في زيارة للمركب السينمائي بتزنيت، صباح الجمعة رابع فبراير 2022، رفقة أعضاء من جمعية أنديفيلم ونحن في طريقنا بالسيارة إلى مدينة كلميم لتنظيم اللقاء الجهوي الرابع من لقاءات “الشباب أمام وخلف الكاميرا من أجل مجتمع دامج”، لمست عن قرب حماس مجموعة من الشباب المهووسين بالفنون البصرية وثقافتها وعلى رأسها السينما والفوتوغرافيا والسمعي البصري عموما.
تم استقبالنا بحفاوة من طرف المشرفين على هذا المركب السينمائي، المتواجد وسط حي شعبي تطبعه السكينة والهدوء، ونظمت لنا زيارة لمختلف مرافقه مع شروحات قدمها لنا المبدع الشاب جمال إدومجود، رئيس جمعية “أمل”، الذي أكد لنا أن مشروع المركب يهدف إلى فتح آفاق جديدة للشباب المهتم بالميدان على صعيد الجهات الجنوبية بشكل خاص، من أجل التكوين والتثقيف والإبداع والتنشيط السينمائي وغير ذلك، بغية تغطية ولو جزء يسير من الخصاص الملحوظ وطنيا وجهويا في مجالات السينما والسمعي البصري المتنوعة.
فمشروع المركب، حسب العدد الأول من نشرته الشهرية (يناير 2022)، هو عبارة عن مبادرة جمعوية لتعزيز وتطوير مهارات الجهات الفاعلة في مجال السينما والثقافة في المنطقة. إنه مركب حديث النشأة والأول من نوعه بمدينة تزنيت، بحيث لا تزال الأشغال مستمرة فيه من أجل إتمام باقي مرافقه كلما توفرت إمكانيات ذلك. مساحته وفضاءاته المتعددة الاستعمالات توفر المعدات والتداريب والفرجة ومتعة القراءة في إطار بيئة إبداعية مستقلة. إنه فضاء تشاركي يحث على الإبداع، وذلك باحتوائه على قاعات متخصصة تتبنى الكفاءات الشابة من جهة، وتستقطب المستثمرين المحليين والدوليين المتعطشين لهذا النوع من العروض الموفرة للموارد البشرية والتجهيزات التقنية الإحترافية من جهة أخرى. بل ويتجاوز ذلك من خلال محاولة جلب اهتمام الجمهور العريض من جميع الفئات العمرية عبر تنظيم أنشطة ثقافية وفنية متنوعة وشاملة طيلة السنة.
من بين الأنشطة التي شرعت إدارة المركب في تنظيمها نذكر ما يلي:
سينما التلميذ: هو مشروع برنامج لفائدة تلاميذ المؤسسات التعليمية الابتدائية العمومية والخصوصية (8- 10 سنوات)، على امتداد شهور السنة، بغية تنشيط المؤسسات التعليمية بمدينة تيزنيت وتشجيع التلميذات والتلاميذ على الإبداع والمشاركة في مجالات السينما والصورة عامة مع تقوية رصيدهم المعرفي في الثقافة البصرية. هذا البرنامج، تنفذ من خلاله جمعية “أمل”، المشرفة على المركب السينمائي، أهدافها المخصصة لمجال التربية والتكوين بتعاون مع جمعية فرنسية تحت شعار “تلميذ اليوم، سينمائي الغد”.
صوت الشباب المتوسط: وهو برنامج يعمل على تأهيل الشباب (18- 30 سنة) من أجل تعزيز وترسيخ ثقافة الحوار، وتكوين أطر شابة مؤثرة وذات مهارات مصقولة في مجال الحوار والمناظرة، ودعم وتعزيز منصات وآليات مؤثرة للشباب من أجل صياغة السياسات العامة والتأثير في صناع القرار وصياغة الخطاب الإعلامي. هذا بالإضافة إلى خلق فهم مشترك مع أقرانهم في جميع أنحاء المغرب ومنطقة البحر المتوسط حول كيفية معالجة القضايا ذات الاهتمام المشترك في مجتمعاتهم.
سينما للجميع: يهدف هذا البرنامج إلى تعزيز ثقة الشباب في أنفسهم ودعم قدراتهم على المساهمة في بناء المجتمع من خلال آليات السينما وصناعة الأفلام. وقد شرع في تأهيل وتقوية القدرات في مجال الإنتاج السينمائي عبر مواكبة الشباب وتشجيعهم على التعبير بواسطة الأفلام القصيرة وترسيخ ثقافة السينما بالمجالين الحضري والقروي عبر أنشطة موازية كعروض الأفلام ومناقشتها.
فتيات تيزنيت في الإعلام: وهو برنامج يسعى إلى تمكين الفتيات الشابات (16- 26 سنة) من تقنيات الإعلام السمعي البصري عبر مواكبتهن والرفع من مشاركتهن في الأنشطة الثقافية من خلال قافلات توجيهية وورشات تكوينية وزيارات ميدانية ولقاءات مع فنانات وإعلاميات…
سينما الخميس: يتضمن هذا البرنامج الأسبوعي (كل خميس) عرض ومناقشة أفلام جيدة من اختيار وتنشيط سينمائيين، بمشاركة نشطاء ثقافيين محليين، بغية المساهمة في ترسيخ ثقافة التحليل وتطوير فن النقد السينمائي البناء.
يضم المركب السينمائي بتزنيت قاعة سينمائية صغيرة أطلق عليها إسم “سينما عدن”، وهي القاعة الوحيدة النشيطة حاليا بالمنطقة. بل هي على الصعيد الوطني أول قاعة سينمائية جمعوية تم افتتاحها لسد النقص المهول في قاعات السينما بجنوب المملكة. كما يضم أيضا استوديوها للتصوير أطلق عليه إسم “استوديو ديكسون” وهو مفتوح مجانا في وجه الشباب والجمعيات، إذ يمكن الراغبين منهم في إنتاج مواد سينمائية من بلاطو وآليات تقنية وديكورات وملابس وأكسيسوارات وغير ذلك ويضمن لهم مصاحبة بيداغوجية خلال مرحلة الإنتاج من طرف أعضاء جمعية “أمل” المحترفين في مجال الإبداع السمعي البصري. وقد شكل افتتاح هذا الأستوديو بديلا أمام السينفيليين، الذين كانوا سابقا ينشطون في مناخ لا يساعد على الإبداع، حيث بإمكانهم حاليا الاشتغال في ظروف احترافية تشجع على الخلق والتجديد في أجواء من الإستقلالية وحرية التعبير. إن غاية المشرفين من وراء ذلك هي جعل هذا الأستوديو بمثابة منبت للمشاريع السينمائية المنجزة من طرف ومن أجل ساكنة تيزينيت وناحيتها.
بالإضافة إلى ما سبق يضم المركب السينمائي كذلك مكتبة وسائطية أطلق عليها إسم “مكتبة الأخوين لوميير”، وهي بمثابة “فضاء حياة” اجتماعي وثقافي حول السينما، بحيث تضع رهن إشارة عشاق السينما والطلبة والأساتذة والباحثين وغيرهم كتبا ومجلات ووثائق وأفلام بأشكالها المختلفة.
يمكن لرواد هذه المكتبة أن يشاهدوا في عين المكان الأفلام المبرمجة في “سينما الخميس” أو المصورة في “استوديو ديكسون” أو روائع السينما العالمية وغيرها، كما يمكنهم استعارتها لمدة معينة أو تنظيم عروض جماعية لها داخل قاعة عدن. هذا بالإضافة إلى الاستفادة من خدمات مقهى عمومية في الهواء الطلق داخل المركب السينمائي، وهي فضاء ثقافي بامتياز قابل لاحتضان أنشطة فنية وثقافية متنوعة وعروض سينمائية ليلا.
تجدر الإشارة في الأخير إلى أن جمعية “أمل” (ESPOIR)، المشرفة على المركب السينمائي بتزنيت، يسيرها مجموعة من الفنانين بهدف إنعاش وتعزيز الحق في الثقافة داخل مناخ فني ملائم، وذلك بواسطة خلق رحلة ثقافية يتم من خلالها إشراك المواطن ليسافر عبر محطات الإبداع من أجل السلام. كما تسعى الجمعية إلى دعم الإبداع الفني في المنطقة وتشجيع التبادل الثقافي داخلها وخارجها.
يستند عمل الجمعية على تقدير قيمة الصورة، وعلى الإيمان بأهمية تمكين الجميع من ثقافتها اعتبارا لدورها المحوري في تطوير المجتمع المدني. ولفريق الجمعية وإدارة المركب ما يكفي من المسارات والتجارب والقدرات للعمل ضمن منظومة يحكمها جمع عام وتتوفر على مجلس إداري وأعضاء وأصدقاء ومستشارين، بالإضافة إلى منخرطين متطوعين.
لمعرفة المزيد عن هذا المركب السينمائي الفتي زوروا صفحته على الفايسبوك:
https://www.facebook.com/cctiznit
بقلم: أحمد سيجلماسي