السينما اللبنانية تتقدم بتمهل ناجح في محاربة الأسطورة المنحازة للرجل، عبر نقد سينمائي للواقع اللبناني والعربي عامة، يتأسى بمحاولة زرع تحليل و رؤية إجتماعية لوضعية المرأة حسب جمالية فنية وكوميدية سينمائية تخرج عن النمطية والأيقنة التجارية، كما تخرج عن قانون الإحتمال الواقعي المسؤول بالتحديد عن قمع صورة المرأة كمرأة. هذه النمطية التي تسببت فيها سينما سيادة الرجل التي تقدم المرأة كما يتمثلها الرجل وذلك داخل نظام أيديولوجي يخفي كليا حضور الآخر بل يختزله ويجعله غير مدرك.
إن السينما اللبنانية من خلال الفيلمين “يلا عقبالكن” إخراج إيلي خليفة، الذي تدور قصته في إطار كوميدي حول أربعة نساء قاربن الأربعين عاما، لكل منهن مشاكلها بسبب العنوسة ونظرة المجتمع والرجل لهن إذ أن بطلات الفيلم ياسمين و ليان وزينة وسارة رغم تحدي المجتمع وتمردهن على الرجال فشلن جميعا في العلاقات العاطفية التي وصلت للتسبب في الخيانة الزوجية، أما الخاتمة فقد جاءت قدرية أي برضائهن بعادات المجتمع والزواج أخيرا. أما فيلم “نسوان ليش لا؟” إخراج “سام اندوراس” فتدور حبكة الفيلم حول شاب يخرج من السجن بجريمة تهديد إمرأة، ليخرج بعد ثلاث سنوات أمام وضع مختلف أو إنقلاب عجيب على السلطة قادته النساء في البلاد، فتحول كل شيء وانقلبت المعايير والأخلاق وسادت السلطة النسوية المطلقة على الرجالية، في البيت هن من يتحكم والطبخ للرجال، في الشارع هن من يعاكسن، الشرطة تلاحق الرجال الملتحيين بداعي الانتماء لجمعية حقوق الرجل المقموعة؟ بينما القمع النسوي تجاوز قهرا ما كان عليه الأمر في المجتمعات الأبيسية، وهنا مخيلة المؤلف و إبداع المخرج في تصور حالة أنثربولوجية بعودة المجتمع العربي خاصة إلى الحالة الأميسية.
غير أن الأمر لم يتعد حدود مقلب أو إيهام البطل بتغير وإنقلاب الواقع إلى حكم نسوي، بوضعه تحت مراقبة تلفزيون الواقع، ليكتشف أخيرا أن الواقع مزال كماهو عليه وأن التجربة الوهم بزوال واقع وحلول آخر مقابل نجحت، والرسالة هي إحترام حقوق النساء وطريقة معاملتهن.
سينما المرأة كسينما مضادة
هذا النوع من الكوميدية السينمائية، و غير القديم جدا في الساحة العربية، يسميه مؤلف كتاب “أفلام و مناهج” بيل نيكولز، الكوميديا المجنونة، وهي صيغة معكوسة لعالم الرجل، يصبح فيها مهانا أو يقدم على أنه صبياني ومرتد إلى الطفولة. وهذا النهج كان قد اعتمده إتجاه النقد السينمائي النسوي في عشرينيات القرن الماضي بين مخرجات هوليود مثل “كلير جونستون ودوروثي أرزنر و إيد لوبينو”. في إنتقاد صريح للسينما المروجة لأيديولوجية منحازة لجنس الرجل، والهيمنة الرأسمالية. هذه السينما التي تعتمد الأسطورة في إنحيازها للرجل كي يصبح مركز الكون بينما تنكر آخرية أو غيرية المرأة لتجعل صورتها ككيان إجتماعي وجنسي خارج المقابلة الطبيعية الرجل/ المرأة.
حينئذ تصبح المرأة كعلامة المركز الكاذب للخطاب السينمائي، والمقابلة الواقعية المطروحة هي الرجل/الرجل، وهذا ماحدث في فيلم “Morocco” ل ستيرنبرج، الذي يدور بكامله حول إمرأة والنجمة الأنثى، إلا أن النقاد في “كراسات السينما” كما يقول “بيل نيكولز”، يصفون النظام الذي يجري فيه العمل لكي يظل الرجل في مركز الكون في نص يتركز حول صورة المرأة، يجبر المؤلف على كبت الفكرة المتعلة بالمرأة ككيان اجتماعي وعلى إنكار مقابلة الرجل/ المرأة. (أفلام ومناهج ص 407-408)
لقد حاولت الأسطورة، أن تكون الوسيلة الأساسية التي تعامل بها النساء في السينما، بنقل وتحويل إيديولوجية الانحياز الجنسي للرجل وجعلها غير مدركة بل وطبيعية فكل الانجازات منسوبة للرجل وحده. أما المرأة فصورتها لا تخرج عن الرسم البدائي الأيقوني، وقصة الملهاة التقليدية، مغوية الرجال. أن هذه الأيديولوجية هي التي مازالت تغرق فيها السينما العربية و الغربية أيضا، إلا بعض الإستثناءات التي حاولت التشافي، من مرض السادية النفسي التي تعني إستعذاب إحداث الألم في الآخر.
ماءالعينين سيدي بويه