الرئيسيةالسينما المغربيةرحلة المتاعب بمنطق الانتصار الموهوم – قراءة في فيلم “تكات” ( سوء العاقبة)

رحلة المتاعب بمنطق الانتصار الموهوم – قراءة في فيلم “تكات” ( سوء العاقبة)

فيلم "تكات"

تقديم:

إن الدراما الأمازيغية دراما القضايا الاجتماعية ، ومنذ بداية الفيلم الأمازيغي وهو منكب على معالجة القيم الإنسانية النبيلة التي يتميز بها المجتمع الأمازيغي على مر التاريخ ،ولا نبالغ إذا قلنا إن الفيلم الأمازيغي في مجمله فيلم تربوي تصحيحي للمعتقدات والمعاملات السلبية ،ومنفر من السلوكات الخادشة لنبل الأخلاق والتواصل والتفاعل الإيجابيين أسريا واجتماعيا. ورغم بساطة المعالجة الجمالية والتقنية للفيلم الأمازيغي استنادا إلى مستوى الوسائل والدعم المعتمد عليه في الانتاج والإنجاز ،فإن هذا الفيلم كان وما يزال وسيلة هادفة وفعالة في توجيه الجمهور للتفكير في وجودهم وعلاقاتهم ومصائرهم.

وقد كانت محاور هاته الأفلام مطردة بين الدفاع عن القيم في علاقتها بالهوية في زمن هول العولمة الناسفة للقيم والثقافات.

ورغم أن الوظيفة المثلى في الفيلم ـ في رأي البعض ـ هي المتعة والترفيه، فإنه وسيلة ناجعة في التوعية عبر المتعة والتشويق وعبر رسم نظرة مائزة إزاء الحياة والمجتمع. فما نشاهده يؤثر علينا عبر تفاعلنا معه مما يجعله يحدث تغييرات في شخصياتنا وسلوكنا وأفكارنا، لذا ينبغي اختيار المضامين القيمة أخذا بعين الاعتبار ما ينتظر غرسه في نفوس المشاهدين من الفتيان والشباب بصفة خاصة.

ففي كل فيلم رسائل مستهدفة حتما تحاول أن تجعلنا أمام وقائع هي جزء من حياتنا اليومية بما تحمله من صراعات من أجل إعادة النظر في الممدوح وفي المذموم منها، ومشاهدتنا للفيلم مشاهدة لبعض ما يعترينا ويعتري علاقاتنا كي نرسم الطريق لمصائر أكثر إنسانية وجمالية.1 انظر مقالي في جريدة العالم الأمازيغي، بتاريخ 27 ماي, 2019م.

وككثير من الأفلام الأمازيغية نجد فيلم “تكات” فيلما سائرا في خط معالجة القضايا الاجتماعية والأسرية التي لا يخلو منها أي مجتمع بشري كالظلم والحب والكراهية والطمع والإحسان والإساءة وغيرها، وبذلك تكون هذه الأفلام أفلاما ملتزمة بقضايا وهموم إنسانية يومية متنوعة.

محور الفيلم

تدور أحداث الفيلم حول امرأة تدعى فاطمة، تكره نادية(اليتميمة) وهي أخت زوجها أحمد الذي يساندها في هذه الكراهية والاحتقار والاعتداء اللفظي والمعنوي تجاهها، ولكن العم سيغير علاقته بأخته لتحتد وتتأزم أكثر حين أخبره بكون كل أملاك أبيه المتوفى قد ورَّثها أخْتَه، مما دفع به ليفكر ويسعى بكل ما أوتي من حيل لنقل تلك الأملاك لتصير له بدل أخته، وحين فطن عمه بذلك، لجأ إلى المحامي الذي أعلمه بكون الوثائق المعتمدة التي في حوزته مزورة من قبل شخص مجهول، وفي الأخير يأتي الحكم القضائي بإخلاء المنزل لصالح نادية التي عفت عن أخيها وزوجته، وأنقذته من السجن حين دفعت ما عليه من قرض، وبذلك تعود المياه إلى مجاريها.

عنوان الفيلم

يعتبر العنوان بوابة الفيلم، وبوابة أي عمل أدبي سردي أو شعري، و مسرحي…فهو الكبسولة التي تحمل أغراض وأهداف الفيلم ومحتواه العام من حيث تطور الأحداث أو النتيجة التي تؤول إليها أو كلاهما. لذا يعتبر العتبة الأهم في إثارة فضول المتلقي.

وكثيرا من عناوين الأفلام الأمازيغية متشابه ومتقارب لتماثل وتقارب الموضوعات التي تتناولها، ولأن العنوان مرآة لجوهر ولب الفيلم، ينبغي اختياره بعناية وذلك بانتقائه وسط بدائل ينبغي طرحها حتى يتسنى الوقوف على العنوان الأفضل الذي يعكس أجواء حيثيات الفيلم العامة.

وعنوان الفيلم الذي نحن بصدد قراءة أولية له عنوان تجد له تواجدا في كثير من الأفلام، ف”تكات :tagat” التي هي عنوان الفيلم تعني الكثير من الصفات السلبية منها اللعنة، العاقبة، أو سوء العاقبة، المصيبة، الخطيئة، الذنب، سوء الخاتمة…واختبار العنوان من حيث مناسبته لما وضع له يستند إلى محور الفيلم.

ومحور فيلم “تكات” يتعلق بزوجين تصرفا تصرفات مذمومة جعلتهما يندمان في الأخير، وانطلاقا من هذا المعطى يمكن الانتقاء بين عناوين كثيرة نقترح بعضها كالتالي: التهور، الثقة العمياء، الجزاء، الجهل، الغباء…وبالبحث عن عناوين تحمل “تكات” نجد كثيرا من الأفلام الناطقة بالأمازيغية وإن كانت تشفع “تكات” بمركبات إضافية، ومن هذه العناوين”:

“تكات نتروا “سيناريو وإخراج محمد أشينوي، و”تكات الوالدين” سيناريو عبد اللطيف بوشان، إخراج عبد الهادي بن جاعة، وفيلم “تكات ن تمازيرت” إخراج محمد بوكليد، و فيلم “تكات إيجلان”من إخراج مسعود بوكارن…واختيار العناوين المتخالفة يبعدها عن النمطية القاتلة للإبداع.

صراع الخير والشر

موضوع الفيلم موضوع مطروق في كثير من الأفلام الأمازيغية، لكن التكرار في الموضوعات لا يسلب الفيلم جماليته وطريقة المعالجة، ونعتقد أن الفيلم تمكن من أن يوصل إلينا رسالته بشكل لا يخلو من جمالية تتعلق بنوع اللقطات والمشاهد علاوة على أداء الممثلين، والموسيقى التصويرية وزاوية الكاميرا في التقاطها للأحداث.

ويطرح موضوع الفيلم صراعا بين الخير والشر، هذا الصراع المعروف في كثير من الأفلام التلفازية والسينمائية الوطنية والعالمية، ويتجسد عبر تصارع المواقف والسلوكيات التي تصدر من الشخصيات، التي تأتي متصادمة ومتصارعة ومتناقضة.

والصراع في فيلم “تكات” تجسد من خلال : أحمد وزوجته فاطمة الكارهان لـ (نادية)، والساعيان لطردها من المنزل، ويواجهما في المقابل عمها الذي يحاول الدفاع عنها مع السعي في إفشال خطتهما الشريرة، وقد تمكن من ذلك.

ومن أجل الشر قضى أحمد  مسيرة كانت رحلة كلها متاعب :تهديد، تزوير مقابل شيكات ستسبب في الاعتداء عليه، اقتراض وضياع المال المقترض في القمار، استدعاؤه لسجنه…وبموازاة محاولاته نجد امرأته المهددة المعاقبة لنادية والمدبرة للمكائد انتهت إلى عزمها بقتلها، وقد انكشف أمرها.

صراع سيطر على أحداث الفيلم حتى النهاية مما أضفى عليه نوعا من الإثارة ضمن حبكته الخطية التي انتهت بوضعية التصالح بين أفراد الأسرة بدل الانتقام المضاد.

نهاية غير متوقعة

تعتبر نهاية الفيلم محطة لا تقل أهميتها عن بدايته، فهي بؤرة ومركز ما تناثر من أحداث الفيلم، كما أنها تحدد المنتظر من صراع هذه الأحداث، وفي فيلم “تكات” جاءت النهاية مزدوجة، حيث تسامح أحمد وزوجته وأخته، في الوقت الذي وجد العم امرأته مغادرة بيته لكونه مهملا لها ولرغباتها الضرورية. هذا في الوقت الذي ننتظر العكس، فما قام به العم في سبيل المحافظة على حقوق ابنة أخيه اليتيمة يستحق الجزاء بدل العكس، بينما انتهى الأمر بالزوجين الشريرين بالتسامح والنجاة من عقوبة الحبس….ويبدو أن نهاية الفيلم تحتاج إلى نهاية تجعلها متوازنة مع المنتظر والمتوقع من نتيجة الأحداث.

وبصدد نهاية الأفلام، “يقول كاتب السيناريو خالد البدور إن الأمر لا يتعلق بقوة الفيلم أو ضعفه، والقصص الدرامية صنفت كلاسيكيا بين الكوميديا والمأساة في «المسرح الإغريقي»، وهناك أساليب مختلفة لسرد القصص في كلتا الحالتين، والنهاية المنطقية دائما هي رسالة تقول شيئا أساسيا في العمل الفني عموما والسينمائي خصوصا، والأفلام هي قصص عن البشر مختزله في ساعتين، وفيها نرى حياة الإنسان تمر خلال منعطفات أو أحداث مهمة، وبالتالي يجب أن يكون هناك قضية تطرح ونهاية يصنعها الكاتب والمخرج بالاتفاق، وعليهما أن يعرفا نهاية الفيلم قبل أن يشرعا في تنفيذه، ولا ترتبط النهاية من وجهة نظري بالحزن أو السعادة، بقدر ما ترتبط بالتأثير الأبعد من ذلك، وهي الرسالة التي يريد صناع الأفلام أن تصل إلى المتفرجين” 1.

إن الفيلم الأمازيغي مهما قيل عنه بناء ومضمونا فهو وسيلة تربوية ترسخ القيم الإنسانية، فالأفلام باختلاف نوعياتها تنبع مادة تشكيلها من الواقع المعيش، وما يجري فيه من أحداث وسلوكات بعضها إيجابي وبعضها سلبي، فهذا الفيلم على سبيل المثال، يضعنا أمام مصير المعتدي الذي يحتقر غيره دون استحضار توقعات قد تضر به ضررا قد لا يتحمله، ويضعنا أمام واجبنا تجاه اليتيم باعتباره المحتاج إلى المساعدة تعويضا لما ينقصه من جهة والديه المتوفين، عدم نسيان الاهتمام بالشؤون الشخصية بدل صرف الجهد والبذل من أجل الغير، وجب العناية والاهتمام بتوفير ضروريات المرأة، عدم الرضوخ لأوامر نتيجتها إيذاء الآخر، اعتبار الأخ شخصا لا يعوض، احترام أوامر وتوجيهات الكبار الذين اختبروا الحياة واختبرتهم…

بقلم: لحسن ملواني ـ كاتب مغرب

هامش:

1ـ أسامة عسل، نهايات الأفلام.. البعض يفضلها مفتوحة، البيان، بتاريخ: الثلاثاء، 18/1/2011 (12:00 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *