الرئيسيةالسينما المغربية“الليل حين ينتهي”..عقدة الأب وهموم السينما

“الليل حين ينتهي”..عقدة الأب وهموم السينما

الليل حين ينتهي للمخرج عبد السلام الكلاعي

في فيلمه التلفزيوني الأخير “الليل حين ينتهي”  الذي عرض في القناة الثانية “دوزيم” ضمن برامجها للموسم الرمضاني الحالي يتابع عبد السلام الكلاعي مسار مخرج سينمائي يعاني من عُسْر في كتابة سيناريو فيلمه الجديد بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على نجاح فيلمه الأخير واختياره للمشاركة في مهرجانات عالمية مهمة.

هموم السينما
وتتداخل مشاكل المخرج المهنية مع مشاكله الشخصية، كونه كان متزوجا بأجنبية تقرر العودة إلى موطنها وتصطحب ابنهما معها، فيما هو يصر على البقاء في المغرب، حيث يخبرها في حوار مشدود بينهما أنه لايتصور كيف يمكنه أن يعيش بعيدا عن بلده و يكتب ويعبر ويدافع عن مشاكله في نفس الآن. وكأن بالكلاعي يشير من طرف خفي لمجموعة من المخرجين والمخرجات المغاربة الذين يحاولون تناول مشاكل المجتمع المغربي وهم متغربون عنه ولا يعيشون وسط أهله ولا يعرفونه بالشكل الصحيح الذي يُمَكِّنُهُم من نقل هموم أناسه على الشاشة بصدق فني.
هموم السينما ومشاكلها حاضرة في مشاهد أخرى أيضا فالمخرج وهو يبحث عن منتج لفيلمه القادم يلتقي بواحد وما أن يشرع في سرد ملخص قصة فيلمه عليه حتى يقاطعه المنتج قائلا “الناس تقهرات وعيات من المشاكل، والناس كيمشيو للسينما وكيخسرو شويا ديال الفلوس باش يضحكو وينشطو ماشي باش يتنكدو” ويضيف قائلا :”أنا كنفتش على شي سيناريو يكونو فيه شي 5 ديال البيرسوناج يأديوهوم كوميدييين ووليدات لإنستكرام والتيكتوك وشي جوج بنيات يكون عندهوم لي فانز بزاف ونديرو شي سولد آوت معقول، واش قادر تكتب على هادشي؟” فيجيبه المخرج “أنا أصنع أفلاما بها قضايا ومشاعر، كَنْدِيرْ الفن وديكشي دلبيع والشرا مكنفهمش فيه”.

عقدة الأب
تبدو شخصية المخرج مركبة تتجاذبها كثير من الهموم والمشاكل، فإضافة إلى همومه الإبداعية ومشاكله مع زوجته، فسنعلم أثناء زيارته لمنزل أسرته وحديثه مع أمه أن علاقته بأبيه المريض متوترة وأنهما لم يتكلما مع بعضهما منذ مدة طويلة وكلاهما ينتظر أن تأتي مبادرة الصلح من الآخر، ليظل الأمر على ماهو عيله حتى وفاة الأب المريض، وتبدو عقدته مع أبيه وكأنها تسدل الستار على علاقته بابنه الذي لايتكلم معه كثيرا وهو في الغربة مع أمه الفرنسية، وما تكاد العقدة مع الأب تنفك بموته حتى تشرع العلاقة مع الإبن في التحسن.
نقطة الضوء الوحيدة في حياة المخرج هو لقاؤه بامرأة شابة منفصلة عن زوجها المستهتر، والتي لديها طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتعمل نادلة في المقهى الذي يرتاده المخرج، فتتطور بالتدريج علاقة صداقة وإعجاب متبادل.

رؤية بصرية
تحضر بفيلم “الليل حين ينتهي” رؤية بصرية إخراجية توازن بين مشاهد داخلية وأخرى خارجية مع الإنفتاح أكثر على فضاءات خارجية في أغلب الأحيان، وكأن الشخصية الرئيسية تضيق بالأماكن المغلقة وتهرب من أزماتها النفسية وذكرياتها الأليمة إلى فضاءات أكثر انفتاحا، فحتى في فترات العمل والكاتب يشتغل على سيناريوهاته أو وهو يلتقي بصديقته أو حتى أمه في منزل الأسرة نراه يفعل ذلك في فضاءات خارجية. هي مرات قليلة التي نشاهده فيها داخل فضاءات داخلية مغلقة، أغلبها يغلب عليها طابع التشنج وعدم التواصل أو الحزن والحنين، كمشهد البداية بمقر الإذاعة وهو يشارك في برنامج إذاعي ثم مع زوجته الفرنسية في المنزل وفي كلا المشهدين هناك مشادة كلامية وعدم تواصل للشخصية مع الآخر، ثم في المنزل وهو يتذكر إبنه بنوع من الحنين والحزن من خلال لعبة له تركها قبل أن يرحل مع أمه. عكس ما يحدث في الفضاءات الخارجية حيث نراه يتنفس الصعداء ويتواصل مع من يلتقيه.
فضاءات العرائش حاضرة بقوة في الفيلم كشخصية رئيسية تحتوي المخرج، لكنها يغادرها في فترات متقطعة إما في اتجاه طنجة حيث يحضر معرضا تشكيليا لصديقة فنانة أو لزيارة أمه في منطقة قروية خارج العرائش.

تأثير الزمن
تأتي تيمة الفيلم الريئسية على لسان المخرج وهو يطلب من طلبته في درس السينما أن يشتغلوا على موضوع “تأثير الزمن على الإنسان” في أعمال مخرجين عالميين، إذ حاول الكلاعي أن يشتغل في في فيلمه هذا على تأثير الزمن على شخصيته الرئيسية وكيف أنه استطاع جعلها تغير بعضا من أفكارها وتصبح أكثر انسجاما مع نفسها مما كانت عليه وتتصلاح مع ما فرضته عليها عوادي الزمن، وتستمر في مسارها الحياتي والمهني رغم كل شيء.
فيلم “الليل حين ينتهي” يحتوي على لمحات من سيرة صاحبه وجزءا من همومه الإبداعية والحياتية، وإذا كان الكلاعي قد أظهر شخصيات ذات احتياجات خاصة في أفلامه السابقة هي التي يعرف معاناتها جيدا، فإنه في هذا الفيلم غاص أكثر فيما هو حميمي في حياته مهنيا وحياتيا، وما إهداؤه لهذه الفيلم لأبيه سوى إشارة في هذا السياق.

تيمة الموت
المنزل الذي يقيم فيه المخرج يطل على فضاء رحب وواسع تتجاور فيه الموت والحياة بشكل منسجم ومتناغم، إذ أن شرفة المنزل تطل على المقبرة ثم يمتد المشهد في الخلفية على المحيط حيث الماء لاتَحُدُّه سوى السماء في الأفق، إذ نشاهده وهو يتأمل هذا المنظر أكثر من مرة من شرفة منزله.
للموت حضور مهم بالفيلم، إذ الأب مريض طيلة لحظات الفليم ويموت في المشهد الأخير حيث يقع التصالح بعد الموت وليس قبلها، وكأن العصفور الذي نشاهد خياله وهو يطير في آخر مشهد وجثة الأب مسجاة والإبن بجواره هي روح المتوفى وقد انطلقت وتصالحت مع الإبن ومع نفسها بعد طول جفاء.

السينما والتلفزيون
يمارس المخرج فن التصوير إضافة للإخراج وهما طبعا فنان قريبان لبعضهما ومتكاملان، وهنا تجدر الإشارة أن الصورة في الفيلم كانت جميلة وشاعرية بشكل وظيفي ودرامي وليس مجرد جمال كارط بوسطالي فقط.
وفي الأخير تجد الإشارة إلى أن الكلاعي من المخرجين المغاربة القلائل إن لم يكن الوحيد الذي لايفرق بين اشتغاله في التلفزيون وعمله في السينما، بحيث تحمل أعماله التلفزيونية دائما بصمات ولمحات سينمائية لاتخطأها العين السينفيلية، وهذا ما يحضر في فيلمه الأخير هذا.

الناقد السينمائي عبد الكريم واكريم
الناقد السينمائي عبد الكريم واكريم

عبد الكريم واكريم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *