تتعامل المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي مع السينما بوصفها مساحة لتحويل الغضب إلى طاقة خلاقة، لكنها في المقابل تعيش هاجس الرقابة الذاتية التي ترى أنها تهدد دور الفنان وتشل مسؤوليته تجاه مجتمعه. وتؤكد خلال مشاركتها في فقرة “حوارات” ضمن الدورة الـ22 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش أن السينما تمتلك قدرة فريدة على لمس الوجدان ودفع المشاهد للتساؤل والتفاعل، غير أن خوفها الحقيقي يكمن في الوقوع تحت ضغط الرأي السائد وفقدان تلك البراءة الأولى في مقاربة القضايا.
وتحرص لبكي، مخرجة «سكر بنات»، على ألا تفقد قدرتها على النظر بعينها الخاصة إلى العالم، معتبرة أن وظيفة الفنان هي إثارة النقاش وزعزعة الفكر الجاهز. وجاء حضورها في المهرجان ليعيد وصلها بجمهور مراكش الذي عاش معها لحظة مؤثرة عام 2018 عند عرض فيلم «كفر ناحوم»، الذي تناول واقع أطفال الشوارع في بيروت بجرأة، وترك أثراً عميقاً لديها رغم النجاح العالمي الذي حققه.
ورغم الجوائز التي حصدها الفيلم، ما تزال ندوب التجربة ترافق لبكي، إذ يلازمها شعور بالذنب تجاه الطفولة المنكسرة التي حاول العمل تسليط الضوء عليها. فقد تم إنقاذ بطل الفيلم، زين، الذي انتقل مع عائلته إلى النرويج حيث يواصل دراسة الطب البيطري، لكن المخرجة ما تزال تتساءل عن مصير الأطفال الآخرين الذين يملؤون شوارع لبنان وخارجه، ولم تستطع تمالك دموعها وهي تستعيد التجربة بعد سبع سنوات على التصوير.
وتشير لبكي إلى أن هدفها في «كفر ناحوم» كان الدخول إلى العوالم المهمشة التي تختبئ خلف واجهات الرفاه البراقة، واضطرت للتكيف مع إيقاع الأطفال في مواقع التصوير لالتقاط لحظات حقيقية مليئة بالعفوية، ضمن فوضى منظمة تتخللها مساحات واسعة للارتجال. كما تسعى لاختيار ممثلين غير محترفين قادرين على التماهي مع الواقع وليس تمثيله فقط، فيما تعتبر الموسيقى عنصراً أساسياً في أفلامها، ترافق العمل منذ الفكرة الأولى وتستعيد روح المسرح الغنائي الذي طوره الرحابنة.
وتقول لبكي إن تجربتها كممثلة مع مخرجين آخرين جعلتها تدرك هشاشة المخرج وثقله النفسي أثناء اتخاذ القرار، ما دفعها لتطوير أسلوب أكثر مرونة في إدارة الممثلين، قائم على الحدس والارتجال. كما تعتز برصيدها الكبير في الإعلانات والفيديو كليب، معتبرة أن تلك المرحلة شكلت مختبراً إبداعياً مهماً في وقت كانت الصناعة السينمائية تعاني من نقص الإنتاج وظروف الحرب.
أما المرأة، التي حضرت بقوة في أفلامها مثل «هلأ لوين؟» حيث جسدت صوت الأمهات في مواجهة العنف الطائفي، فستستمر كعنصر محوري في مشروعها السينمائي الجديد، لأن قضاياها – كما تقول – ما تزال أسيرة صور نمطية تعيق مسيرتها نحو التحرر.
سينفيليا

