بعد مسيرة سينمائية حافلة دامت قرابة 75 عامًا وشملت 217 عملا على الشاشة ما بين السينما والدراما التلفزيونية، توفي الممثل الكندي كريستوفر بلامر عن عمر ناهز 91 عامًا. شارك خلالها في عدد من الأعمال السينمائية التي تعد علامات في تاريخ السينما، من أبرزها فيلم “صوت الموسيقى” (The Sound Of Music).
من مسرح المدرسة إلى برودواي
حين كان أرثر كريستوفر بلامر مراهقًا كنديا في الخامسة عشر من عمره افتتن بالمسرح بعدما شاهد أداء لورانس أوليفير في فيلم “هنري الخامس” في عام 1944، فاتّجه لدراسة التمثيل وتعلّم أساسياته في “مسرح مونتريال ريبرتوري” بعدما كان يدرس الموسيقى وعزف البيانو تحديدا.
وبعد عامين كان يؤدي دور البطولة في مسرحية “فخر وازدراء” (Pride and Prejudice) على مسرح مدرسته الثانوية، ومن خلال دور “السيد دارسي” لفت بلامر انتباه العديد من النقاد والمخرجين، وكان بمثابة بداية حقيقية في مسيرته التمثيلية، ليؤدي بعدها بعام وهو في الثامنة عشر من عمره أول أدواره الاحترافية شخصية “أوديب” في مسرحية “الآلة الجهنمية” للكاتب المسرحي الفرنسي جان كوكتو.
كان المسرح “ندّاهته” الشخصية التي سحبته بعيدًا عن استكمال دراسته التقليدية، فترك الجامعة متجهًا للتمثيل المسرحي ثم السينمائي، فقدم عددًا من الأدوار والعروض المسرحية على مسرح برودواي الأميركي، بالإضافة إلى مشاركته في جولات مسرحية في عدة مدن داخل القارة الأميركية وخارجها، كما كان المسرح بوابته إلى التلفزيون الكندي الذي ظهر على شاشته في معالجة تلفزيونية لمسرحية “عطيل” في عام 1953.
وبعد ذلك بثلاث سنوات أدى دور “هنري الخامس”، ذلك الدور الذي خطفه إلى عالم التمثيل قبل 12 عامًا، وواصل مسيرته المسرحية مؤديًا العديد من الأدوار الكلاسيكية في مسرحيات لشكسبير وكوكتو وإبسن، إذ ساعدته نشأته الكندية على إتقان اللغتين الفرنسية والإنجليزية، مما سمح له بأداء أدوار مسرحية باللغتين.
حياة حافلة قبل الثلاثين
نشط كريستوفر بلامر في المسرح لمدة 12 عامًا منذ 1946 حتى 1958 الذي كان عامًا نشطا بالنسبة لبلامر على الشاشات وهو بعد في التاسعة والعشرين، إذ أسند إليه أول ظهور سينمائي عندما اختاره المخرج الأميركي سيدني لوميت في دور كاتب شاب في فيلم “ستيدج ستراك” (Stage Struck). وفي العام نفسه، لعب بلامر دور البطولة في فيلم “الرياح حول إيفرغليدس” (Wind Across the Everglades).
وفي العام ذاته، ظهر في مسلسل الدراما التلفزيونية “قمر ألباين الصغير”، وعنه حصل على أول ترشيح لجائزة “إيمي” (Emmy Award). وفي عام 1958 ظهر في المعالجة التلفزيونية من مسرحية “بيت الدمية” لهنريك إبسن.
كل ما تتعلمه سينفعك
رغم أنه لم ينه دراسته الجامعية، فإن ما تعلمه كريستوفر بلامر في بداياته كان مؤهلًا له ليخوض تجربة مهنية ثرية، فقد أتقن لغتين، وتعلم أساسيات نظرية الموسيقى والعزف على البيانو وهو في صدر مراهقته، مما ساهم في تشكيل تجربته الفنية.
وقد ساعدته خلفيته الموسيقية التي ظل يدرس خلالها البيانو لقرابة 4 أعوام ليصبح فنانا شاملًا يمكنه الغناء والتمثيل والأداء الصوتي والحركة المسرحية، وأهّلته لينال دور البطولة في الفيلم الموسيقي الكلاسيكي الشهير “صوت الموسيقى”، الذي حقق نجاحا جماهيريا عاليا وظل في صدارة شباك التذاكر لأسابيع عديدة من عام 1965، وأدى فيه دور كابتن فون تراب الذي ظل دورًا أيقونيًا يطارد بلامر لسنوات عدة.
آراء ثورية
يبدو أن بلامر لا يعترف بنجاحه في هذا الدور، إذ أعلن أكثر من مرة عن عدم إعجابه به، بل أعلن احتقاره له في مناسبات عدة، آخرها في جلسة توزيع جوائز جريدة “هوليود ريبورتر” (Hollywood Reporter) والتي صرح خلالها برأيه في الفيلم بأنه “فظيع جدًا ومبتذل ولزج” وأنه لم يكن سعيدًا حين قدمه.
وعبر بلامر عن رأيه في شخصية الكابتن التي لاحقته لسنوات بأنه يشعر بالملل قليلاً من شخصية الكابتن فون تراب “على الرغم من عملنا بجدية لجعله مثيرًا للاهتمام، إذ كان الأمر يشبه جلد حصان ميت، إنه لا يمكن أن يروق لأي شخص في العالم”.
ويدلل هذا الرأي المتأخر على مدى الثورية التي صبغت روح كريستوفر بلامر في أواخر سنوات عمره، فأن تظهر أمام جمهورك لتعبر عن عدم إعجابك بذائقتهم الفنية وتكسّر أيقوناتهم الفنية أمر يحتاج لروح ثورية وكلمات لبقة كان بالتأكيد يملكها بلامر حين قال إن الدور لم يعجبه لكنه سعيد بالمشاركة في فيلم ذي نجاح جماهيري هائل مثله.
أكبر ممثل يحصد الأوسكار
رغم مسيرته الطويلة، لم يترشح بلامر لأي من جوائز أوسكار قبل عام 2010، إذ ترشح لجائزة الأوسكار عن تجسيده دور الكاتب الروسي ليف تولستوي في فيلم “المحطة الأخيرة”، ثم نالها بعد ذلك بعامين في فئة أفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم “المبتدئون” (Beginners). وحين صعد ليتسلم الجائزة ويلقي كلمته، ضحك الرجل ذو الحلة السوداء الأنيقة وذو الـ83 عامًا مخاطبًا النموذج الذهبي لجائزة الأوسكار “أنت أكبر مني بعامين فقط، أين كنت طوال هذه المدة يا حبيبي؟”، ليكون بلامر هو أكبر ممثل يتلقى جائزة أوسكار على مدى تاريخ الأكاديمية.
كان يمكن لكريستوفر بلامر أن يكسر رقمه القياسي كأكبر ممثل يتلقى الأوسكار في عمر 82 عامًا لو أنه تلقاها في ترشيحه الثالث في عام 2018، حين تم ترشيحه لنيل الجائزة في فئة أحسن ممثل مساعد أيضًا عن دوره في فيلم “كل أموال العالم” (All the Money in the World)، وهو في عمر التاسعة والثمانين، لكن لا بأس فقد ظل نشيطًا يحصد جوائز وتكريمات ويؤدي الأدوار حتى وفاته أمس السبت 5 فبراير/شباط 2021.
فقد حصد تكريمًا عن مجمل أعماله في مهرجان جوائز الشاشة الكندية عام 2016. كما ستُعرض آخر مشاركاته السينمائية العام الجاري في فيلم الرسوم المتحركة “أبطال الأقنعة الذهبية” (Heroes of the Golden Masks) ليعد واحدًا من أصحاب أطول المسيرات الفنية في العالم، والتي دامت 75 عامًا تنوعت ما بين المسرح والتلفزيون والسينما بكافة أنواعها، الأفلام الموسيقية وحتى الدرامية والوثائقية والرسوم المتحركة.
المصدر: الجزيرة نت