في مشهد يعيد طرح سؤال الذاكرة السينمائية في زمن العولمة المالية، يجد استوديو وارنر براذرز نفسه مرة أخرى على طاولة البيع. الشركة التي أسّسها الإخوة وارنر قبل أكثر من قرن، وصنعت عبر أفلام مثل كازابلانكا والراحل والسيد غير المغفور له وسيدتي الجميلة جزءًا كبيرًا من تاريخ السينما العالمية، باتت اليوم مهددة بأن تصبح مجرّد “أصل مالي” آخر في لعبة الاستحواذات المتتالية.
من الصعب تخيّل المشهد السينمائي من دون وارنر براذرز، التي كانت وما زالت مرادفة للابتكار والجرأة. فمن هاري بوتر إلى سيد الخواتم وذا دارك نايت، مرورًا بمسلسلات شكلت ذاكرة التلفزيون مثل إي آر ونظرية الانفجار العظيم، تركت الشركة بصمتها على كل جيل من عشاق الفن السابع. وكما قال المؤرخ السينمائي الراحل روبرت أوزبورن: «كان يكفي أن ترى فيلماً لتقول: هذا إنتاج وارنر براذرز.»
لكن إعلان طرح الشركة للبيع، إلى جانب كيانات أخرى ضمن مجموعة “وارنر براذرز ديسكفري”، أثار استياء عميقاً في الأوساط الثقافية. فأن تُعامل مؤسسة بهذا الإرث وكأنها قطعة غيار في مزاد استثماري، يُجسّد كيف تُختزل الثقافة الشعبية اليوم في أرقام وصفقات. إنها ليست المرة الأولى: فالشركة تغيّرت ملكيتها ست مرات خلال ربع قرن، بين شركات اتصالات وإعلام وبرمجيات، في دورات من الطموح ثم الإخفاق.
من “دمج AOL” الذي وعد بـ”تكامل الأسطورة مع التكنولوجيا”، إلى “صفقة AT&T” التي قيل إنها ستضع الترفيه في قلب ثورة الاتصالات، وصولًا إلى اندماج “ديسكفري” عام 2021 الذي رُوّج له كـ”عودة الروح إلى القصة”، تتكرر الشعارات نفسها قبل أن تتبخر في مواجهة واقع السوق القاسي. واليوم، يُقال إن المالك القادم سيكون مختلفاً.
هناك من يرى أن استحواذ شركة “باراماونت” بقيادة ديفيد إليسون قد يكون أقل ضرراً من غيره، خاصة أن الأخير معروف بحبه للأفلام السينمائية الضخمة مثل توب غان والمهمة المستحيلة. وربما يشكّل التحالف بين شركتي العرّاب وكازابلانكا “زواجاً روحياً” أكثر انسجاماً من ارتباط وارنر السابق بعالم القنوات الوثائقية. ومع ذلك، تُذكرنا تجربة “ديزني” مع “فوكس” بأن “زواج الكبار” لا يعني بالضرورة الحفاظ على روح الفن.
عملياً، قد لا يتأثر الجمهور كثيراً بتغيير المالك: فالأرباح من بث الدارك نايت أو إعادة طبع غير المغفور له ستستمر بالتدفق بغض النظر عن الجهة التي تجنيها. لكن ثقافياً، المسألة مختلفة تماماً. إذ يتوقف مصير تراث وارنر براذرز على الطريقة التي ستُروّج بها أعمالها الكلاسيكية، وعدد المرات التي ستُعاد فيها إلى الضوء، ومدى احترام روحها في الإنتاجات الجديدة.
يبقى الأمل ألا يتحوّل اسم وارنر إلى مجرد شعار مهجور في رفوف التاريخ السينمائي. فبعد أكثر من قرن من صناعة الحلم، تستحق هذه المؤسسة أن تبقى حية، لا أن تُختزل في بند استثماري ضمن ميزانية شركة عملاقة. لقد قتلت وول ستريت الكثير من الأشياء الجميلة من قبل، فلعلها هذه المرة تُبقي على وارنر براذرز حيّة.
سينفيليا

