المصير المأساوي لـ«سوليم»
تدور أحداث فيلم «سوليم» الذي عرض في آخر حصة لعروض المسابقة الرسمية حول الشاب سوليم الذي أنهى دراسته الجامعية بالعاصمة وقرر العودة لمدينته كافيتا. وفي هذه الأثناء يتعرف على الشابة سيكا ويعشقها. وخلال عطلته ببلدته سيشارك سوليم في تحرير المجلة المسيحية التي تُصدرها الكنيسة الكاثوليكية بمدينته. وباقتراح من حبيبته سيكا سينشر قصة ظَنَّها في البداية من وحي الخيال ليكتشف بعد ذلك أنها قصة درامية حقيقية بها أحداث وشخصيات معروفة من طرف الجميع في بلدته.
وبعدما سيجد سوليم نفسه متورطا في هذه القضية رغما عنه، لن يجد بُدا من الهرب مع سيكا. وخلال هروبهما سيكتشف سوليم أنها حامل من أبيه الروحي الراهب بونوا. وفي حين ننتظر أن تنتهي قصة حبهما قبل أن تبتدئ حقيقة سيتخذ سوليم قرارا شجاعا بالوقوف مع حبيبته وحمايتها.
وستسير الأمور بشكل جيد إلى أن يموت أب سوليم بعد مرض عضال أَلَمَّ به، الأمر الذي سيُؤثر بشكل كبير على نفسية سوليم بحيث سيغرق في معاقرة الخمرة إلى درجة أنه سيفقد عمله، سيتهم بعد ذلك سيكا بكونها وراء كل ما وقع له.
فيلم «كالوشي» يستعيد جرائم الأبارتايد بجنوب إفريقيا
كان الجمهور الحاضر بالمركب الثقافي لمدينة خريبكة في إطار فعاليات مهرجانها السينمائي في دورته العشرين ليلة الجمعة 15 شتنبر 2017، على موعد مع الفيلم الجنوب إفريقي» كالوشي» للمخرج «ماندلا دوبي»، الذي اشتغل معه في السيناريو «ليون أوتو»، مدته 110 دقيقة، والمصنف ضمن أفلام دراما الرعب.
يستعيد الفيلم قصة المناضل سولومان ماهلونكو، الذي كافح من أجل الحرية مناضل من السود حوكم خطأ بجريمة قتل عام 1977، سنتين بعد ذلك سيتم إعدامه شنقا، وهي قصة حقيقية لما وقع في إطار جرائم شنيعة عرفتها جنوب إفريقيا ضد السود منذ منتصف القرن العشرين إلى بداية التسعينيات منه، وهي السياسة التي عانى من ويلاتها نيلسون مانديلا، انتظر ماندلا دوبي أربعين سنة، وهي عمر المهرجان كذلك، لإخراج هذا الفيلم الذي اشتغل عليه طويلا.
شارك فيلم ”كالوشي“ في العديد المهرجانات السينمائية داخل جنوب إفريقيا وخارجها، ونال عدة جوائز منها جائزة (النيل الكبرى) لأفضل فيلم طويل في مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته السادسة 2017.
«فيليسيتي».. عشق للحياة ورثاء للحزن
بعد أن شارك منذ بضع سنوات بفيلمه «الآن» ذو الطابع الروحاني والشاعري في إحدى دورات مهرجان خريبة للسينما الإفريقية يعود المخرج السينغالي ألَان غوميز مرة أخرى في الدورة الحالية بفيلم قوي وجميل موسوم بـ«فيليسيتي».
ويستمر غوميز في الغوص في خبايا النفس البشرية والنَّبشِ في معاناتها ليُقدِّم لنا فيلما جميلا تقع لحظاته في الحدود الفاصلة بين الحزن الشفيف والسعادة الغامرة، وقد يُضِيعنا كمشاهدين في بِضع مشاهد تقع بينهما، بحيث لا نعود ندري أهو يُغنِّي للفرح والسعادة وحب الحياة أم هو يَرثِي ويناجي الحزن الجميل والروحاني الذي يصل بصاحبته هنا في هذا الفيلم لأقصى درجات التجلي والهيام في عالم الحلم والخيال الذي يصير لها بديلا ومنقذا من قساوة الواقع ونكران الناس حتى الأقرباء والأحباء منهم.
فيليسيتي إمرأة شابة قوية الشخصية تمتهن الغناء في أحد الملاهي، ولَمَّا تقع لابنها البالغ من العمر 16 سنة حادثة سير خطيرة تضطر لقصد عدد من أفراد عائلتها وبعض من معارفها طلبا للمال حتى تتمكن من إجراء عملية جراحية له، لكن ما أن تنجح في ذلك وقد أَذَلَّت نفسها في سبيله أقصى درجات الذُّلِّ وتصل للمستشفى حتى تُفاجأ بخبر بَترِ رِجل ابنها الذي تدهورت حالته الصحية ووجب أن تُجرى له تلك العملية…
«فيليسيتي» ليس من بين الأفلام التي يمكن تلخيصها في جُمل وكلمات، لأن الأساسي فيه هو الشكل السينمائي الذي اختاره مخرجه والذي يرقى به لتلك الأفلام الجميلة التي تدع فينا بصمتها كمشاهدين بعد زمن من مشاهدتها، بخلطها بين ماهو وثائقي وله علاقة قاسية بالواقع واليومي بكل تفاصيله وبين ماهو شاعري، وقد استطاع ألان غوميز أن يُوفِّق ويجمع بين هذين الأسلوبين اللذين قد يبدُوَان مُتنافرين وينتميان لمدارس سينمائية مُتباعدة في بَوثَقَة واحدة جعلت من شكل الفيلم وموضوعه لُحمة واحدة رغم السَّردِ المتشظي الذي اختاره لها.
الفيلم عبارة عن أنشودة تُمَجِّد الحياة وتدعو لعيشها، إذ رغم كُلِّ الصعاب التي تتخللها فهي تظل جميلة وتستحق أن تُعَاش حتى آخر لحظة منها. فالمخرج وحتى في أقسى اللحظات التي تعيشها البطلة يجعلها مُحاطة بأجواء الفرح وبِأُناس شغوفين بالحياة ويُحبُّونَها بكل ما أوتوا من شغف وعشق. وشخصية عشيق فيلسيتى «تابو» خير مثال لهذه الحالات، هو الذي ظل مرافقا لها ولابنها في أحلك اللحظات التي مرَّت بها واستطاع بإنسانيته وخِفَّةِ دمه أن يُعِيدَ للشاب الذي فقد رجله بسمته بعد أن غرق في حزن قاتل فقد معه شهية الأكل والحياة معا.
هل تهُب «العاصفة الإفريقية» من البنين؟
ضمن أفلام المسابقة الرسمية، شاهد الجمهور فيلم «العاصفة الإفريقية: قارة تحت النفوذ» من دولة البنين (إنتاج 2017). الفيلم من إخراج سلفستر أموسو الذي لعب أيضا دور رئيس جمهورية متخيلة سمّاها «تانكارا»، والذي كتب أيضا السيناريو بتعاون مع بيلتو ساندرين وبيير صوفيل. يتخذ الرئيس قرارا بتأميم كل وسائل الإنتاج التي أنشأها الأجانب، قرار سيعصف بأمن واستقرار «تانكارا»، حيث تتحرك القوى الممثلة للمصالح الأجنبية من أجل عرقلة عملية تنفيذ قرار التأميم. الفيلم يسلط الضوء على واقع الاستغلال الذي تعانيه القارة السمراء كقارة غنية بالموارد الطبيعية التي تسيل لعاب الطامعين. تطرق الفيلم أيضا إلى لعبة استخدام وسائل الإعلام في تزييف وعي الناس، فالمراسل الأجنبي كان يقدم تقارير مغلوطة حيث بين من خلالها أن الشعب يعارض سياسة الرئيس ويتظاهر من أجل إسقاطه.
في حديث له مع «بي بي سي نيوز» أكد سلفستر أموسو أن فيلمه «العاصفة الإفريقية» ليس موجها ضد الأوروبيين بل موجه ضد حكومات الدول التي تستغل ثروات وشعوب إفريقيا، معتبرا أن القضية التي يتناولها في فيلمه لم تتطرق إليها الأفلام الإفريقية إلا فيما ندر، حيث انشغلت معظم أفلام السينمات الإفريقية بإبراز الوجه البائس للإنسان والمجتمع الإفريقي. وهي دعوة واضحة من المخرج إلى زملائه السينمائيين الأفارقة بضرورة التوقف عن صناعة أفلام تستجيب لانتظارات المنتجين والمانحين الأجانب. هؤلاء يريدون أفلاما إفريقية تكرس الصورة النمطية حول البلدان الإفريقية التي لم تتخلص بعد من «بدائيتها واستغراقها في طقوس السحر والشعوذة».
هل تستطيع هذه البلدان الإفريقية التحرر من تبعيتها للمستعمر القديم وتضمن استقلاليتها الاقتصادية والسياسية؟ هذا سؤال قديم- جديد يطرحه فيلم «العاصفة الإفريقية»، ويذكرنا بفترة نضال شعوب العالم الثالث من إجل استقلاليتها وتحررها خلال الستينيات وأوائل السبعينيات. هل يمكن أن تتحقق هذه الاستقلالية؟ جواب الفيلم : نعم. هل هو مجرد حلم؟ لا يهم.أليست السينما فضاء للحلم بامتياز؟
فيلم «حياة».. نظرة ما على المجتمع المغربي
عُرض ضمن عروض المسابقة الرسمية للمهرجان الفيلم المغربي الوحيد المشارك في المسابقة «حياة» للمخرج رؤوف الصباحي، والذي تدور أحداثه داخل حافلة للمسافرين تقطع المغرب من شماله إلى جنوبه وداخلها شخوص متناقضي الأمزجة والتركيبات النفسية والمستويات الطبقية والاجتماعية والمعرفية والثقافية.
وكأننا أمام «ميكروكوزم» مُصغر للمجتمع المغربي بتركيباته المُتصاهرة والمتصالحة تارة والمتنافرة تارة أخرى.
شخصيات من بينهم الحداثي المتفتح على قيم الحداثة والاختلاف واحترام الآخر مهما كانت قناعاته، والذي قَصَدَ أوروبا من أجل دراسة الفلسفة ليجد نفسه مضطهدا ويظل هنالك لسنوات طويلة، لنتابعه في هذه الرحلة عائدا لديار الوطن والحنين إليها يُمزق دواخله.
وهنالك الفتاتان العائدتان من المهجر أيضا، الأولى المستهترة والقريبة من كونها عاهرة، فيما الثانية رغم مرورها بنفس التجربة تتعفف عن تكرارها لأنها لم تفعل ذلك قبلا سوى لأسباب مادية قاهرة.
ثم هنالك شخصية الشيخ المتصابي، المتزوج من ثلاث نساء والطامع في إضافة رابعة شابة لتُحيِي فيه شبابه الضائع وعظامه الرميم، ليُفاجأ عند نهاية الرحلة بزوجاته الثلاث يُنغِّصنَ عليه لحظة اللقاء الحميمة بحبيبة القلب.
شخصيات أخرى تستقل الحافلة أهمها شخصية الإسلامي المتشدد الذي يُنَغِّصُ على الركاب حياتهم ويتدخل في كل كبيرة وصغيرة فارضا وجهة نظره المُتَشدِّدة والمُجانِبَة لطبيعة الأشياء والكارهة لمباهج الحياة على الآخرين رغما عنهم، ليجد نفسه في آخر المطاف محتاجا لمساعدتهم حينما ستضطر زوجته للولادة داخل الحافلة ليجد نفسه مرغما للقبول بأن تتم العملية على يد طبيب رجل رغم معارضته الشديدة في بادئ الأمر ليتغلب منطق الحداثي العقلاني في آخر المطاف.
وهكذا نتابع كل هاته الشخوص وأخرى، وماتكاد الحافلة أن تصل حتى يتسبَّبَ السائق المتهور واللا مبالي منذ البداية في انقلابها.
فيلم «حدود» للمخرجة البوركينابية باولين طراوري
«رود موفي» اجتماعي
افتُتِحت المسابقة الرسمية لأفلام الدورة العشرين لمهرجان خريبكة للسينما الإفريقية بفيلم «حدود» للمخرجة البوركينابية أبولين طراوري.
وينتمي هذا الفيلم لنوعية «أفلام الطريق»، حيث نُتابع فيه أربع نساء ينتمين لأربع دول إفريقية ينطلقن من السينغال في اتجاه نيجيريا، ليتجاوزن حدود خمس دول إفريقية هي السينغال، مالي، البنين، بوركينا فاسو ونجيريا، خلال سبعة أيام في سَعيِهِنَّ وراء لقمة العيش، مُكافِحات ضد الغُبن الذي يُمارس عليهن، وواقفات بشجاعة حتى آخر لحظة من الفيلم في وجه الظروف الصعبة جدا التي تتخلل رحلتهن من أجل إثبات كينونتهن كنساء قادرات على الوصول للاستقلال المادي بل أيضا على إعالة أسرهن وأبنائهن رغم كل المُعيقات والصعوبات.
نساء من طينة خاصة لاينهزمن ولا يستسلمن لإكراهات الحياة والسلطة الفاسدة في البلاد التي يَمرُرنَ بها.
نتابع في فيلم «حدود» بداية إمرأة سينغالية شابة تُكَلَّفُ من طرف جمعية نسوية تنتمي إليها بالذهاب إلى مدينة لاغوس بنيجيريا قصد شراء سِلَع سيتم الاتجار بها في السينغال. لكن السفر الذي كان من المفروض أن يَمُرَّ بسلاسة انقلب لعكس ذلك تماما. وهكذا ستلتقي الشابة في رحلتها بثلاث نساء أخريات واحدة من الكوت ديفوار والثانية من بوركينافاسو والثالثة من نيجيريا، لتقوم النساء الأربع بسفر مليء بالمصاعب والمعيقات مساندات بعضهن البعض ومُلتَحِمات ضد الظلم بشكل جميل جدا.
تناولَت أبولين طراوري في فيلمها «حدود» قضايا صعوبة التنقل بين حدود دول غرب إفريقيا رغم الاتفاقيات الموقعة بين هذه الدول والتي تَنُصُّ على عكس ذلك تماما، إضافة لقضايا الرشوة والمحسوبية والاغتصاب. وقد كان قالب نوع فيلم الطريق Road movie جد مناسب للتيمة التي اختارت المخرجة تناولها، إذ مَكَّنها من جمع عينات متفرقة من نساء لايُمكنُ أن يَجمَعهُنَّ سوى سفر مثل الذي صورته في فيلمها. واستطاعت من خلال هاته العينات اللواتي كُتبن بشكل جيد، بحيث صرن على الشاشة نساءا من لحم ودم، تصوير حالات نسائية من الواقع الإفريقي المُرِّ والذي تُناضل فيه النساء من أجل الحفاظ على كرامتهن.
كانت الممثلات الأربع جد متفوقات في أدائهن لأدوارهن بحيث أنهن تقمصنها بحب ومهنية وأوصلنها للمُشاهد بشكل جيد ومتميز.
وقد كان الفيلم مناسبة للمخرجة كي تصوِّر في عديد من لحظاته مشاهد شاعرية لطبيعة إفريقيا الجميلة وكأنها قصدت بذلك مقابلة هذه الفضاءات الجميلة بواقع قبيح ومُرّ وضاغط على الناس.
فيلم N.G.O يحذر من خطورة استثمار الصورة في زمن العولمة
تضمن برنامج العروض السينمائية المشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان السينما الإفريقية بخريكبة، عرض فيلم أوغندي معنون بـ«تنظيم غير قابل للتحكم» (N.G.O) لمخرجه أرنولد أكانزي، وهو في نفس الوقت كاتب السيناريو. فيلم ينقلنا إلى عمق القارة الإفريقية بمآسيها وهموم المنتسبين لها، بأسلوب استثمر فيه خصوصيات الإنسان والمجال الإفريقي. ركز المخرج طيلة 84 دقيقة كاميرته على مجموعة من الشبان، يعيشون محنة البطالة والهوس الجنسي، في وسط لازالت تتحكم فيه عادات وتقاليد محافظة، لكنهم يصرون على رفع التحدي حتى لتحقيق أحلامهم، ولو كان ذلك على حساب قيم الصدق والأمانة التي كان من المفروض أن تسود في ما بينهم. ولكي يكشف أكانزي عن فداحة ما يعيشه شبان أوغندا توسل إلى طريقة للسرد تعتمد على مقاطع أعطى لكل واحد منها عنوانا خاصا، وتيمة معينة، مع الاحتفاظ بنفس الشخصيات ونفس الموضوع.
لم يكتف المخرج بالعناصر الإفريقية في فليمه، بل لجأ إلى ممثلين أجانب ( بيض)، لإبراز الكثير من التناقضات وتوصيف خصوصية الذهنية الإفريقية التي أشار عبر حوار خاص بين الشبان في الحانة، أن خصوصيتها لا ترتبط باللون الأسود بقدر ما هي أسلوب حياة وطريقة للتفكير قد نجدها مجسدة في شخص ببشرة بيضاء، هذه الإشارات التي أبرزها المخرج في أكثر من اللقطة كانت موجهة للشخصية الأوربية التي يحيل بها على الاستعمار والغرب بشكل عام، ليؤكد أن العوالم خارج إفريقيا هي الأخرى موبوءة بالكثير من العقد والمشاكل يكرسها حب المال والاستغلال.
من الإشارات التي يمكن التقاطها في فيلم «N.G.O» ما يتعلق بخطورة الصورة وأساليب استغلالها وتوظيفها في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم، فمن خلال التقاط الشاب « تيفو» للصور في حيه، سيجد طريقه رفقة أصدقائه لاستغلال المحن والبؤس الذي تعيشه الأسر الأوغندية، خاصة تلك التي تعيش في ضواحي المدن وهوامشها. وهنا يمكن أن نحيل على ما ينشر حاليا من صور حول «ما يقع» في ميانمار، والنقاش الذي خلقته تلك الصور على المستوى العالمي، فالصورة أصبحت سلاحا يوظف الكل من دول وأفراد وهيئات.
إن انطلاق أكانزي من الهاتف وآلة تصوير قديمة نوعا ما، يحيل على أن المشكل ليس وليد اليوم، لكنه عاد ليؤكد استمراره وتزايد حدة خطورته من خلال استحضاره في العديد من المشاهد للمصور الأمريكي المحترف، الذي جاء خصيصا لإنجاز تقرير مصور حول مشاريع يعتقد المانحون الأمريكيون أنها حقيقية، لكن المفاجأة التي انتهى إليها الفيلم أن الأمريكي وإن كان في مهمة رسمية، إلا أنه انخرط في تزييف الواقع وتقديمه بشكل أكثر سوداوية لأنه موضوع يستثمره للمزيد من الربح.
أختم هذه الورقة بنقطة تتعلق، بكون الرسالة التي خلص إليها الفيلم تتمثل في كون الفقر الذي تعيشه الطبقات المهمشة والمقصية سببا في كل الأوبئة الاجتماعية التي تعيشها الشعوب الإفريقية، فكلما حرم الإنسان من ضروريات الحياة من أكل وشرب وتعليم في المستوى، كلما كان لقمة سائغة في يد المتلاعبين بمصيره للحصول على مصالح شخصية، قد تكون في بعض الأحيان زائفة.
«وولو»، إدانة لتهميش الشباب وللسلطة الفاسدة
يدخل فيلم «وولو» الأول لمخرجه المالي داودا كوليبالي ضمن أفلام العصابات، إذ يجد له مرجعية في أفلام كـ«الأصدقاء الطيبون» (1990) لمارتين سكورسيزي و«العراب» (1972) لفرانسيس كوبولا، وخصوصا في فيلم «الوجه ذو الندبة» (1983) لبرايان دي بالما والذي أدَّى فيه الدور الرئيسي آل باتشينو، بحيث يتشابه مسار الشخصية الرئيسية لادجي مع مسار طوني مونتانا المهاجر الكولومبي الذي يرتقي سلالم المجتمع عن طريق الجريمة المنظمة.
كان لادجي يعمل كسائق لشاحنة صغيرة للنقل لكنه يضطر بعد ذلك للبحث عن المال لإخراج أخته من عالم البغاء، ولتحقيق ذلك يشتغل مع عصابة لتهريب المخدرات بين مالي والدول المجاورة لها. ورغم كل المجهودات التي يقوم بها لادجي تظل أخته كما هي، لم يتغيَّر فيها سوى كونها انتقلت من الدعارة الرخيصة إلى الدعارة الغالية والمُكلفة.
ورغم محاولات لادجي للارتقاء اجتماعيا بمساعدة أخته إلا أن انتماءه لعالم الجريمة المنظمة يجعل الطبقات العليا ترفضه وتلفظه ولاتريد تزويجه ببناتها، حتى لو قبلت التعامل معه في أعماله المشبوهة. وهكذا يظل كالكلب الأجرب كما نعتته أخته ليموت في آخر المطاف منتحرا، وكما يَدُلُّ على ذلك العنوان «وولو» الذي يعني بلغة البمبارا الكلب.
يعالج الفيلم قضايا فساد الجيش في مالي وتورطه في عمليات تهريب المخدرات، وكيف أن الحركات الإرهابية في المنطقة تستفيد من تهريب المخدرات لتُمَوِّل عملياتها الإرهابية إضافة للفوارق الطبقية الكبيرة بين من يملك كل شيء ومن لايملك أي شيء. ويضع المخرج الأصبع على مشاكل الشباب في مالي الذي أُغلقت في وجوههم سبل العيش الكريم ولم يَعُد لهم من حل سوى اللجوء للأعمال غير المشروعة والجريمة وتهريب المخدرات لكسب لقمة العيش وتحسين وضعهم المادي. فالفيلم لايدين هؤلاء بقدر مايُدين السلطة والجيش الفاسدين واللذين تحالفا مع أباطرة الجريمة وزعماء الحركات الإرهابية ليزدادوا ثراء أكثر من ثرائهم وليبسطوا سلطتهم الغاشمة على الشعب المطحون.
شخصية لادجي التي أدَّاها المُمَثل إبراهيم كوما باقتدار تُمثل شخصية البطل السلبي الذي رغم كل الجرائم التي يرتكبها إلَّا أننا لا نكرهه كمشاهدين ولانُحاكمه لكونه انطلق من أهداف نبيلة ليصل إلى ماوصل إليه من تَدَنّ وحقارة لدرجة سيقتل معها زميله.
ومن خلال مشاهد تُكَسِّرُ السَّردَ الفيلمي لفيلم «وولو» نشاهد باستمرار عمليات ذبح وقتل في المذبح لبقرات يَمُتنَ بشكل بطيء ومُؤلم وبشع، كناية عما يحدث للبطل ومن خلاله لجيل من الشباب في مسارهم المأساوي الذي لم يُخططوا له نهائيا.
«يوم للستات».. شخصيات مهملة في فضاء مهمل
«يوم للستات» هو الفيلم المصري المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة في دورته العشرين. الفيلم من تأليف هناء عطية وإخراج كاملة أبو ذكري وبطولة جماعية لـ إلهام شاهين ومحمود حميدة وفاروق الفيشاوي وناهد السباعي وأحمد الفيشاوي وهالة صدقي. في الفيلم تجد كل القضايا التي يعيشها الناس في الأحياء الفقيرة ويتخطى ذلك إلى الأحياء بشكل عام في مصر.
تدور الأحداث خلال أسبوع واحد من عام 2009. نساء فيلم “يوم للستات” يعشن فى حارة عشوائية، يعانى أهلها الفقر والتخلف والإحباط وكافة أشكال الإهمال. تقرر الحكومة إنشاء“حمام سباحة” فى مركز الشباب التابع للحى، وتخصص يوم الأحد للسيدات. يستحيل أن تفكر امرأة شعبية في الاقتراب من حمام السباحة إلا لو كانت تريد مرافقة أطفالها الصغار للسباحة.
يقدم الفيلم نماذج لشخصيات متنوعة وأحيانا متنافرة، لكن ما يربط بينها هو فكرة الضياع، فكل شخصية ضاع منها شيء ما لا يمكن استرداده. تحكى شامية “إلهام شاهين” بعضًا من مغامراتها أيام عندما كانت تقف عارية أمام الرسامين أحيانا، دون أن تسمح لهم بمعشرتها جنسيا، وتعشق رجلًا “محمود حميدة”هو حلم حياتها، وقد قررت أن تنتظره لآخر العمر. شامية التي تعيش حياة متحررة من ضوابط الحارة، فهي تدخن وتشرب الخمر. نيللى كريم، بملامح حزينة منحوتة، تعيش منكسرة بعد وفاة ابنها غرقا فى حادث العبارة، وهى لا تكف عن البكاء والشرود، وتتذكر طفلها الغريق كلما استمعت إلى صوت طفل، ولذلك تتجاهل حب بهجت «إياد نصار» مشرف نادى السباحة الذى يكتفى بالبوح عن مشاعره من خلال رسائل على الهاتف، وبعد تجاهلها له، لا تجد مفرا من الارتماء في حضنه.
الفيلم يكشف لنا قدرة البسطاء والمهملين على الفرح بما تتيحه لهم الحياة من أشياء صغيرة. عزة «ناهد السباعي» تفرح بشرائها لمايو السباحة، وتفرح بأكلة كنتاكي، وتفرح حد الدّوار باختطاف قبلات سريعة مع أحمد داود. عزة تكشف عن جانبها ال عزة «ناهد السباعي» تفرح بشرائها لمايو السباحة، وتفرح بأكلة كنتاكي، وتفرح حد الدّوار باختطاف قبلات سريعة مع صديقها الميكانيكي «أحمد داود». عزة تكشف عن إنسانيتها النبيلة في اعتنائها بجدتها.
أحمد الفيشاوي في شخصية المتشدد دينيا، حيث يظهر في إحدى المشاهد وهو يحاول استغلال عزة جنسيا، إذ يبدأ في تقبيلها عنوة، لكنها تصدة بقوة، وحين ييأس من نيل مراده،يتهمها بأنها تمارس الرذيلة مع صديقها الميكانيكي. يتهم أهل الحارة بالكفر ويعيب على والده «فاروق الفيشاوي» تبديد أمواله على الحشيش والخمر بدل الحج.
«يوم للستات» فيلم أراد له صانعوه أو صانعاته بالأحرى أن يكون فيلما نسائيا، لذلك نرى ف مشاهد معينة كيف يُنظر إلى الرجل على أنه الخصم الأبدي اللدود، لاحظ مثلا المشهد الذي نعلم فيه بسرقة ملابس النساء في المسبح من طرف رجالهن، وكيف أنهن بدورهن سرقن ملابس رجالهن، حيث يظهرون في الحارة بملابس السباحة، وهم يركظون تحت مياه عفنة وساخنة تسقط عليهم من أعلى.
قطار السكر والملح
عندما يولد الحب من رحم الحرب
«الحرب تجعل القبيح أكثر قبحاً، والضعيف أكثر هشاشة، والجبان أكثر جبناً، بيننما القادة يصبحون أقوى»، هذا ما جاء على لسان إحدى شخصيات الفيلم. فالحرب تكشف انحطاط النفس البشرية من جانب أول، كما تكشف نبل المشاعر الإنسانية من جانب ثان. الجانب الأول تمثله شخصية الجندي «سالوماو»، فهو ضابط شجاع، وهذا ما ساعده على الترقّي، لكنه شخص متعجرف، يتباهى بقوته، قاس، شهواني، لا يأبه لمشاعر الآخرين. يتضح ذلك من خلال انتزاعه امرأة من زوجها وإرغامها على ممارسة الجنس معه تحت تهديد السلاح، حيث لا يستطيع الزوج الخائف الدفاع عن زوجته. كاميرا المخرج تعبر ببلاغة عن مشاعر مؤلمة يختبرها الزوج المُهان. الرسالة واضحة: الحرب تسحق إنسانية الإنسان.
الجانب الآخر تمثله شخصية «تايار»، الجندي المتنور الذي يحمل بداخله الكثير من النبل رغم ما عاشه خلال سنوات الحرب. نراه يدافع عن الزوج المغلوب ضد «سالوماو»، مطالبا بإحقاق العدل. فالحرب لم تأخذ منه مقومات إنسانيته، لأنه ظل قادرا على الحب. فهل يولد الحب من رحم الحرب؟
تنشأ قصة حب رقيقة بين تايار (ماتامبا جواكيم) وروزا (ميلاني دي فالز رفاييل)، وهي ممرضة شابة جميلة. تحضر في الفيلم كرمز لقيم الحنان والقوة والحساسية التي تلعبها النساء في أوقات الحرب، حيث نراها تضمد جروح المصابين وتساعد امرأة من ركاب القطار أثناء ولادتها. يتوقف القطار بسبب انفجار لغم تم زرعه من قبل المقاومة الوطنية الموزمبيقية (رينامو) فتكون فرصة سانحة ليبتعد الحبيبان عن باقي الركاب، هنا تطلب روزا من حبيبها «تايار» أن لا يبتعدا كثيرا لأنها خائفة، وكأنها تتنبأ بالنهاية الوشيكة لقصة حبهما، أي مقتل «تايار» بنيران صديقة. لماذا يعجز الطيبون والأخيار عن درء قوى الشر المدمرة؟
الفيلم يحكي معاناة شعب إفريقي يسعى إلى التحرر من الحرب والظلم والجوع، وما استخدام المخرج للقطار إلا دلالة على رغبة قوية للإنسان الموزميقي- الإفريقي في الانتقال إلى مرحلة السلم والكرامة.
جدير بالإشارة أن أحداث فيلم «قطار السكر والملح» تجري خلال الحرب الأهلية التي عاشتها الموزمبيق في في الفترة من 1977 إلى 1992 وبالضبط سنة 1989 بين جبهة تحرير الموزمبيق (فريليمو) والمقاومة الوطنية الموزمبيقية (رينامو)، حيث يخاطر مئات من الموزمبيقيين بحياتهم في رحلة على متن قطار متهالك، من الشمال إلى الحدود الغربية للبلاد، بُغية مقايضة الملح بالسكر، برفقة كتيبة عسكرية مكلفة بحمايتهم ومواجهة أي هجوم من قوات رينامو.
إضافة إلى جمالية المشاهد التي تصور المناظر الطبيعية الأخاذة على امتداد رحلة القطار، يقدم الفيلم ممثلة موهوبة وواعدة هي ميلاني دي فالز رفاييل التي جسدت شخصية (روزا) والتي قدّمت أداء احترافيا رغم حداثة سنها. نهاية الفيلم جاءت متناغمة مع طبيعة الحرب. الحرب تترك ندوبا في النفس البشرية. الحرب لا تميز بين الأخيار والأشرار. الجميع معرضون للاكتواء بلهيبها. نهاية قال عنها المخرج أنها قد تكون صادمة للبعض نظرا لموت البطل(تايار) الذى أحبه الجميع، ولكنه قصد تقديم الفيلم بهذا الشكل ليعبر عن حقيقة العالم الذى نعيش فيه، فهو لا يؤمن بالنهايات السعيدة.
«نحبك هادي»
ويبقى السؤال: لماذا تذبل زهور الياسمين سريعا؟
« نحبك هادي» فيلم تونسي يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان السينما الإفريقية في دورته العشرين. الفيلم من تأليف وإخراج محمد بن عطية، وإنتاج درة بوشوشة، وبطولة مجد مستورة، ريم بن مسعود، صباح بوزويتة، أمنية بن غالي.تدور أحداث الفيلم حول هادي «مجد مستورة». شاب تونسي هادئ ووديع، من أسرة قيروانية تقليدية. يعمل هادي مندوبا للمبيعات في شركة سيارات فرنسية معروفة. خلفية الأحداث تتمثل في ما سُمي بثورة الياسمين في تونس التي أنهت حكم زين العابدين بنعلي سنة 2011. هل يشكل الفيلم إدانة للثورة حينما يبرز لنا مظاهر الحالة الاقتصادية الآخذة في التدهور تدريجيا؟ يتجلى ذلك من خلال تراجع وضع السياحة، حيث نرى الفندق الذي ينزل فيه هادي وهو شبه فارغ من النزلاء، كما نرى شبابا يرزح تحت وطأة البطالة، لذلك يغبطون هادي على عمله رغم أنه يبهدل نفسه كمندوب تجاري لا ينجح في إقناع أحد بالاهتمام بعروض السيارات.
هادي يبدو كنموذج للخضوع والامتثال أمام أم متسلطة، تفكر له وتقرر له وتتصرف بدلا عنه. إنها تلغي كينونته المستقلة وتصادر حقه في أن يكون ما يريد وأن يحقق ذاته. ورغم أن اسم هادي يحيل إلى معنى الهدوء والاستكانة والسلام الداخلي، فإن العكس هو الصحيح؛ فبطلنا يعيش صراعا داخليا يجعله متمزقا بين الاستكانة للأم كرمز لسطوة التقاليد وقيم المحافظة، ما يجعله ظلا للآخرين أو الجرأة والتمرد وامتلاك كينونته الحرة والمستقلة. هادي يعاني ألما نفسيا مريرا، لأنه يعيش حالة ضياع، فهو لم يستطع أن يثبت ذاته سواء في عمله أو في حياته الخاصة والعائلية أو في اختياراته العاطفية ( رفض إتمام مراسيم زواجه من الفتاة التقليدية خديجة، ولم يذهب في عشقه لـ ريم إلى أبعد مدى) ولم يحقق حلمه بأن يكون رساما ساخرا متمردا
يكشف لنا الفيلم حالة التمزق عند هادي في عدم جرأته على الحسم بين الانشداد إلى شخصية الأم المتشبعة بتقاليد مجتمعية موروثة، حيث تعتبر أن الحياة المثالية هي الحصول على عمل يُدرّ دخلا كافيا والحصول على زوجة لتأسيس أسرة، مع ما يقتضيه ذلك من تنازل عن أحلام تحقيق الذات، أو الارتماء في أحضان عشيقته الراقصة ريم، وبالتالي التمرد على حراس التقاليد والتحليق بجناحيه الخاصين في سماء التحرر وملاحقة أحلامه حيثما أخذته.
ترتب الأم – والابن الأكبر السابح في فلكها- إجراءات الزفاف. تحضر العروس وأهلها لكن هادي لا يحضر. تذهب الأم والأخ الأكبر إلى الفندق حيث يقيم، حيث يجدانه على شاطئ البحر مع حبيبته ريم في مشهد ليلي يظهرهما من الخلف وهما يقابلان البحر في امتداده واتساع أفقه. هنا يوقّع المخرج مشهدا بديعا، يمكن إدراجه ضمن ما يسمى بـ المشهد الإجباري master scene، حيث تحدث مواجهة بين الأم وابنها هادي بحضور الأخ الأكبر، هنا يصفع هادي أمه (بالمعنى الرمزي) بإعلانه العصيان لسلطتها وتحكمها في حياته، وفي قمة صدمتها، ترد الأم الصفعة لـ هادي الذي خذلها لأول مرة في حياتها.
جاءت نهاية الفيلم مربكة إلى حد ما. فعندما اختار هادي مغادرة البلاد والسفر إلى الخارج مع حبيبته ريم، يتراجع عن السفر حيث ينتهي الفيلم وبطلنا على وشك قطع طريق مزدحمة. هل يقطعها بسلام ويمر إلى الضفة الأخرى؛ حيت الربيع الحقيقي المزهر بالحرية والديمقرطية والكرامة أم الربيع الزائف حيث تذبل أزهار الياسمين؟
صباح بوزويتة تميزت في دور أم متسلطة لا تتورع عن صفع «طفلها» ذي الخامسة والعشرين من عمره. ريم بن مسعود فراشة ترقص على إيقاع حب الحياة. نجحت في التعبير عن مشاعر الضياع التي تؤلمها رغم تظاهرها بالمرح. محمد بن عطية أبان عن كعبه العالي في السينما التونسية بعمل أول توفرت فيه جميع شروط النجاح.
إعداد: محمد زروال – عبد الفتاح بن الضو – عبد الكريم واكريم