يهدف هذا المقال إلى تقديم قراءة نقدية تحليلية لهذا المسلسل، من خلال تفكيك بنيته السردية، وتحليل شخصياته، ورصد القيم المضمرة فيه، وتقييم أثره الاجتماعي، خاصة في سياق تصاعد حوادث العنف بعد رمضان، وبعضها صدر عن نساء، مما يطرح فرضية التأثير غير المباشر للعمل الدرامي على السلوك المجتمعي.
1. بطاقة تقنية للمسلسل
العنوان: الدم المشروك
النوع: دراما اجتماعية
بلد الإنتاج: المغرب
سنة الإنتاج: 2025
مدة العرض: 30 حلقة (رمضان)
الموضوع المركزي: صراعات عائلية، إرث، انتقام، عنف رمزي وجسدي
الشخصيات المحورية: نساء قويات، رجال مخادعون، أبناء ضائعون بين الحقيقة والوهم
2. التحليل السردي والبنائي للمسلسل
أ. الخط السردي: المسلسل يعتمد على أسلوب التشويق والإثارة، من خلال:
– تعدد مستويات الحكي (flashbacks – confrontations – secrets)
– تقاطع القصص بين الشخصيات.
– بناء الحبكة حول مفاهيم الظلم والانتقام والعدالة الذاتية.
ب. اللغة البصرية والموسيقية:
– استعمال الإضاءة الداكنة لإضفاء طابع الغموض.
– الموسيقى التصويرية تخلق جوًا من القلق والانفعال المستمر.
– الكاميرا تركز على تعابير الغضب، الانتقام، الألم، ما يزيد من شحن المتلقي نفسيًا.
3. تحليل الشخصيات النسائية وديناميات العنف
أ. المرأة كفاعل مركزي في مسار الانتقام: تُقدم المرأة في المسلسل ككائن مجروح، لكنه يتحول إلى قوة انتقامية عارمة. تتبنى شخصيات نسائية – مثل “لبنى” و”نادية”- العنف كوسيلة لاسترجاع الحقوق أو مواجهة الخيانة.
ب. تغييب البدائل السلمية: لا يتم تقديم أي نموذج نسائي يلجأ إلى الحوار، القانون، أو التسامح. والخطاب المهيمن هو: “العدالة تُنتزع، لا تُطلب”.
4. القيم والرسائل: من التوعية إلى التطبيع؟
أ. خطاب مزدوج: المسلسل يحمل خطابًا ضمنيًا يُشرعن العنف كرد فعل مشروع على الظلم. وفي الوقت ذاته، يدّعي تقديم “نقد اجتماعي” للواقع المغربي، لكنه يفتقر إلى التوازن في المعالجة.
ب. التطبيع مع العنف: تُنتج كثافة مشاهد الضرب، الصراخ، المواجهات، نوعًا من “الاعتياد” على العنف. المتلقي، حيث قد يُعيد المتلقي، خصوصًا من يفتقد أدوات النقد، إنتاج هذا الخطاب في واقعه اليومي.
5. السياق المجتمعي وتأثير العمل بعد رمضان
تزامن بث المسلسل مع أجواء رمضان (الكبت، التوتر، الانفعالات المكبوتة)، ساهم في رفع تأثيره. إذ مباشرة بعد رمضان، سُجلت حوادث عنف بالسلاح الأبيض، خصوصًا وسط النساء، مما يفتح نقاشًا حول مسؤولية الدراما في تحفيز السلوك العنيف عند الفئات المتأثرة نفسيًا.
6. تقييم نقدي شامل
الإيجابيات:
– جرأة في طرح مواضيع حساسة.
– جودة فنية عالية من حيث التصوير والإخراج.
– تمثيل مقنع وشخصيات مركبة.
السلبيات:
– غياب البعد التربوي أو التوعوي.
– تركيز مفرط على العنف العاطفي والجسدي.
– تقديم نماذج نسائية مدمرة بدلًا من نساء قدوة صانعة للتغيير.
7. الإسناد النظري للدراسة
أ. نظرية التعلم الاجتماعي – Albert Bandura :تفترض هذه النظرية أن السلوك يُكتسب من خلال الملاحظة والتقليد، خاصة عند تكرار النماذج العنيفة في وسائل الإعلام.
وبالتالي فإن تكرار مشاهد العنف في المسلسل قد يُحدث ما يسمى بالتعلم بالملاحظة، حيث تتشرب الفئات الهشة، خصوصًا النساء المتأثرات نفسيًا، نماذج العنف كطريقة لتفريغ الغضب أو استعادة الكرامة.
ب. نظرية الاستخدامات والإشباعات – Katz & Blumler : ترى هذه النظرية أن الأفراد يتابعون وسائل الإعلام لإشباع حاجاتهم النفسية، مثل الترفيه أو التأكيد الذاتي أو الهروب من الواقع.
حيث نجد أن المرأة التي تشعر بالخذلان أو الظلم في الواقع قد تجد في بطلات المسلسل تعبيرًا عن طموحاتها المكبوتة، مما يُعزز شعورها بشرعية الانتقام أو العنف.
ج. نظرية التأطير الإعلامي – Erving Goffman : هذه النظرية تبرز كيف يمكن لطريقة عرض الأحداث أن توجه المتلقي نحو تبنّي رؤية معينة.
فالخطاب الدرامي لمسلسل الدم المشروك يُؤطر العنف كحق مشروع ورد فعل مفهوم، مما يُعيد صياغة العلاقة بين الضحية والجلاد، ويوسع دائرة التعاطف مع الفاعل العنيف.
د. نظرية تأثير الزرع – George Gerbner: تؤكد هذه النظرية أن التعرّض المكثف للمحتوى الإعلامي يولّد رؤية مشوهة للواقع، ويُضخم الإحساس بالخطر والعنف.
وقد يعتقد المتلقي، المستمر في مشاهد العنف العائلي في المسلسل، أن العنف هو القاعدة، وأن النجاة تتطلب الدخول في دوامة انتقامية مشابهة.
خاتمة
إن مسلسل “الدم المشروك” لا يعتبر عمل فني ترفيهي فقط، بل هو نص ثقافي يُسهم في تشكيل الوعي والسلوك الجماعي، وخاصة لدى الفئات المتأثرة نفسيًا واجتماعيًا. وإذا كانت الدراما تمتلك سلطة خفية على العقول، فإن المسؤولية تقتضي:
– إعادة النظر في الخطاب القيمي للأعمال الرمضانية بصفة خاصة والدرامية بصفة عامة.
– إدماج مختصين في علم النفس والاجتماع أثناء إعداد السيناريوهات.
– تشجيع الإنتاجات التي تروج لثقافة الحوار، التسامح، والعدل المؤسساتي بدل العنف الفردي.
إعداد: هشام فــرجــي