الرئيسيةالسينما المغربيةفيلم ربيع للمخرج زكرياء الخراط يواصل حصد الجوائز ويجذب الأنظار في المهرجانات الوطنية والدولية

فيلم ربيع للمخرج زكرياء الخراط يواصل حصد الجوائز ويجذب الأنظار في المهرجانات الوطنية والدولية

الفيلم القصير «ربيع» لزكرياء الخراط

يقدّم الفيلم المغربي القصير «ربيع»، للمخرج والسيناريست زكرياء الخراط، تجربة إنسانية مكثّفة رغم مدّته التي لا تتجاوز اثنتي عشرة دقيقة. يختار المخرج مزج الرسوم المتحركة الثنائية الأبعاد بالمشاهد الواقعية المصوّرة بدقة، ليبني لغة بصرية خاصة تمنح الفيلم هوية لافتة تجمع بين الحلم والواقع. ويشارك في هذا العمل كل من يوسف برزگان وفاطمة بوجو، ضمن إنتاج لشركة «لواشون».

يحكي الفيلم قصة شاب في الثامنة عشرة يُدعى ربيع، وُلد في ظروف قاسية داخل بيت دعارة، قبل أن يُلقى به مباشرة بعد ولادته في حاوية نفايات. يكبر ربيع وهو يحاول فهم معنى الانتماء وسط مجتمع يحمّله وزر ماضٍ لا يد له فيه. هذه الخلفية تُقدّم شخصية هشّة تبحث عن الاعتراف، وتواجه عالمًا لا يمنحها سوى الرفض والصمت.

على المستوى الإخراجي، يُوظّف زكرياء الخراط استيطيقا الكابوس لتجسيد الاضطراب الداخلي للبطل. تتحول الأحلام إلى مساحة مشوّشة وثقيلة، تعكس ما يعجز الواقع عن كشفه. هنا يلعب المزيج بين الصورة الواقعية والرسوم المتحركة دورًا أساسيًا، بحيث تبرز الأخيرة عمق الجرح النفسي لربيع عبر خطوط بسيطة وألوان داكنة تصنع عالمًا رمزيًا يكمّل السرد السينمائي. كما ينجح المونتاج في الانتقال السلس بين لقطات الحلم واليقظة، فيما يخلق الصوت — بصمته المقصودة وضجيجه الخافت — جوًا خانقًا يضيّق الخناق على المتفرج كما يضيّقه على الشخصية.

يحمل اسم «ربيع» بدوره مفارقة دلالية واضحة، إذ يرتبط الربيع عادة بالبدايات والنموّ، بينما يعيش البطل في «شتاء روحي» مستمر. إلا أن الفيلم يلمّح إلى إمكانية وجود «ربيع داخلي» مؤجَّل، يلوّح بوعد التجدّد حتى في أكثر البيئات قسوة. كما يشكّل القط الذي يرافق ربيع في المزبلة رمزًا مهمًا للهامش، وعنصرًا بصريًا يعكس العزلة والبحث عن مأوى ومعنى.

ولا يكتفي الفيلم ببُعده الرمزي، بل يسلّط الضوء على قضية اجتماعية حساسة في المغرب، تتمثل في الوصم الذي يلاحق الأطفال المولودين خارج إطار الاعتراف الاجتماعي. يجعل الخراط من شخصية ربيع صوتًا لفئة غالبًا ما تُهمَّش وتُحرم من أبسط حقوقها الإنسانية.

وقد حقق الفيلم حضورًا لافتًا في عدد من المهرجانات الدولية والوطنية، حيث فاز بجائزة أفضل سيناريو وجائزة أفضل ممثل (يوسف برزگان) في مهرجان القصبة الدولي للفيلم القصير بورزازات. كما حصل على الجائزة الرسمية في فئة “الأفلام المؤثرة” في جامايكا، إضافة إلى الجائزة الكبرى للدورة الخامسة والعشرين لمهرجان سيدي قاسم، إلى جانب جوائز أخرى في مهرجانات عربية ودولية.

بهذه العناصر، يقدم «ربيع» فيلمًا قصيرًا يوازن بين الحساسية الاجتماعية والابتكار البصري، ليخرج بعمل مؤثر يفتح نقاشًا حول الهوية والعدالة والإنسان الهامشي، ويؤكد أن السينما القصيرة قادرة على حمل أسئلة كبرى بلغة فنية متماسكة.

بشرى الموعلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *