تتميز معظم الكتابات التي تناولت موضوع تاريخ السينما بالمغرب بقلة معلوماتها حول بدايات السينما بالمغرب خلال الفترة ما بين 1900 و1912، حيث تكتفي بذكر معطيات دون ذكر مصدرها، وكأنها مسلمات يقينية وجب الوثوق بها، كما أن أغلبها يختزل هذه الفترة في ثلاث أحداث فقط: أول عرض سينمائي بالمغرب كان بالقصر الملكي بفاس سنة 1897، وتصوير Mesguich لضحايا قنبلة قوات فرنسية لمدينة الدار البيضاء سنة 1907، وأول عرض سينمائي عمومي كان بفاس سنة 1912(1)، في حين أن بعض الكتابات(2) حاولت تجاوز ذلك بذكرها لبعض المعطيات حول السينما خلال هذه الفترةو لو بشكل مقتضب، وسنحاول مقاربة ومراجعة بعض المعطيات الواردة في بعض الكتابات التي تناولت بدايات السينما بالمغرب، وسنتناول بعض المعطيات التي بحثنا حولها فوجدناها غير دقيقة، أو غير موجودة، بل يتم اعتبارها من المسلمات التي تعتمد دون نقاش.
سنكتفي ببعض المعطيات الواردة في كتابين مهمين تناولا بدايات السينما بالمغرب، الكتاب الأول لصاحبه Pierre Boulanger
(3) موسوم ب:
Le cinéma colonial de l’Atlantide à Lawrence d’Arabie والثاني لمولاي ادريس الجعيدي (4) موسوم ب:
Histoire Du cinéma Au Maroc – Le cinéma Colonial-
– أول فيلم صور بالمغرب
يذكر Pierre Boulanger في كتابه أنه: انطلاقا من قائمة (Catalogue) أفلام شركة Lumière الفرنسية التي تضم 1800 فيلما «فإنه لا يوجد في الكاتالوغ إلا فيلم وحيد تم تصويره بالمغرب، ويحمل عنوان «Le Chevrier Marocain» [راعي الماعز المغربي]، و يحمل رقم 1394 داخل القائمة، وأن نسخة سالبة لهذه الأفلام (1800 فيلما المكونة للقائمة) تم ايداعها بالخزانة السينمائية الفرنسية سنة 1946»(5). وللتأكد من هذه المعلومة قمنا بالبحث في قائمة أفلام مؤسسة lumière، ولم نعثر عن عنوان هذا الفيلم، كما قمنا بمراسلة معهد لوميير واستفساره عن الفيلم وعن صحة معطيات أخرى، فتمت إحالة مراسلتنا على خبير المعهد السيد Jean Marc Lamotteباعتباره خبيرا في أرشيف المعهد والمسؤول عن المتحف به فكان جوابه بخصوص «فيلم راعي الماعز المغربي» كالآتي: «لا وجود لفيلم يحمل عنوان «راعي الماعز المغربي» Le Chauvrier Marocain أو «الفارس المغربي» Le Cavalier Marocain، ولا وجود في أعمال لوميير لمشاهد أو لمناظر تم تصويرها بالمغرب. ثانيا، من ضمن الطلبات والأسئلة التي توصلنا بها في المعهد، هناك دائما من يحيل فيلم «راعي الماعز المغربي» أو «الفارس المغربي» على الفيلم رقم 1394 في مجموعة لوميير، والفيلم رقم 1394 لا علاقة له بفيلم يحمل عنوان «راعي الماعز المغربي» أو «الفارس المغربي»، الفيلم رقم 1394 هو فيلم بعنوان: «تمارين في التزحلق على الجليد» (Exercice de ski) يصور تمارين في التزحلق على الجليد يقوم بها قناصون في منطقة Briançon بجبال الألب الفرنسية. والخلاصة (دائما كلام Lamotte):
– إن كانت هناك بعض المصادر التي تشير إلى وجود مشاهد لشركة لوميير صورت سنة 1896، وتحمل عنوان: «راعي الماعز المغربي» أو «الفارس المغربي»، فالواقع يؤكد أن: هذه المشاهد غير موجودة في كتالوغ شركة لوميير، إذ ليس هناك أي فيلم للأخوين لوميير تم تصويره بالمغرب.
– لم يتم العثور على فيلم يمكن أن يتم ربطه ولو من بعيد بعنوان «راعي الماعز المغربي» أو «الفارس المغربي»، خلال عمليات جرد الأفلام التي تم تصويرها من طرف الأخوين لوميير.»(6)
كان جواب السيد Jean Marc Lamotte، حاسما فيما يخص هذا المعطى، وأكد أنه لا وجود لفيلم اسمه راعي الماعز المغربي، و أن الأخوين لوميير لم يصورا أي فيلم بالمغرب، و لم يبعثا أي مساعد لهما ليصور مشاهد في المغرب، وأن الفيلم الذي يحمل رقم 1394 ضمن أفلام قائمتهم عنوانه: تمارين في التزحلق على الجليد وليس راعي الماعز المغربي، وأنه لا يوجد ضمن قائمة أفلامهم 1800 أي فيلم له علاقة بالمغرب. ومن جهة أخرى بحثنا عن الفيلم الذي يحمل رقم 1394 في قائمة أفلام Lumière ووجدناه يطابق ما ذكره السيد (7) Lamotte
– تصوير فيلم Fantasia وعرضه في مهرجان باريس سنة 1902
يذكر الجعيدي في كتابه، نقلا عن مرجع آخر(8) أن: «المغرب شهد خلال هذه السنة (1897)، تقديم 561 عرضا سينمائيا… وأن Félix Mesguich صور مشاهد من عروض الفروسية، وقام بتجميعها في شريط عرضه خلال المهرجان الدولي لباريس سنة 1902»(9). وهنا نتساءل عن المصدر الذي اعتمده صاحب المعلومة ليقول: إن 561 عرضا سينمائيا أقيمت بالمغرب خلال سنة 1897، فأين أقيم هذا الكم الهائل من العروض؟ كما أن المصور Félix Mesguich واعتمادا على مذكراته(10) لم يزر المغرب إلا سنة 1907. ربما صاحب المعلومة يقصد الجزائر التي كانت مستعمرة فرنسية وتضم جالية أجنبية مهمة، وقد يكون عدد العروض المذكور متوافقا مع عدد فضاءات عرض الأفلام هناك، وما يزكي فرضيتنا هو أن «المصور Félix mesguich صور في مدينة بيسكرة [مدينة جزائرية]، لقطات من عروض للفروسية» (11)، ما يعني أن هذه المعلومة متعلقة بالسينما في الجزائر وليس المغرب.
– أول عرض سينمائي عمومي كان بفاس سنة 1912
يذكر مولاي ادريس الجعيديفي كتابه l’histoire du cinéma au Maroc أن: «مدينة فاس شهدت أولى العروض السينمائية سنة 1912، وذلك بمناسبة الملهى الكبير الذي أقيم فيها، وأن 100 ألف من ساكنة فاس المدينة الروحية للمغرب، ومن القبائل المجاورة أتوا لمشاهدة الخيالات المتحركة» (12).
والملاحظ أن معظم الباحثين نقلوا عنه هذه المعلومة دون نقدها أو تمحيصها، مع العلم أن المعلومة تثير مجموعة من التساؤلات حول مضمونها، فسنة 1912 كانت سنة مفصلية في تاريخ المغرب، فهي السنة التي شهدت توقيع معاهدة الحماية على المغرب بين السلطان مولاي عبد الحفيظ و رينو، وتعرف هذه المعاهدة بمعاهدة فاس، وعلى إثرها قامت مواجهات مسلحة بين قوات فرنسية وجماعات من ساكنة فاس، وعرفت هذه المواجهات بأيام فاس الدامية، وعدم تحديد اليوم والشهر الذي أقيم فيه هذا العرض سنة 1912، يعجلنا نتساءل عن توقيت وتاريخ هذا العرض، كما أن عدد المتفرجين الذين شاهدوا العرض والذي أكدت المعلومة أنه 100 ألف متفرج، يجعلنا نتساءل عن الكيفية التي شاهدت بها هذه 100 ألف العرض السينمائي، هل كان عرضا واحدا؟ وهو أمر مستبعد، على اعتبار أن تجهيزات العرض السينمائي خلال سنة 1912 لم تكن تسمح بأن يتم عرض سينمائي لجمهور كبير، فبالأحرى 100 ألف متفرج. أم أن العدد 100 ألفهو مجموع الذين شاهدوا عروضا متعددة سنة 1912؟ وأين أقيمت هذه العروض؟
من خلال بحثنا حول هذه المعلومة وجدنا أن أول عرض سينمائي أقيم بفاس حسب جريدة السعادة كان سنة 1913 بمتحف البطحاء(13)، حيث ورد في العدد رقم 670 بتاريخ: 6 شتنبر 1913، مراسلة للسيد: محمد البكاري باعتباره مراسلا لجريدة السعادة بفاس، وسمها ب:
«أول حفلة سينماتغرافية بفاس…»، وذكر أنها كانت يوم 29 غشت 1913، وحضرها حشد من الناس في مقدمتهم أعيان المدينة بمعية حاكم الإدارة الأهلية، وتحدث كذلك في نفس المراسلة عن طبيعة ونوع ومضمون الأفلام التي تم عرضها خلال ذلك العرض، والذي يمكن اعتباره أول عرض سينمائي عمومي بفاس، وليس بالمغرب كما يقول Pierre Boulanger، لأنه خلال بحثنا حول أول عرض سينمائي أقيم بالمغرب، وجدنا أن «أول عرض لMoving image** (الصور المتحركة) كان بمدينة طنجة سنة 1900،حيث كانت تعرض بمسرح صغير قريب من متحف المفوضية الأمريكية، يسمى Lieco Rafael-Calvo، حيث كان يتم استعمال تقنية *La Magiarecreativa* (السحر الترفيهي) التي تتألف من اثنينو ستين صورة متحركة»(14). وقد استمرت العروض بهذا المسرح إلى غاية 1917 حيث أصبح قاعة سينمائية خاصة بالعروض السينمائية واسمها (15) La Zarzuela، من جهة أخرى فقد أكد لنا أحد النقاد السينمائيين أنه أقيم بمدينة طنجة سنة 1905(16)، إلا أننا لم نجد وثيقة تتضمن هذه المعلومة. لكننا وجدنا أن مدينة طنجة كانت تتوفر على قاعة سينمائية خلال سنة 1911» (17)، قد تكون هي المسرح المذكور آنفا نظرا لقربه من مقر المفوضية الأمريكية.
ومجمل القول: إن تاريخ بدايات السينما بالمغرب، لازال في حاجة إلى البحث والتدقيق وتمحيص المعطيات المتعلقة بها، وما الأمثلة التي طرحناها إلا أنموذجا، ما يجعلنا نتساءل عن دقة المعطيات الأخرى المتعلقة بتاريخ بدايات السينما بالمغرب.
بوشتى المشروح
هوامش:
1- Jaidi Moulay Idriss, Histoire Du cinéma Au Maroc – Le cinéma Colonial-, almajal, rabat, 2001, p.9. et Boulanger Pierre, Le cinéma Colonial de l’Atlantide à Lawrence d’Arabie SEGHERS, paris 1975, p.23
-2 من بينها كتاب الناقد مولاي ادريس الجعيدي:
Histoire Du cinéma Au Maroc Le cinéma Colonial-
-3 يعتبر Pierre Boulanger (حسب الترجمة المقتضبة الواردة في غلاف كتابه le cinéma colonial) من الكتاب المتخصصين في تاريخ السينما الكولونيالية، عاش خلال نهاية المرحلة الاستعمارية بالجزائر ثم بالمغرب، اشتغل كصحفي في منابر متعددة، كما اشتغل كمتعاون مع السيد Henri Langlois بالخزانة السينمائية الفرنسية، يعتبر كتابه: Le cinéma Colonial de l’Atlantide à Lawrence d’Arabie الصادر عن مؤسسة SEGHERS سنة 1975، أهم مرجع اعتمد عليه مجموعة من الباحثين في تاريخ السينما المغربية وخصوصا المغاربة منهم، حيث استقوا منه أغلب المعطيات المتعلقة ببدايات السينما بالمغرب، علما أن الكتاب يتحدث عن السينما الكولونيالية في البلدان المغاربية الثلاث: المغرب والجزائر وتونس، ولم يخصص لبدايات السينما بهذه البلدان إلا ستة عشر صفحة من صفحاته التي قاربت الثلاثمائة صفحة، وسنحاول مراجعة بعض المعطيات الواردة فيه والمتعلقة فقط ببدايات السينما بالمغرب.
-4 يعتبر مولاي ادريس الجعيدي (حسب ما ورد في الصفحة 2 من كتابه histoire du cinéma au Maroc) من النقاد السينمائيين المغاربة المتميزين، اهتم بكتابة تاريخ السينما بالمغرب، يعتبر كتابه Histoire du cinéma au Maroc مرجعا أكاديميا مهما، تناول فيه موضوع السينما الكولونيالية بالمغرب، وتميز فيه عن الكتابات الأخرى بكونه تناول الأفلام الكولونيالية الفرنسية والإسبانية والأنجلوساكسونية، وبحكم اتقانه للغات كثيرة من بينها الفرنسية والإسبانية فقد أورد وثائق مهمة من الأرشيف السينمائي الإسباني، ومن جهة أخرى فقد عمل على تأليف كتب كثيرة حول تتعلق بالسينما بالمغرب والنقد السينمائي وعلاقة السينما بالمجتمع، وارتباط المجال السمعي البصري بالتعليم والوسائل المتعددة الوسائط.
-5 Boulanger Pierre, op.cit.,p.20
-6 توصلنا بمراسلة من Jean Marc Lamotte يجيبنا من خلالها عن مجموعة من الأسئلة تتعلق بمعطيات وردت في كتاب pierre Boulanger، وقد نشرها الصحفي هشام روزاق في الجريدة الأسبوعية « الأيام» ضمن ملف من أربع صفحات حول فيلمنا: ورثة لوميير، انظر: روزاق هشام، المولى عبد العزيز أول مخرج سينمائي مغربي، جريدة الأيام، العدد 673 – من 9 إلى 15 يوليوز 2015، الأيام ميديا، الدار البيضاء، 2015، ص.15
-7 يمكن مشاهدة الفيلم عبر الرابط :https://youtu.be/lHaGZOTsh9M
8- JaidiMoulayIdriss, op.cit., p.9
الجعيدي أحال على الإحالة التالية: الناصري جمعة، السينما في المغرب، آفاق عربية، السنة 6، شباط-آذار، 1981، ص.286
9- JaidiMoulayIdriss, op.cit., p.9
10- Mesguich Felix, Tours de manivelle – souvenirs d’un chasseur d’images, Grasset, Paris, 1933, pp.144-149.
11- Salvin David Henry, colonial cinema and imperial France 1919-1939: white blind spot male fantasies, settler myths, JHU Press, Baltimore, United states, 2001, p.101
12- JaidiMoulayIdriss, op.cit., p.9
13- جريدة السعادة العدد 670، بتاريخ 6 شتنبر 1913، ص.2
14- Schneider Simona, tanger fait son cinéma portrait de la ville en images, la pensée de midi, n23, Actes Sud, Marseille, 2008, p.81
15- Ibid. , p.81
16- أكد لنا النقاد السينمائي: أحمد بوغابة أن أول عرض سينمائي عمومي بالمغرب أقيم بطنجة سنة 1905، وكان بالأداء، وأخبرنا أنه يتوفر على وثيقة تؤكد ذلك، لكننا لم نطلع على هذه الوثيقة.
17- Bottomore Stephan, the sultan and the cinematograph, Earlypopularvisual culture, Routledge, London, 2008,p.132