الرئيسيةالسينما العالميةعمال بروكسل المهاجرون يكتبون المستقبل في وثائقي “Wishful Filming”

عمال بروكسل المهاجرون يكتبون المستقبل في وثائقي “Wishful Filming”

فيلم Wishful Filming

أمستردام – في رحلة قصيرة بين قنوات أمستردام الساحرة، تناولت أول وجبة ساخنة في مطعم يمني دعاني إليه رجل كريم، قبل أن أتجه للمترو متوجهاً إلى الساحل البحري لأركب سفينة صغيرة مجانية نحو واحدة من أرقى صالات السينما في العالم. رغم التأخر لعشر دقائق، سرعان ما غاصت ذهني في فكرة الفيلم الوثائقي القصير “Wishful Filming”، الذي يسلط الضوء على ما وراء صخب بروكسل اليومي، بين أصوات الحفارات وأضواء اللحام المتراقصة على جدران الأبنية قيد الإنشاء.

المخرجة البلجيكية سارة فاناغت تمسكت بكاميرا صغيرة لتصوير لحظات حميمية إنسانية، مركزة على رسائل مخفية كتبها عمال بناء من مختلف أنحاء العالم ووضعوها داخل فجوات الجدران وتحت أحجار الأرصفة وأعمدة المباني. يمتد الفيلم الذي يبلغ 35 دقيقة، بين البساطة الشعرية والعمق السياسي، ليطرح أسئلة حول الهجرة والعمل والذاكرة والمستقبل.

عُرض الفيلم لأول مرة عالمياً في مهرجان دوكليسبوا 2025 بالبرتغال وحاز جائزة أفضل فيلم وثائقي عن بيئة العمل، قبل أن يصل إلى مهرجان إدفا الدولي للأفلام الوثائقية في أمستردام ضمن قسم مخصص للأصوات السينمائية المميزة. فكرة الفيلم مستوحاة من تقليد أوروبي قديم كان فيه البناة يتركون رسائل داخل المباني الجديدة كنوع من البصمة الشخصية أو تمنيات للأجيال القادمة، وهو التقليد الذي اكتشفته فاناغت أثناء دراستها في لندن وألهمها لتحويله إلى مشروع سينمائي معاصر يعكس واقع المدن الأوروبية اليوم.

استغرق تصوير الفيلم سنوات طويلة للوصول إلى مواقع البناء في بروكسل، ومقابلة العمال الذين جاءوا من بولندا وإيران والبرازيل والمغرب وبلجيكا، ليعكس الفيلم التركيبة متعددة الثقافات للطبقة العاملة في العاصمة الأوروبية. يعتمد “Wishful Filming” على لقاءات قصيرة عابرة داخل مواقع العمل، حيث تمنح فاناغت المشاركين الحرية في كتابة رسائلهم واختيار أماكن إخفائها، لتصبح لحظة التعبير نادرة وعفوية، ما يضفي أصالة بصرية على المشاهد.

الرسائل المكتوبة متنوعة بين تمنيات وأمنيات شخصية ورسائل أمل، مثل “حين تجد هذه الرسالة، آمل أن يكون العالم مكانًا أفضل”، لتختزل رسالة إنسانية عميقة وتمنح العامل شعورًا بالمشاركة في المستقبل الذي يبنيه. يتخطى الفيلم رسائل العمال المخفية ليشمل كل الكتابات والرسومات المنتشرة في فضاء المدينة، من ملصقات وشعارات مكتوبة على الجدران والأعمدة، ليخلق حوارًا بصريًا بين الرسائل المخبأة والمرئية، ويكشف تنوع اللغات والثقافات بين العمال والمدينة نفسها.

يبين الفيلم التناقض بين السلطة ومكان العمل، حيث تبنى بروكسل، مقر الاتحاد الأوروبي، بأيدي عمال مهاجرين غالبًا ما يعيشون على هامش المجتمع. تمنح فاناغت هؤلاء العمال أدوات التعبير عن أنفسهم، لتستعيد السينما الوثائقية التقليدية السلطة السردية لصالح الممثلين الحقيقيين للحكاية، وتحوّل المباني من مجرد هياكل خرسانية إلى خزائن للذاكرة والأمل، مؤدية بذلك نوعًا من “إنهاء الاستعمار السينمائي”، عبر تمكين المهمشين من سرد قصصهم بأنفسهم دون تدخل أو توجيه.

سينفيليا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *