يحتل مفهوم الثقافة مكانة مرموقة في تاريخ فلسفة الفنون والعلوم ولاسيما الأنثروبولوجيا (علم دراسة الإنسان)، حيث انكب الفلاسفة والمفكرون و العلماء على إعطاء مفهوم خاص لكل واحد منهم حسب رؤيته ودراسته، مما أدى الى وجود اختلاف وتباين وتعارض في تصوراتهم، والموضوع الذي أمامنا يندرج ضمن نفس المفهوم ولكن داخل سياق الحقل الفني وبالضبط السينمائي، إذ يسلط الضوء على مسألة الثقافة السينمائية بين التربية والتكوين، مما جعلنا نبسط الإشكال التالي:
فما مفهوم الثقافة بشكل عام والثقافة السينمائية بشكل خاص؟ وما هو المشترك بينهما؟ وبماذا تتميز هذه الثقافة السينمائية عن الثقافات الأخرى؟
إن محاولة تقييم وجهات النظر المتباينة عن مفهوم الثقافة من شأنها أن تلقي الضوء في ذاتها على ماهية الثقافة وإن لم يتمخض عن ذلك تعريف موحد ومتفق عليه لهذا المفهوم، فعلى سبيل المثال قد أشار العالم الأنثروبولوجي الإنجليزي تايلور إلى أن “الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعارف والمعتقدات والفن والأخلاق والقوانين والتقاليد وكل الأعراف الأخرى والعادات المكتسبة من طرف الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع.”
إن تايلر هو أول من وضع مفهوم الثقافة، وقد استعمل وصفا دقيقا في تعريفه للثقافة وقد ذكر مجموعة من المفاهيم ضمن سياقات مختلفة قد نعتبرها أنماطا للمعرفة، فالمعتقد والفن والأخلاق والقانون والتقاليد والأعراف والعادات التي ذكرها في وصف المفهوم كلها تستدعي المعرفة، وهذه الأخيرة هي من تسمح للإنسان بالتكيف داخل الوسط الاجتماعي، فحسب تايلور فمفهوم الثقافة يعبر عن معرفة شمولية بالحياة الاجتماعية، بما فيها الفنون والعلوم، و ما يهمنا هنا هو ثقافة الفن السابع أو الثقافة السينمائية.
شكل اختراع السينما منعطفا في تاريخ الفنون وخاصة خلال نهاية القرن التاسع عشر أي مند بدايتها تقريبا، فقد ظل هذا الاسم ملتصقا بالسينما إلى يومنا هذا وقد أكدت الدراسات التاريخية أن لقب “الفن السابع يعود الفيلسوف الفرنسي “أيتينسوريو”Etienne Souriau” ” والناقد الايطالي الأصل “ريتشيوتوكامودو”RiciottoCamudo” في نظريتهما الأدبية حول الحديث عن السينما. فحسب نظرية “كامودو” فإن وصف السينما بالفن السابع ناتج عن الترتيب الزمني لظهور السينما بين الفنون العظيمة ثم عن كونها تشمل عمل ستة أنواع أخرى من الفنون، فاستنادا لنظرية “كامودو” فإن العمارة و الموسيقى كانت من أعظم الفنون ثم الرسم والنحت والشعر والرقص ثم جاءت السينما فجمعت هذه الفنون معا، وخلقت منها فنا واحدا فريدا ومتفردا سمي بالفن السابع.
أما نظرية “أيتينسوريو” فقد أعتبر أن السينما نوعا مستقلا من الفنون، ولكنه يتفق مع نظرية “كامودو” في اللقب كونها تحتل ترتيبا زمنيا لظهور الفنون لا في كونها تشمل الفنون، ولهذا فقد اتفق المؤرخون مع نظرية “كامودو” في وصف السينما بالفن السابع.
إذن فوصف السينما بالفن السابع يحمل في طياته معرفة العديد من الفنون والعلوم ، وبناء على النظريتين فإن التعريف بمهنة السينما يشمل مئات الفنون والحرف وتضم ملايين التقنيين في ميادينها المختلفة، فهي وحدها موسوعة ثقافية، فما المقصود بالثقافة السينمائية؟
حينما نتحدث عن الثقافة السينمائية بالمغرب ، فأننا نقصد مجموع المعارف والمعلومات في جوهر السينما المغربية بصناعها وروادها المحليين، فالعديد من الأفلام المغربية مفقودة النسب أو مجهولة الرأس، فلا أحد يعرف صناعها، من منتجين ومخرجين وتقنيين وكتاب ومسوقين وموضبين ومصورين ومهندسي الصوت ومنسقي المناظر ومهندسي الإضاءة و أخصائيو الملابس والممثلين والكهربائيين وأخصائي المؤثرات الخاصة..إلخ.
وعلى الأرجح أن تنطلق الثقافة السينمائية من أصلها وجذورها فلا يعقل أن يتم الحديث عن السينما العالمية وعن صناعها وعن عرض أفلامها في حين أن صناع السينما المغربية مجهولين، فلا يمكن كتابة كتب في الصورة السينمائية أو فلسفة السينما أو السينما والأدب أو الشعر أو ما شبه وتاريخ السينما المغربية مجهول، فهذا في الحقيقة لا يساهم في التربية والانفتاح على الثقافة السينمائية من جهة ولا في تكوين جيل يحترمها من جهة أخرى.
تتميز الثقافة السينمائية عن باقي الثقافات الأخرى في كونها تشمل كل الفنون والعلوم فهي وحدها موسوعة ويكيبيديا تحمل معرفة القصص والشعر والموسيقى والمسرح والرسم والنحت والهندسة وعلم البصريات والكهرباء والالكترونيات وعلم الكتابة والتأليف، وتقنيات التصوير، واختراع الديكورات، وعلم الآداب والعلوم الإنسانية، إضافة أنها تناقش مواضيع هامة في التاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعية و السياسية، فإذا ما شاهدنا جميع الأفلام وناقشنا صناعتها واستوعبنا مواضيعها، فقد نحظى بما تحمله الكتب في طياتها، فمن يشاهد فيلما ويحلله كمن يقرأ كتابا ويلخصه.
إذن فمن خلال مفهوم الثقافة عن العالم الانجليزي “تايلر” الذي ذكر أن الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعارف والمعتقدات والفن والأخلاق والقوانين والتقاليد، وبناء على النظريتين للفيلسوف الفرنسي “أيتينسوريو ” والناقد الايطالي الأصل” ريتشيوتوكامودو” فإن التعريف بمهنة السينما الذي يشمل مئات الفنون والحرف والذي يضم ملايين التقنيين في ميادينها المختلفة، فإن الثقافة السينمائية هي المعرفة الشاملة بكل مهن السينما وفنونها وصناعها.
فما مكانة الثقافة السينمائية داخل منظومة التربية والتكوين ؟
عبد الرحيم الشافعي – المغرب