يتطرق عبد السلام الكلاعي لأول مرة في مساره السينمائي لتيمة العشق كموضوع أساسي في فيلمه الجديد “سوناتا ليلية”، الذي كان عرضه الأول اليوم في فقرة “بانوراما السينما المغربية” بمهرجان مراكش السينمائي.
الفيلم عبارة عن قصة حب ثلاثية تتداخل فيها المشاعر، يصورها الكلاعي بشاعرية بصرية، فبين مشاهد الليل حيث يتجول الكاتب والفتاة بعد أن التقيا صدفة، وأخرى بالنهار قريبا من البحر الهادر، تنقل لنا كاميرا المخرج العرايشي مشاهد تُعَبِّر عن حالة الثنائي : الكاتب الذي يحب الفتاة وهي التي تعشق شخصا آخر.
لايسعنا ونحن نتابع مسار الحكي في فيلم “سناتا ليلية” المقتبس بتصرف من رواية “ليالي بيضاء” لدوستويفسكي، سوى أن نهتدي لذلك الإلتباس الجميل والمقصود الذي تركه الكلاعي عنوة منفتحا على التأويلات. فبقدر مايمكن للفتاة الليلية أن تكون فتاة حقيقية فهي أيضا قد تكون فقط من وحي خيال الكاتب الشاب والذي يحكي لنا عنها نفس مايكتبه في روايته. وهناك لمحات ذكية في الفيلم تشير لذلك دون أن تُفصِح تماما، لكي تَدَعَ طبقات مفتوحة للتأويل، ولكي يستطيع المشاهد من أي مستوى معرفي وسينفيلي كان أن ينسج فيلمه الخاص به.
في مشهد عند إشراف الفيلم على نهايته تظهر الفتاة بين الرجلين وكأنها مترددة لبُرهة، لكنها سرعان ما تُفضل حبيبها الأول على الثاني، ورغم ذلك فإنها ترسل لهذا الأخير رسالة تخبره فيها أنها تحبه وأنهما سيأتيان لزيارته، وفي لمحة جِد ذكية ينتقل المُخرج من الفتاة وهي تكتب ونسمع ماتكتبه في رسالتها بصوتها للكاتب وهو يكتب والصوت مازال يقرأ ما في الرسالة، وهنا يكمُن مفتاح القراءة الثانية الذي أعطاه الكلاعي للمشاهد الذكي، رغم أنه بعد ذلك مباشرة ولكي يزيد من تكريس الإلتباس تأتي الأم برسالة وتمدها لابنها الكاتب.
هنا في هذا الفيلم الذي يبدو بسيطا في حكيه ارتقى الكلاعي درجة أخرى في مساره السينمائي ليعطينا فيلما قد نستطيع تصنيفه في نوعية الواقعية السحرية، بهذه الفضاءات الليلية الخالية من البشر وبتلك الشخصية الأنثوية الخارجة للتو من الأفلام الرومانسية الكلاسيكية، مع إحالة في الفيلم على أفلام عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش والأفلام الرومانسية الكلاسيكية المصرية بالأبيض والأسود.
هناك طبقات في الحكي بالفيلم، في الأولى عبر الصوت الخارجي نسمع صوت الكاتب الشاب يحكي لنا عن الفتاة التي التقاها وأغرم بها لنبدأ في مشاهدة حكايته معها، ثم مع نصف الفيلم تقريبا تنطلق الفتاة في حكي قصتها للكاتب الذي يحبها، ثم نعود إليهما لنُكل قصتهما التي ستتمازج وتتداخل مع ماحكته الفتاة، وكأننا في حكايات ألف ليلة وليلة حيث الحكايات تتداخل وتتمازج.
أداء الممثل الشاب سعد موفق كان ذكيا وموفقا كاسمه في تقمصه لشخصية الكاتب كشخصية غائبة عن الواقع لاتهمها سوى الكتابة والذوبان في شخصيته (الروائية) الأنثوية، وكأنه يعيش فقط من خلال كتاباته منفصلا عن العالم الواقعي، حتى أنه لايخرج للمدينة إلا ليلا حينما تكون قد أقفرت من أهلها وأصبحوا نياما. عكس شخصية الفتاة الرومانسية التي أدَّتها ندى هداوي برقة ونفس رومانسي لاينتمي نهائيا لعصرنا هذا، وكأنها خارجة للتو من أحد أفلام الخمسينيات الرومانسية، أما أداء الشاب الثاني فكان واقعيا ليخلق التوازن. وقد كان اختيار الكلاعي لممثليه الثلاث جد موفق، إضافة إلى أنه استطاع ضبط إيقاع كل واحدة من هذه الشخصيات من خلال إيقاعهم التشخيصي.
ينقسم الفيلم لأجزاء معنونة بعناوين ذات حمولة أدبية ونفس شعري تزيد من تأكيد ذلك البعد الأدبي الروائي الذي أراده الكلاعي مخاتلا لكن بمفاتيح تدعو المشاهد لمشاهدة العمل أكثر من مرة ليفتح بها أقفال السرد السلس لكن الملغم بإشارات.
عبد الكريم واكريم-مراكش