أهمية المسلسلات التلفيزيونية
تجدر الإشارة إلى كون الفنون الدرامية وفي مقدمتها الكوميديا تصدر من مواقف تنبع من الصراعات وردود الأفعال وهي تختلف عن التراجيديا وهي تعيد ” انتصار الحياة بانتصار الإنسان على نوازع الصراع والتصارع … في الكوميديا احتفال بالحياة أي احتفال بقدرة الإنسان على الاستمرار ،ومن ثم فهي احتفال بالإنسان نفسه وقدرته على تخطي الصعاب وطاقته على العطاء الذي من شأنه أن يحدث التوفيق في النهاية التي عادة ما توصف بأنها نهاية سعيدة، وإذا نظرنا من هذه الزاوية إلى تراث الدراما الكوميديا العالمية استطعنا أن نفهم سبب ميل معظم الكوميديات إلى تناول الأخطاء التي يمكن علاجها أي تلك العيوب والنقائص وفي المجتمع(أي العلاقات الاجتماعية) التي يمكن التغلب عليها ،وقد تتمثل هذه لأخطاء في البنية الاجتماعية بسبب الأفكار أو المفاهيم المتعارف عليها أو المتوارثة أو بسبب أخطاء في نوازع النفس البشرية التي ترتبط بمجتمع أو بزمن أو مكان معين ،ولهذا دأبت الكوميديا على السخرية من المظاهر الاجتماعية والبشرية مما جعلها تقترن بإثارة الضحكات على هذه المظاهر الخاطئة سواء في السلوك أو الطباع أو العلاقات التي تحكم بناء المجتمع”1
إن جل المسلسلات التلفيزيونية الاجتماعية تنبع مضامينها من قلب المجتمع الذي ينتمي إليه جمهورها،فهي تعكس مظاهر المجتمع بما يحمله من سلبيات وإيجابيات ،فمضامينه تنصب على إعادة النظر في كثير من القضايا المعيشية والحياتية بما تحمله من قيم وقضايا متأرجحة بين الخير والشر، وتجسيدها في قالب درامي يعرض عبر الشاشات أمام الجمهور خير وسيلة للتحسيس والتموقف الإيجابي إزاءها، فهي بشكل أو بآخر تعرض الصورة العلائقية السائدة بين أفراد مجتمع معين ، صورة تحمل تقاليد وتصرفات وقيم تدفع بنا لردود أفعال إزاءها. “ومن هنا فإن أهمية الفنون ورسالتها – وخاصة المسلسلات التلفزيونية والأعمال الدرامية، والتي هي جزء من هذه الفنون وأحد أنواعها، وذلك لأن هذه المسلسلات لها حضور بارز ولافت للنظر، متمثل في كثرة عددها وتنوع عروضها، خاصة في شهر رمضان من كل عام (أكثر من مائة وعشرين مسلسلاً وعملاً تلفزيونيًا في رمضان العام 1427هـ / 2006م ) فإن أهميتها تكمن في أنها يجب أن تكون ذات مهمة إصلاحية، تعرض السلبي بغية معالجته وتؤكد على الإيجابي بقصد تكريسه وترسيخه. وبهذا تكون بمنزلة درس يحمل في داخله العظة والعبرة على المستوى المعرفي، مطعمة بطابع فني جمالي يتسم بالمتعة والتسلية من خلال المواقف الكوميدية الضاحكة التي تغلف الفكرة وتلفها، حتى يسهل على المتلقي / المشاهد متابعتها للنهاية”.2
عودة متجددة لمسلسل “بابا علي” بالقناة الأمازيغية
يعود مسلسل بابا علي بقوة فلم يخيب أمل منتظريه لمدة عام كامل، فقد حقق ـ على غرار رمضان الفائت ـ متابعة وازنة وقياسية ، وتم ذلك لعدة عوامل فنية ومضمونية مما جعله يستميل إليه الجمهور العريض من الناطقين بالأمازيغية في كل مناطق المغرب.
وإذا كان المسلسل يروم إمتاع وإفادة الجمهور فإن هذا الأخير أظهر تحبيذه له بعيدا عن بعض الأقلام النقدية القليلة التي انصبت على جوانب ترى فيها قصورا.
المسلسل مثير للمشاهد المغربي الناطق بالأمازيغية لعدة أسباب تعود إلى تركيبته الفنية ، وإلى الفضاء الذي جرت فيه أحداثه ،وإلى طبيعة شخصياته ، وإلى طابعه المزاوج بين الفكاهي والتراجيدي..وانطلاقا من هاته الحيثيات نال المسلسل تحبيذا واستحسانا من قبل شريحة كبيرة من الجمهور المغربي ، بل إن صيته تعدى المغرب إلى أقطار أخرى.ولن يكون ذلك غريبا، فالفيلم الأمازيغي منذ بدايته كانت له شعبية فريدة ، وقد شهدت التسعينات اتساع التفرج عليه عبر الأقراص الصلبة .
المسلسل في أحداث وإيقاع جديد
خوفا من الرتابة والتكرار الذي يقتل الفن بغض الطرف عن نوعه ،أضيفت إلى المسلسل شخصيات جديدة لها قدم راسخة في الدراما الأمازيغية الكوميدية بالخصوص.
وللتذكير فشخصيات المسلسل كلها تتميز بالطابع الكوميدي الدفاعي علاوة على مواقف تراجيدية تحتاج إلى مخارج للتخلص من مخاطرها.
شخصية بوسلام
شخصية “بوسلام” المسندة إلى العربي الهداج ،التاجر الجوال الذي استقر بقرية بابا علي ليتزوج بعد ذلك بتوفلا مدعيا أنه لم يتزوج بعد ،وستحل بالقرية بعد الزواج امرأته القديمة تبحث عنه، وهنا تنضاف شحنة من التشويق لأحداث المسلسل. وزواجه مثير من حيث كون المتزوج بها كبيرة السن ،تظهر صبابتها وتغنجها واستعدادها للزواج مما يجعل موقفها وتصرفاتها مثيرة للضحك.
“بوسلام” شخصية مثيرة كوميديا من حيث طريقة الكلام والمظهر الخارجي مما يجعل مشاركته في المسلسل منسجمة مع الجو العام للأحداث.
شخصية “أضاشي”
من الشخصيات الجديدة في المسلسل “أضشي” التاجر الكبير الذي أثار بعض الانتقادات من حيث مظهره البدني وسنه ،بحيث كان من المنتظر أن تأتي هذه الشخصية شخصية مثيرة من حيث جسدها ، يبدو عليها التقدم في السن مما يحيل على تجربة عميقة في الحياة.
ولكن المخرج قد تكون له اعتبارات خاصة في إدراج “باسو” في المسلسل مجسدا لهذا الدور. ويلاحظ المشاهد أن ظهوره في الحلقات المتوالية للمسلسل تجعل صورته ودوره عاديا مقبولا .
ماماس ،عمة بابا علي
ظهرت بوجه كوميدي بارز ، أعطت للمسلسل نفسا جديدا وساهمت في جذب الأنظار إليه خاصة بعد أن ورطت بابا علي في أزمة البحث عن الحلول حين احتال عليها “موشي” فكتبت باسمه أملاكها التي كان يتصرف فيها بابا علي …وبذلك سيصير بابا علي وأسرته شبه مشردين . ورطة ينتظر الجمهور في الحلقات القادمة الحيلة التي سيتخذها بابا علي حلا لما سقط فيه…
القاضية تهيا:
مثلت القضاء بحزم ، وبمبادراتها وعزمها على المغامرة مبدية قدرة المرأة الأمازيغية على التسيير والتدبير لحل الأزمات الاجتماعية بحزم وصرامة.
ما أشرنا إليه نموذج لشخصيات جديدة أضفت على حلقات المسلسل تشويقا وسحرا و أبعدته عن الملل والرتابة . وقد ساعد على ذلك تجديد الأحداث الدرامية والكوميدية بشكل يؤجج المتابعة والانتظار لما يستجد من مجريات الأحداث المتنوعة من حلقة إلى أخرى.
عنصر القوة في المسلسل
وقد أشرنا في مقال سابق إلى كون عنصر القوة في المسلسل تتعلق بمتانة حواراته المفعمة بالطابع الكوميدي المغلف بالردود الذكية والعبارات التي تستقي مضامينها من الدين والتجربة الحياتية والتراث. وهذا مؤشر على نضج السيناريو من هذا الجانب ، حيث نجد التعبير عن المواقف والردود عليها منسوجين بعمق وبصيرة فنية بارزة. وقد جاء كل ذلك ضمن قالب درامي وكوميدي يتخذ عدة مجريات من حلقة إلى أخرى. علاوة على روعة وبهاء الفضاء الذي قدمت ضمنه أحداث المسلسل : فضاء قروي جميل ،ببيئة نقية عذراء وبغطاء نباتي متنوع تخترقه أنهار رقراقة ،وقد زادته روعة التصويرحُسنا مما جعله مغريا يذكرنا ببهاء الطبيعة في زمن خال من عوامل التلوث الذي صار يخنق البيئة ويضايقها.
تلك عناصر تعاضدت فأفضت إلى مسلسل أمتع الجمهور المغربي طيلة شهر رمضان الأبرك في جزئه الثاني.
لقد صار المسلسل الأمازيغي بالصيغة التي أنجز بها نموذجا للدراما الرصينة التي لا تخدش القيم وذلك بانسجامها مع عادات وأخلاق المجتمع المغربي.
ولا بد من التفكير الجدي في تطعيم برامج القناة الثامنة وغيرها من القنوات التلفزية المغربية بمسلسلات تروم معالجة الكثير من الثغرات القيمية البارزة في حياتنا اليومية من أجل جيل جدير بتحمل مسؤولية التمسك والتعلق بالقيم النبيلة والعادات الحميدة مع استبعاد كل ما يهدد هويتنا بكل ما تحمله من التضامن والاحترام وحسن الجوار…
لحسن ملواني ـ المغرب
هامش:
*مسلسل بابا علي بابا علي : مسلسل تلفزي كوميدي مغربي ناطق بالأمازيغية، إنتج سنة/ 2021، وبدأ إدراجه بالقناة الثامنة(الأمازيغية) بداية من شهر رمضان 2021 ، وقد استوحيت فكرة المسلسل من قصة “علي بابا” والمسلسل من إخراج مصطفى أشورو سيناريو إبراهيم علي بوبكدي وأحمد نتاما، تنفيد الإنتاج شركة وردة برود، تمثيل ثلة من الفنانين منهم :عبد اللطيف عاطيف ، الحسين برداوز ، وأحمد نتاما، وأحمد عوينتي، ، ومصطفى الصغير، ولحسن شاوشاو ،ولحسن جكار، ومحمد قيمرون، عبد الرحيم اكزوم، مصطفى ابايريك، زاهية الزاهري…
1 ـ فن الكوميديا ،د.محمد عناني ، مهرجان القراءة للجميعى 98، مكتبة الأسرة ،طبعة 1998 ص 12 ـ 13.
2 ـ أشكال وألوان من المسلسلات ولكن ما الهدف؟سعيد سعادة ،مجلة العربي العدد 581.