترسَّبت في لاوعي كل منهما. وإذا كان بالإمكان تقبل الشخصية المرافقة لرجل الأعمال رغم كونها مزيجا من شيخ صوفي وطبيب نفساني إلا أن شخصية “الراقي” الذي يُخرج الجن من جسد “وطني” الفقير ويتحول في الأخير بقدرة قادر لشخص متعلم وعارف بدوره بعلم النفس بدت مقحمة وغير منطقية بالمرة، وكأننا بالمخرج يلوي عنق الحكي ويلعب بالشخصيات بشكل سيء دراميا ليوصل أفكاره، ومن نافل القول أن الموضوع والشكل إن لم يشكلا لحمة واحدة لايمكن الفصل بينهما فإن العمل الفني يكون دون المستوى المطلوب . الأحداث بالفيلم بدت مُمَطَّطة وبها لحظات حشو وثرثرة زائدين ولولا الأداء المتميز لعمرو سعد في أدائه لشخصيتين مغايرتين لبعضهما تماما وخالد الصاوي الذي يُثبت كل مرة أنه ممثل جيد ومتمكن ولباقي الممثلين أيضا حتى الذي أدووا أدوارا ثانوية، لما كان ممكنا إنقاذ ماء الوجه، على الأقل في قاعات السينما التي وزع فيها الفيلم تجاريا ابتداء من عيد الفطر الماضي في مصر وبعد ذلك في بعض من الدول العربية.
عبد الكريم واكريم-وهران- الجزائر