اختتمت الدورة السابعة لمهرجان الفيلم القصير جدا أعمالها اليوم السبت المصادف الثاني من نوفمبر لعام 2024، ذلك المهرجان الذي استغرق أربعة أيام مشحونة بالفعل الثقافي وحميمية التلاقح في مجالات الخبرات. أيام قصيرة زمنيا، لكنها ذات حمولة معرفية وازنة، وقد جاءت ثمرةً لتحضيرات مكثفة من قبل جنود مجهولين،وفروا بجهود مضنية كل مستلزمات النجاح، وبذلوا كل ما وسعهم لإظهاره بما يليق به، ابتداءً من حفل الافتتاح الذي أقيم على مسرح المركز الثقافي في منطقة الداووديات/ مراكش، واُختُتِمَ على خشبة ذلك المسرح الذي أصبح علامة بارزة في المدينة،من خلال احتضانه لأنشطة مختلفة،ولذا غصت القاعة برواد المهرجان الذين هرعوا لمشاهدة رؤى متنوعة لبلدان مختلفة، قدّمت عصارات أفكارها كي تتبارى وتحتك، وتتبادل الخبرات، لذلك فالمراكشيون تابعوا بشغف مجريات هذا الافتتاح البهي في دورته السابعة.
لقد مُنحت الرئاسة الشرفية لهذه الدورة للمخرج المغربي جمال بلمجدوب، اعترافا من الإدارة المُنظّمة بعطائه الفني في الساحة السينمائية،فإضافة إلى كونه مخرجا فهو كاتب سيناريو وناقد ومن أفلامه المعروفة( ياقوت، والحلم المغربي) والذي بدوره ألقى كلمة مؤثرة عن السينما ودورها في حمل رسالة إنسانية، ثم أعطى أشارة انطلاق الدورة السابعة للمهرجان.
وخلال ثلاثة أيام تم عرض الأفلام المشاركة بالتتابع في الفترات المسائية، والتي تنوعت في أساليبها وتقنياتها، فمنها أفلام روائية، ومنها أفلام تحريكية.
وقد شاركت في هذا العرس السينمائي العديد من دول العالم، ومن ضمنها العراق الذي تقدم بستة أفلام لمخرجين شباب، وفرنسا لفيلم واحد، وإيران لفيلمين، وسلطنة عمان لفلم واحد، والمغرب البلد المضيف لثلاثة أفلام، ومصر التي شاركت بعدد مماثل، إضافة إلى إيران ودولة الإمارات وسورية وفلسطين. ومع كثرة الأفلام المشاركة التي تجاوزت المائة فيلم، فإن إدارة المهرجان اختارت 16 فيلما فقط لدخول المسابقة الرسمية، إضافة إلى عرض أفلام أخرى خارج المسابقة.
وبعد تمحيص للأفلام وتشخيص لجوانبها الفنية، ومناقشة مضامينها ، تمخض ذلك عن إعلان النتائج في ختام المهرجان في يومه الأخير،كما جرت العادة، والذي أظهر فوز فيلم ( العكازة) للمخرج الفلسطيني أحمد طارق حمد،وهو مخرج شاب جعل من الفيلم السينمائي وسيلة للدفاع عن قضايا شعبه، وهو القائل: “كل فيلم أنجزه يزيل شيئا من الوجع في صدري ”
حيث أتحف المهرجان بهذا الفيلم القصير في دقائقه، والكبير في معانيه ورموزه، والفيلم يُظهر طفلة تحاول أن تواري لعبتها في بقايا ركام بيتها الذي دمرته آلة الحرب الوحشية، وفي نفس الوقت تتلمس حذاء أبيها الذي فقد إحدى ساقيه،وتحاول أن ترتدي فردة من هذا الحذاء، وتذهب إلى أبيها وهي تسند ساقه التي التهمتها الحرب، لقد أصبحت تلك الطفلة الصغيرة عكازة وسندا لأبيها،يتكئ عليها حتى يقف شامخا. وقد أثار الفيلم مزيجا من الإعجاب وعاصفة من التصفيق بين جمهور المشاهدين، الذين أثنوا على قرار لجنة التحكيم في منحه الجائزة الكبرى ، لأن فيلم العكازة قد حفل برموز حتمية الانتصار ورفض الاستسلام. لقد انتصر الأمل رغم الخراب ، مادام أطفال الغد قد تحولوا إلى عكازة لأكمال مسيرة التحرر من الاحتلال.
المخرج الإيراني رحمن برهاني حصل على جائزة أفضل إخراج، عن فيلمه الفيلم ( 21 سبتمبر). وأما جائزة أفضل تصوير فقد ذهبت للفرنسي باتريك عن فيلمه (هذا المساء)
أما عن أفلام التحريك فقد فاز بها الفيلم العماني(تاء) والذي يتصدى لجريمة التحرش الجنسي، الذي رمز للمجتمع الذي لا يكافح هذه الجريمة بأنه تفاحة تسقط من شجرتها وتتعفن. ورغم بساطة الرسوم، وارتباك انتقالاتها، ولكن فوز الفيلم عبّر عن عمق فكرته.
ورغم أن العراق شارك في ستة أفلام روائية وتحريكية، ولكنها لم ترتق إلى حصولها على إية جائزة، وكذلك الأفلام القصيرة من سوريا ومصر والإمارات. ولكنّ مشاركة هذه الأفلام بحد ذاته فوزٌ لها كما ذكرت إدارة المهرجان وهي منهمكة بتوزيع الجوائز وشهادات التقدير.
ومن ناحية أخرى فقد انعقدت ورشات التكوين في مجال كتابة السيناريو والتي قدمها المخرج والفنان التونسي المتميز عماد الوسلاتي، كما قدمت بدوري أنا كاتب هذه السطور محاضرة لطلبة المعهد السينمائي في عين المكان بعنوان (تحليل الفيلم السينمائي). وفي ذات الإطار وفي اليوم الثاني من المهرجان قُدمتْ محاضرات متنوعة في (مؤسسة أكسل) قدمها كلّ من الأساتذة الدكتور الحسين آيت مبارك بعنوان(الفيلم القصير في المغرب: إكراهات وتحديات) وقدم المخرج السينمائي عماد الوسلاتي مداخلته بعنوان ( السينما بين الهوية والاحتراف). أما الكاتب والناقد السينمائي الأستاذ سليمان الحقيوي فقد قدم موضوع ( الفيلم القصير: الوسيط الثائر على القيود). ثم قدمتُ مداخلتي المعنونة ( الفيلم القصير بين الهوية والاحتراف).
ولكي يكون هناك تفاعلٌ إيجابي بين تلاميذ المدارس، وبين العاملين في السينما فقد تم توقيع كتاب ( أسئلة السينما المعلقة) من تأليف الدكتور سليمان الحقيوي في مؤسسة العراقي الدولية التي احتضنت هذا اللقاء، وتم لقاء المؤلف بطلبة متعطشين للعلم والمعرفة والثقافة، وقد استطاع المؤلف أن يقدم ورقة عن كتابه، ليضيء من خلالها الكثير من الأسئلة عن السينما كأداة معرفية لتحرير الإنسان من التلوّث المحيط به، وانتشاله من قاع الكراهية، والرفع به إلى فضاء المحبة بين البشر، لقد كان التفاعل جميلا بين الأستاذ والطلبة والذي انتهى بتوقيع كتابه على الكثير منهم.
ولعل البلاغ الختامي للدورة السابعة لهذا المهرجان الذي ألقاه مدير المهرجان الأستاذ عبد المجيد الدهبي يوجز لنا طبيعته، فقد قال :
” دعوني أقول لكم، إن مجرد المشاركة في فعاليات هذه الدورة يعتبر فوزا، يكفي هذا الجمع الطيب الذي يجمع بين المغربي واليمني والفرنسي والتونسي والاماراتي والمصري و العماني و العراقي و الفلسطيني و غير ذلك من الأمم الشقيقة والصديقة، هذه اللقاءات التي تدل على الحب بين الشعوب والتسامح والتعاون في كل ما يخدم أوطاننا بالخير والرقي والتطور.
قد تكون فعاليات الدورة السابعة على مرمى من النهاية لكن أثرها سيبقى مستمرا، ونأمل أن نكون قد أحدثنا استفزازا ثقافيا وفنيا في نفوس المتلقين الشغوفين بالسينما والإبداع ولعلنا نلتقي في الدورة المقبلة برؤى أخرى وإنجازات أكثر عمقا وأكثر إبداعا، لأننا نحن في الحياة عبارة عن تراكمات نأمل أن تكون إيجابية حتى نرقى بأنفسنا نحو الأفضل وبالتالي يرقى وطننا المغرب الحبيب وكل الأوطان العربية الشقيقة باعتبارنا جميعا سفراء لأوطاننا. وقد كنتم جميعا خير سفراء”
رحمن خضير عباس