الرئيسيةالسينما المغربيةمسألة الهوية في فيلم “وشم الريح” لليلى التريكي

مسألة الهوية في فيلم “وشم الريح” لليلى التريكي

وشم الريح لليلى التريكي

تناولت المخرجة المغربية ليلى التريكي في فيلمها “وشم الريح” الفائز بجائزة لجنة التحكيم في الدورة 25 من مهرجان خريبكة للسينما الإفريقية، قضية الاندماج والهوية وأطفال الزواج المختلط، من خلال قصة شابة مغربية علمت بالصدفة أن أمها الأجنبية ليست متوفية كما تم إخبارها بذلك وهي طفلة بل مازالت حية ترزق، لتنطلق في رحلة البحث عنها بفرنسا ومن خلالها البحث عن هويتها الشخصية التي وقع فيها شرخ طارئ وغير متوقع.
خلال رحلات ذهاب وإياب الشابة بين المغرب وفرنسا، وبالتحديد بين طنجة وباريس، تتتبع المخرجة حيرتها وتوهانها وهي تطمح إلى نسج خيوط التعارف والتآلف بينها وبين أمها، لكن هذه الأخيرة ترفض التجاوب مع ابنتها في بداية الأمر قبل أن تتقبلها وتبوح لها، في لحظة درامية مؤثرة، بما ظلت تجهله طيلة حياتها من وقائع كانت سببا في الفراق بينها( الأم) وبين أبيها.
تؤجل ليلى التريكي الإعلان عن السبب الذي جعل أباها يعود بها إلى المغرب ويخبئ عنها وعن زوجته الثانية كل شيء عن ماضيه، إلى حين إشراف الفيلم على نهايته، بحيث تعترف الأم للإبنة أنها كانت السبب فيما أقدم عليه الأب، كونهما هي وإياه كانا يتعاطيان المخدرات الصلبة ويشربان الخمر بشكل مبالغ فيه، وفي إحدى حالاتها تلك نامت على طفلها ومات جراء ذلك، الأمر الذي جعل الأب يقرر مغادرة فرنسا والعودة بابنته إلى المغرب.
لم تدع المخرجة مهنة الشابة كمصورة فوتوغرافية تمر مرور الكرام، بدون أن تجعلها ذريعة لصناعة فيلم يتميز بلحظات متميزة من ناحية الصورة ومكوناتها الجمالية، خصوصا تلك التي صورت بمدينة طنجة حيث نوعت ليلى التريكي فضاءات التصوير، واختارت أماكنها بعناية فائقة.
وهكذا فقد كانت هنالك لحظات مميزة بالفيلم من ناحية بلاغة الصورة ودلالاتها ضمن دراما الفيلم ونسيجه الحكائي، مثل المشهد الذي تتماهى فيه الشابة مع أشجار عملاقة في فضاء غابوي، وحيث تجلس تحت جذع إحداها، وبين جذورها الممتدة في عمق الأرض وتضع يديها بينها وداخل التراب الذي زرعت وامتدت فيه، في إيحاء رمزي إلى أنها تحس بأن كيانها مازال متجذرا في تربة وطنها، وأن صدمة اكتشاف أن أمها فرنسية لن يغير شيئا من إحساسها ذاك. ثم المشهد الآخر الذي يغادر فيه الأب بيت الأسرة ويغلق الباب خلفه بعنف لتسقط قطعة “زليج” مزخرفة قديمة وعتيقة تزين جدار البيت، كناية عن بداية تصدع روابط الأسرة بعدما اكتشفته الإبنة وواجهت به الأب.
يذكرنا الفيلم في العديد من لحظاته بمفهوم الهوية عند أمين معلوف، والذي حدده في كتابه المثير للجدل “الهويات القاتلة”(1998)، حيث عرَّف الهوية الفردية بكونها ليست بالضرورة تابعة للهويات الجماعية المُنَمِّطَة للفرد، لكنها قد تتشكل من عدة روافد تتجاذب وتتكاثف لكي تُكَوِّن الهوية الشخصية للفرد، ويأتي معلوف في هذا السياق كمثال بمكونات هويته الشخصية، بحيث يعتبر نفسه لبنانيا وعربيا وفرنسيا في نفس الآن، وينفي أن يكون هذا باعثا على التشتت، بل تكاملا يغني الهوية الفردية.
وهكذا فحسب أمين معلوف ف”الهوية مؤلفة من انتماءات متعددة، ولكن لابد من التأكيد كذلك أنها واحدة، وأننا نعيشها بكليتها. فهوية الإنسان ليست سلسلة من الإنتماءات المستقلة، وليست “رقعا” بل رسما على نسيج مشدود، ويكفي أن ينتهك انتماء واحد لينفعل الإنسان بكل كيانه”.

عبد الكريم واكريم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *