لايمكن الحديث عن جيل رائد من النقاد السينمائيين العرب دون الإعتراف أن جيلا تاليا له قد استفاد من كتاباته التي شكلت له حافزا للمشاهدة ثم الكتابة بعد ذلك عما يشاهده من أفلام، وأنا أنتمي لهذا الجيل الوسط الذي قرأ لأغلب هؤلاء قبل أن يكتب عن السينما بشكل منتظم بداية من أواسط التسعينيات من القرن المنصرم، بعد أن كانت هنالك كتابات متفرقة قبل ذلك تنتمي للبدايات.
نقاد كسمير فريد، إبراهيم العريس وخميس خياطي… وآخرون، وما كان يميز هؤلاء الثلاثة الذين ذكرتهم أن بعض كتبهم كانت متوفرة في المكتبات المغربية ثمانينيات القرن الماضي حين أصابتني لوثة “السينفيليا” العالمة بعد فترة المشاهدة الكثيفة والساذجة.
سمير فريد إلتقيته ذات صيف وهو يحضر ملتقى أصيلة الثقافي وأجريت معه حوارا نشر لي في الملحق الفني لجريدة “الاتحاد الاشتراكي” بداية الألفية، إبراهيم العريس كنت قد نشرت باستمرار في ملحق السينما لجريدة “الحياة” اللندنية الذي كان يشرف عليه أواخر التسعينيات وبداية الألفية لكن من خلال مراسلتي لرئيس تحرير الجريدة قافزا على أبوته للعديد من النقاد المغاربة والعرب الذين كان ينشر لهم، وحين التقيته في مهرجانات عربية بدا لي أنه لايهضمني ولايحبني فبادلته نفس الشعور كشخص رغم أني كنت أحب كتاباته، خصوصا وأنا من بين من يقتل “الآباء الرمزيين” بسهولة ودون عناء ولا مشقة، بل أتلذذ بفعل ذلك.
أما ثالث الثلاثة الراحل أمس التونسي خميس خياطي، فأتذكر أني قرأت له كتابا وبشكل مبكر من نوعية كتب الجيب بعنوان “النقد السينمائي” الصادر عن سلسلة “كتابك” لدار المعارف بمصر، وكان من بين الكتب التي قرأتها ذات إصابة مبكرة بلوثة “السينفيليا”، في فترة متقدمة كنت ألتهم فيها كل مايقع في يدي حول السينما باللغتين العربية والفرنسية، حتى أن بعض الكُتُبِيِّين في مدينتي طنجة أصبحوا يعرفون نهمي لقراءة هذا النوع من الكتب ويوصون لي ببعضها لأتلقَّفه في الموعد المحدد بلهفة المراهق الذي يلتقي بحبيبته لأول مرة.
لم ألتق الناقد السينمائي التونسي خميس خياطي أبدا في الواقع، لكن كانت لنا لقاءات افتراضية في العالم الأزرق للفيسبوك، الذي كان هذا من بين حسناته عَليَّ منذ سنة 2008، إذ كان من بين الأصدقاء الإفتراضيين الأوائل الذين سعيت لإضافتهم بحكم الإهتمامات المشتركة لعوالم السينما، وبحكم قراءتي لكتاباته بشكل مبكر كما ذكرت سابقا.
قبل زمن كورونا بقليل طلب مني خميس خياطي عبر الميسنجر أن أشارك بالكتابة، في نشرة مهرجان قرطاج السينمائي التي كان يُشرف على تحريرها، عن أفلام مغربية مشاركة في هذا المهرجان، وقد كان ذلك رغم أن المهرجان لم يوجه لي دعوة لحضوره رغم أني كتبت في نشرته لدورتين متتاليتين احتراما لطلب خميس خياطي كأحد أهم النقاد السينمائيين الرواد في العالم العربي، وأتذكر الآن مقالتين لي في هذا السياق الأولى عن فيلم “بلا وطن” لنرجس النجار والتي استغلتها مناسبة لكي أكتب عن ثلاثيتها النسوية من خلال هذا الفيلم الذي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان قرطاج آنذاك، وأيضا عن فيلم “صوفيا” لمريم بن مبارك.
وبدوري طلبت منه ذات مرة أن أنشر له حوارا مع المخرج اللبناني الراحل مارون بغدادي في أحد أعداد مجلة “سينفيليا” الورقية فوافق بصدر رحب وبكل أريحية.
مؤخرا احترمت كثيرا رغبة خميس خياطي في أن يكتب مقدمة كتابه الأخير ناقد من الجيل الجديد هو هوفيك حبشيان وقد ثمنت هذا اللقاء النقدي السينمائي في صفحة الأخير الفيسبوكية. ومازلت أتذكر أن خميس خياطي قبل هذا بقليل اشتكى في صفحته أنه لايجد ناشرا لكِتابِه واستغربت ذلك، فكيف لناقد مكرس ومخضرم مثله ألا يجد ناشرا على طول خارطة العالم العربي وخارجه لكتاب له، لكن هذه شجون أخرى ليست هذه هي مناسبة بثها، لمعناة الكُتَّاب مع الناشرين العرب العاقين والذين يهمهم المال أكثر مما تهمهم المعرفة ونشر الثقافة.
عبد الكريم واكريم