تم اختيار فيلم الرحلة 404 ليمثل مصر في جوائز أوسكار أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية، وهذا مقال لي عنه كنت قد نشرته عنه حين نزوله بالقاعات السينمائية:
قد يبدو فيلم “الرحلة 404 ” للمخرج هاني خليفة بداية مُغرقا في خطاب ديني تبسيطي وتبريري لكل أفعال الشخصية الرئيسية بالخصوص، لكنه بدا لي أعمق من ذلك، إذ أن الشخصية التي تؤديها منى زكي هي الأكثر تعقيدا وتعددا من كل الشخصيات الأخرى وهي أيضا أكثر أنانية ونوايا سيئة و”شرا”، منهم، عكس مايبدو أول الأمر، كونها تبرر دائما كل ماتفعله من أفعال سيئة وما يقع لها بأن تسقط كل الذنب على الآخرين، مبرئة نفسها من كل شيء، إلى درجة أنها تستطيع إقناعهم بأنهم أسوء ما خُلق على وجه الأرض وأنها هي الضحية دائما، وهي تفعل ذلك بالسليقة وبشكل عفوي وبدون مجهود كبير يذكر. شخصية تتناوب فيها إثنتان واحدة في السطح تبدو طيبة لكن ما أن تجد نفسها في موقف صعب حتى تُخرج كل السم القاتل الذي تخبئه مثل أفعى سامة.
وتظهر هذه التركيبة المعقدة للشخصية في استطاعتها فِعلَ أي شيء من النَّصب على الأشخاص في إطار عملها إلى العودة لحياة الدعارة بدم بارد دون التنازل عن قرارها في الذهاب إلى الحج حيث ستمحي كل ذنوبها هناك لتعود من أجل ارتكاب ذنوب ستكون على مايبدو أكبر بكثير من تلك التي ارتكبتها قبل الذهاب إليه.
وقد أدَّت منى زكي هذه الشخصية المُركبة بتفوق بحيث يظن المشاهد العادي عكس ما ذهبتُ إليه أعلاه، ويجب العودة للمشاهدة الثانية للتيقن من ذلك، فهي تُقنع نفسها أنها لن تستغفر لنفسها فقط بل للآخرين أيضا وهو ماتردده باستمرار طيلة لحظات الفيلم.
الشخصية الوحيدة التي لم تستطع التأثير فيها ولا إقناعها بالإحساس بالذنب هي المسؤولة عن دار الدعارة الراقية إذ ما أن قالت لها “الله يهديكي” حتى أخرجت لها كل سوابقها ومافعلته هي من أجلها حتى حينما أرادت اعتزال الدعارة والاشتغال في عمل “شريف”.
النفاق المجتمعي والديني بالخصوص هو الموضوع الرئيسي للفيلم، والذي يمرره المخرج وكاتب السيناريو ضمنيا وبدون خطاب مباشر أو حديثنسمعه في الفيلم لكن من خلال أفعال الشخصيات والشخصية الرئيسية بالخصوص، هذا النفاق الديني الذي بقوة ما نراه في المجتمع أصبحنا متصالحين ومتسامحين معه فالمؤمن يجب أن يخطئ ويرتكب الذنوب حتى يطلب المغفرة من الله، ولذلك فشخصية منى زكي شهدت وتشهد تعاطفا من قبل المشاهد في البلدان العربية التي عرض فيها الفيلم الذي عرف نجاحا تجاريا هناك.
شخصية الزوج السابق الذي بدا لنا في الأول من خلال رؤيتها له وهجومها عليه كشيطان رجيم، يصير في آخر الفيلم هو الضحية الطيبة التي تعاني من هول ما وقع لها في الماضي، أما الحبيب السابق فرغم أن الشخصية التي تؤديها منى زكي دمَّرت أو كادت حياته الأسرية عن سبق إصرار ووصفته بأقذع الأوصاف لكونه كان سببا في مصيرها حسب رؤيتها، فيما نعلم من رده عليها أنها كانت تَحمِل جينات العاهرة وهي مازالت مراهقة ولم يكن هو السبب في المسار الذي اتجهت إليه، وهو رغم كل شيء يقرر أن يتكلف بعلاج أمها.
خلاصة القول أن منى زكي استطاعت أداء دور جد مركب و”شرير”نال تعاطف الجمهور، وهنا يظهر تمكُّنها من تشخيصها وتمكن المخرج من أدواته إضافة للسيناريو الجيد الذي أعطى الفرصة لتعدد القراءات : واحدة دينية تبسيطية وأخرى أكثر تعقيدا تعتمد على بناء الشخوص بالخصوص.
عبد الكريم واكريم